جـورج حبـش الحكيـم والديموقراطيـة

احمد برقاوي

«الرفيق الدكتور احمد برقاوي: من أجل أن يستمر نضالنا وتحقيق الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال وبناء المشروع القومي العربي معاً وسوياً من أجل فلسطين. مع خالص المودة والتقدير. أخوك جورج حبش ـ توقيع»
كان ذلك إهداء الحكيم لي كتابه «جورج حبش، حوار محمود سويد وذلك بتاريخ 9/11/2002» .
فلسطين والمشروع القومي: هاجس الحكيم الذي لم ينقطع أبداً. هاجس أنتج آراء الحكيم حول أكبر قضايا العرب المعاصرة .
الكفاح، الوحدة، الدولة، الديموقراطية، المصير العربي دون أن تعتريه روح التشاؤم أو الندم أو التوبة كما الكثير. «في ضوء تجربتي مع الحياة ـ يقول الحكيم ـ بحلوها ومرها، فإن قناعاتي راسخة بأن التاريخ البشري تقدمي . أقول هذا بثقة وتفاؤل على الرغم من كل الهزائم والإخفاقات، على الرغم من الصراع المرير الذي يحكم العلاقة بين قوى التقدم وقوى الظلام، بالذات في منطقتنا العربية. فسيكون المستقبل إلى جانب أمتنا» .
في عام 2003، سيرى النور مركز الغد العربي للدراسات. وسيكون لي شرف أن اعمل نائب رئيس المركز أي نائب الحكيم. وكانت المسألة الأساسية التي رانت على عقل الحكيم كيف لنا أن نصنع الغد العربي عبر عقل نقدي يجيب على سؤال مهم: لماذا أخفقنا ؟ والحق أن السؤال: لماذا أخفقنا بارتباط مع السؤال الرئيس كيف لنا أن نحقق أهدافنا، يمثلان ـ أي هذان السؤالان ـ المدخل الأولي لأي تفكير جديد بالواقع العربي وآفاقه.
ولقد قيض لي أن اجلس مع الحكيم ساعاتٍ طوالا، جرت خلالها نقاشات حول ما نحن بصدد الشروع به وبعد الشروع بإنشاء المركز .
كان الحكيم في كل جلسة يطرح همه الأساس: كيف لنا أن نخلق وعياً جديداً متقدماً علمياً وعقلياً وموضوعياً، نسلح به جيل الشباب الراهن، مستفيدين من نقد تجربتنا، ومحتفظين بالناصع منها، لأن الحكيم كان يؤمن بمفهوم التراكم والانقطاع حقاً .
لقد رانت على عقل الحكيم فكرة الديموقراطية بصورة لم يعد يتصور مستقبلنا العربي دونها . حتى بدا له أن تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية لا يتحققان إلا بوعي ديموقراطي بالحاضر والمستقبل. الديموقراطية ـ كما رآها الحكيم متحدثاً عنها في لقاءاته وحواراته ـ ديموقراطية بوصفها نمط الحياة، في الأسرة، في العلاقات الإنسانية، في الحزب، في الدولة ..
الديموقراطية بوصفها مفهوماً عاماً افتقدتها الثورة الفلسطينية التي عانت من الفردية في اتخاذ القرار. الوحدة ديموقراطياً تعني الإقرار بالتنوع والخصوصية، واحترام الاختلاف والانطلاق منه.
لماذا انهزمنا يا حكيم: يتحدث الحكيم عن التجربة لكنه يؤكد بصورة لا لبس فيها : غابت الديموقراطية عن حركة التحرر العربية، عن الثورة الفلسطينية عن التجربة الناصرية .
يسأل محمود سويد الحكيم: كيف تنظر اليوم إلى المفاهيم التالية: الوحدة الوطنية الفلسطينية؟ يجيب بأنها ضرورة ملحة شرط أن تقوم على أساس سياسي واضح، وعلى أساس ديموقراطي، وألا تكون تحت رحمة قيادة فردية .
الوحدة العربية/ فمع تعميق إيماني بضرورة وحدة الأمة العربية وأهمية ذلك لتحقيق شرط تحرير فلسطين، لا انظر إلى الوحدة اليوم كمجرد شعار، وإنما من خلال عملية التراكم والتكامل. الوحدة يجب أن تتم كعملية تفاعلية من القاعدة والقمة في آن واحد.
تحرير فلسطين: الجديد في تفكيري على هذا الصعيد هو المرحلية، تحرير فلسطين هو الهدف، وبلوغ ذلك عملية تاريخية تنجز على مراحل. اليهود الذي سيقيمون في فلسطينيين سيكونون مواطنين فلسطين يعاملون على قدم المساواة في ظل نظام ديموقراطي .
الديموقراطية، لا أهمل ما هو مكتوب، وهنا علي أن أقول إننا فشلنا وان جزءاً كبيراً من هذا الفشل، يعود إلى أننا لم نكن ديموقراطيين. الديموقراطية يجب فهمهما بشمولية .
وماذا تقول بعد يا حكيم؟ ما هي الرسالة؟ وعي الديموقراطية كأداة نهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع . الديموقراطية بحد ذاتها ليست هي الحل وإنما هي بوابة الحل. أما الحل فهو قوى المجتمع وحريته القادرة على تحديد الأهداف .
يدرك الحكيم أن التاريخ لا يعيد نفسه ولهذا فهو يفكر بصناع التاريخ.
لقد ظل الحكيم منتمياً إلى المشروع القومي العربي، إلى هدف تحرير فلسطين إلى التقدم التاريخي .
لم يتخل عن ذلك، لكنه أضاف إلى هذا المشروع فكرة حرية تحقيق المشروع عبر وعي ديمقراطي بالواقع وبالتاريخ .
والحق أن القوة الأخلاقية للحكيم جعلته منتمياً أيضاً إلى فكرة الأساس الأخلاقي للعمل من اجل تحقيق الأهداف الكبرى للعرب .
في فقرة تبرز القوة الأخلاقية للحكيم يقول فيها :
«إنني أدرك عمق الجروح التي تتركها الصراعات، وما نثيره من حساسيات ومشاعر، وخصوصاً عندما يجري تغذية وشحن تلك الحساسيات بالكراهية، والأنانية، والاستخفاف بمشاعر الجماعات البشرية وكرامتها، الأمر الذي يؤدي إلى تغييب ما هو جوهري وأساسي، تحت ركام الانفعالات والغرائز المنفلتة، سواء اتخذت الشكل الطائفي أو السياسي أو القطري . أن الوصول بالعلاقات إلى هذا المستوى من الانحطاط الخلقي والفكري معاً يعني، في العمق، الإساءة إلى الذات أولاً والى الآخر ثانيا» ولعمري أن ثورة أو حركة سياسية تطرح أهدافها الكبرى على مستوى التاريخ، لا تستطيع إلا أن تنطلق من هذه العلاقة الأخلاقية المتجاوزة لعالم الغريزة والمصالح الضيقة والتعصب الأعمى.
فالقوى الأخلاقية للجماعات وللأفراد في حالنا أمر في غاية الأهمية بالنسبة للفعل السياسي.