غسان سلامة
هل بات مألوفا رؤية مخيم فلسطيني يحترق , محاصر, تأكله النيران ويقصف بكل انواع القذائف لسبب ما وبلا رحمة , وكأن سكانه ليسوا بشرا ولا يستحقون الحياة ؟
وهل بات مألوفا رؤية اللاجئين الفلسطينيين يبكون حالهم , يصرخون ويلطمون ضحاياهم , يهرولون مذعورين في كل أتجاه ؟
حدث هذا يوما في مخيمات اللجوء في الاردن وأيام في لبنان , وتحدثه اسرائيل يوميا في مخيمات الضفة وقطاع غزة . ولكن ما يحدث الان ضد نهر البارد من احراق وتدمير عشوائي وقتل وتشريد قد نكأ الجراح , وعاد باللاجىء الفلسطيني الى سيرته الاولى أيام دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وجرش وعجلون وجنين وتل الزعتر .
ليس مهما ما يقوله الجيش اللبناني تبريرا لما يفعله , فالمخيم لم يهدركرامة احد وليس معنيا بأعادتها لآحد , ولا مهما من يكون شاكر العبسي وفتح الاسلام , ولكن المهم وقف استباحة
حرمة المخيمات الفلسطينية و الكف عن الحاق الموت والهلع بساكنيها من اللاجئين بغير ذنب . وقد ان للجهات المعنية في لبنان وبعد كل الذي جرى أن تكف عن لعبة الموت هذه , وأن تبحث عن وسائل اكثر واقعية للحل واكثرحضارية وانسانية , وأن تعيد النظرفي كل الاجراءات التعسفية والقوانين الظالمة والمواقف العدائية ضد اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم . فليس من العدل أن تقحم المخيمات الفلسطينية في النزاعات الداخلية أو تؤخذ بجريرة هذا العبسي وغيره أيا كانت توجهاتهم وميولهم والجهات التي اتت بهم وتمولهم .
ومن حقنا ان نسأل من هم فتح الاسلام ومن اين جاؤوا للمخيم وكيف تم تجميعهم ومن يقدم لهم المساعدات ولماذا نهر البارد ؟ اسئلة برسم الاجابة عنها من جامعة الدول العربية التي لم تحرك ساكنا حتى الان ! ومن الزعماء العرب الذين لم تأخذهم النخوة التي كانت بعد انتصار حزب الله.
ان مانعرفه عن فتح الاسلام وشاكرها العبسي ليس بعيدا عما يعرفه المهتمون في لبنان , وأكده الصحافيان سيمون هيرش وفرانكلين لامين . بأن تكوين جماعات سنية متطرفة في لبنان أصبح مشروع تبنته ادارة بوش والمخابرات الامريكية بالتعاون مع المخابرات الاسرائيلية والعربية الموالية لمواجهة حزب الله والمعارضة اللبنانية وفتح ملف السلاح الفلسطيني واعادة تفصيل لبنان . لقد جاءت فتح الاسلام الي مخيم نهر البارد في النصف الثاني من 2006 بعد انتهاء
الحرب الاسرائيلية على لبنان بتسهيلات , وهىحركة متعددة الجنسيات وقد وضعها سعد الحريري في هذا المخيم كما وضع جند الشام على تخوم مخيم عين الحلوه , ووضع تحت تصرفهم شقق سكنية في طرابلس المدينة تعود ملكيتهاالى ال الحريري . الممول هو سعد الحريري , من خلال المصرف الذي قيل بأنهم سطوا عليه ولكن مصادر البنك تفيد انهم انتزعوا الموازنة المخصصة لهم والمقررة من سعد الحريري بعد وقفها عنهم بقرار امريكي للآشتباه بأنهم على علاقة مع تنظيم القاعدة في العراق. وقد تم تجميع فتح الاسلام وتبنيها ضمن رؤية توازن المليشيات المسلحة وكبح جماح حزب الله , وضمن هذا السياق انتعشت الجماعات الاسلامية السنية المتطرفة في لبنان , ويذكرنا ذلك بكيفية صناعة مجاهدو افغانستان .
من هنا يمكن القول ان مخيم نهر البارد المهدورة دمه بمثابة ضحية , مثله بذلك كمثل الجيش اللبناني المهدورة كرامتة . ولم يعد مقبولا ان تستمر السلطة في لبنان بوضع اربعمائة الف
لاجىء فلسطبني على صفيح ساخن , وتجعل من مخيماتهم حقلا للرماية ومعازل عنصرية .
فمن بين كل الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات على أراضيها تنفردالحكومات اللبنانية المتعاقبة بتشريع الفصل العنصري ضد اللاجئين الفلسطينيين وتحديد اقامتهم في معازل محدودة يحظر تطويرها , ومحاصرة كما نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا.
ففي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك لا توجد تشريعات ولا قوانين تكفل حماية اللاجئ, والحقوق الأنسانية التي كفلتها اتفاقية القاهرة عام 1969 ألغاها اتفاق 1982عقب اجتياح بيروت ورحيل منظمة التحرير الفلسطينية , .وفي عام 1987 ألغى المجلس النيابي اللبناني الاتفاق نهائيا من طرف واحد , فأضحى اللاجئين الفلسطينيين مطاردين للسلطة وللقمة العيش .
وتحت عنوان رفض التوطين اتخذت الحكومات اللبنانية المتعاقبة اجراءات ظاهرها تنظيم الوضع الداخلي ولكنها تعمدت تحديد التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين بما لا يسمح لهم بالأندماج مع المجتمع اللبناني والعيش الكريم , وتجريدهم من الحقوق الانسانية وأهمها مايتعلق بالحق في العمل والتملك والتعليم .
ففي عام 1995 أصدرت الحكومة البنانية قرارات وأحكام شملت أكثر من 70 مهنة لا يحق للاجئ الفلسطيني مزاولتها , وبموجبها وجد الشباب الفلسطيني نفسه مكدسا في سوق العمالة الرخيص والغير مرخص . وتفيد إحصاءات الأونروا ان أكثر من ستين بالمئة من اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر , وأن أكثر من 36 بالمئة محرومون من أي مورد رزق .
وفي مارس2000 صادق مجلس النواب اللبناني على تعديلات بخصوص الحق في التملك ولكنه استثنى اللاجئون الفلسطينيون لأن تملكهم يتعارض مع الدستورولا يحميهم من التوطين ! .هذا القرار حرم الفلسطينيون من التملك نهائيا ولا حتى شقه سكنية , وبالتالي من البناء أو اعادة البناء فتكدست الاجيا ل فوق بعضها , وكان ذلك دافعا للتهجير القسري من لبنان . واما عن الاجراءات الامنيه ضد المخيمات الفلسطينية فحدث ولاحرج
يعزو أقطاب النظام هذه الاجراءات التعسفية لدواعي التركيبة الديمغرافية للمجتمع اللبناني , والخوف من أحداث خلل طائفي والتصدي لمشاريع التوطين , ومنهم من يحمل اللاجئين مسؤولية الحرب الاهلية . ناهيك عن الاجراءات الأمنية المشددة على مداخل المخيمات ومخارجها .لقد أرهقت القوانين اللبنانية الجائرة اللاجئ الفلسطيني وحرمته من الحق في العمل والتنقل والعيش الكريم وأبقت على مخيماتهم في أوضاع انسانية صعبة للغاية , زاد عليها هذا الذي نراه في مخيم نهر البارد . وقد آن للسلطات اللبنانية أن توقف هذه المهازل وأن تحترم قرارات جامعة الدول العربية بحق اللاجئ الفلسطيني في المعاملة بالمثل كالمواطن وسائر البشر ودون تمييز .