رمضان مخيم الرشيدية يعود بشبابه إلى المساجد ويحيي لياليه

ما إن يعلو صوت المؤذن بصلاة المغرب، التي تتزامن مع حلول موعد الإفطار، حتى يهرع أهالي مخيم الرشيدية في صور مسرعين... نحو المساجد.
هنا يقدِّم شباب المخيم صلاتهم على طعامهم، وإن كان المسؤولون عن كل مسجد على حدة، وفي خطوة تشجيعية لإتباع تقليد يتعزز على ما يبدو مع بداية الشهر الكريم، يوفرّون للصائمين إفطاراً أوليا، كناية عن وجبة خفيفة من التمر واللبن قبلَ أداء فريضة الصلاة.
يؤدي الصائمون واجبهم تجاه احد أركان الدين الحنيف لينصرفوا بعدها إلى منازلهم حيثُ يتناولون طعام الإفطار مع عائلاتهم. ما بين صلاة المغرب وصلاة العِشاء تجتاح المخيم المكتظ أصوات «طقطقة» الملاعق والصحون. تخلو الشوارع إلا من رجال أمن حركة فتح الذينَ يتأبطون أسلحتهم بينَ الأزقّة وعندَ مراكزهم ومقراتهم، بينما يخرق الهدوء، بينَ فينةٍ وأخرى، دويّ مفرقعات ناريّة يطلقها أطفال المخيم .
التزام ديني مؤقّت
بالكاد ينهي الصائمون إفطارهم فيحين موعد العودة إلى المسجد لأداء فريضة صلاة العشاء التي تليها صلاة التراويح. يوجد في الرشيدية ثلاثة مساجد تفصل المسافات في ما بينها. بينَ أزقة المخيّم ومنازله القديمة ينتصب مسجد كبير ببناء من الطراز الحديث، هو مسجد لا يشبه محيطه العمرانيّ بشيء. تبدو الفخامة واضحة أمام تواضع المنازل المجاورة، إنّه مسجد عمر بن الخطاب، وهو جزء من مجمّع الغفران التابع لحركة حماس، هنا يتناقل الناس معلومات عن مبالغ خياليّة أنفقت على البناء.
عندَ الدرج الطويل للمسجد تواظب امرأة مسنة على الحضور يومياً. تمدّ العجوز يدها يومياً كلما رأت مجموعة من الشبّان تهمّ بالمغادرة.
في المسجد، يؤكد رمزي زمزم (عضو لجنة المسجد) «أنّ منسوب الالتزام الديني يرتفع في شهر رمضان ليعود ويتدنى في بقيّة الشهور، ففي المسجد يجتمع أكثر من 300 شاب يوميّاً لأداء فريضة صلاة العشاء، لكنّ بعض هؤلاء لا يلتزمون دينيّاً خارج إطار شهر الصوم». يعتبر زمزم ان مهمة لجنة المسجد تكمن ايضاً في حثّ الشباب على الالتزام في بقيّة شهور السنة وليس في رمضان فقط، «فحركة حماس قبلَ أن تكون حركة سياسيّة هي حركة دعويّة، والمسجد هو أهمّ مكان لإيصال دعوتنا إلى الناس، عبرَ الدروس والمواعظ والمحاضرات».
مقاه ليليّة فقط
بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح والاستماع إلى الموعظة اليومية، يفترق شمل شبّان المخيم ليعود كلّ منهم إلى أصدقائه.. هنا في مقهى حنظلة يجتمع يومياً حوالى ثلاثين شاباً حول النراجيل، يتبادلون أطراف الحديث بانتظار مسلسلهم المفضّل «باب الحارة «، وهو الأكثر شعبيّة في المخيم. قبل المسلسل يضجّ المقهى بفوضى الأحاديث المتبادلة، لكن سرعانَ ما تنقلب ألأجواء إلى هدوءٍ منقطع النظير مع بدء المسلسل، لتعود النقاشات المحتدمة وتعمّ من جديد، مع كلّ فاصلٍ إعلانيّ.
يؤكد صاحب المقهى أحمد فاعور التزامه بفتح أبواب استراحته بعدَ الإفطار فقط، «يحب الشباب تنفيخ «الأراكيل» بعدَ يوم صوم طويل، إضافةً إلى تناول المشروبات الباردة والساخنة»، مشيراً إلى «أن الحركة تنشط ليلاً مع توجّه الشبّان إلى المقاهي». يرى فاعور ان « نسبة الالتزام بالصوم في المخيم عالية، لأنّ مجتمعنا ما زال يربط الدين بالعادات والتقاليد».
نسوة في المساجد
في مقهى آخر، يتحلق مجموعة من الأصدقاء حولَ طاولة وعدد من النراجيل، ويتحادثون في ما بينهم. يشرح يعقوب منصور «أنّ الأنشطة في المخيم تزداد مع حلول شهر رمضان، ومن بينها دورات رياضيّة تُقام بينَ فترتيّ العصر والمغرب، بينَ فرق مختلفة لنوادٍ محليّة، إضافةً إلى مسابقاتٍ قرآنية لحفظ أجزاء معينة من القرآن الكريم في المساجد ومسابقات خطيّة بالمعلومات الدينيّة، ويأتي علماء من الأزهر الشريف للإرشاد والتوجيه والوعظ، ويكثر توزيع المساعدات «تحتَ جنح الظلام»، بغية عدم جرح مشاعر الأسر المحتاجة»، كما يقول.
وفي هذا الإطار، ينبري عماد جمال الآتي من مخيّم البرج الشمالي للسهر في الرشيديّة، ليوضح «أنّ الأجواء الرمضانية متشابهة بينَ جميع مخيمات صور، وأهمّ وقتين تفرغ فيهما الشوارع وتمتلئ المساجد، هما وقتا الإفطار وصلاة التراويح» ، لكنّ يعقوب يتدخّل ويرى مبالغة في كلام صديقه، ويقول ممازحاً: «إلاّ ما يكون فيه فئة ضالّة»، ويجد أنّ أهمّ ما يستجد في شهر رمضان هو أنّ النسوة يشاركنَ في تأدية صلاة التراويح وصلاة العيد، مبدياً اعتراضه على ذلك، «لأنّ أفضل صلاة للمرأة في بيتها» .
شبّان مفطرون ... لكنهم معذورون
في غضون ذلك، يحلو السهر لمجموعة من الشبّان في أحد أزقّة المخيّم وهم على دراجاتهم الناريّة. يؤكد الشباب أنّ سهراتهم في رمضان تمتدّ حتّى موعد أذان الفجر وانبعاث الخيوط الأولى للشمس، يتفقون هنا وسرعانَ ما يختلفون في أمور أخرى، ويحتدم النقاش بينهم مثلاً عن نسبة المفطرين في المخيّم. يقول محمد حجازي «انّ النسبة تتراوح بينَ 30 إلى 40 في المئة بينَ جيل الشباب»، يجيبه نايف أبو العسل منتقداً النسبة المرتفعة ليقول «خلّيها تطلع الصورة حلوة عنّا بالجريدة».
يعود محمّد ليؤكّد النسبة المرتفعة التي ذكرها، لكنّه يبرر للمفطرين «بأن هناكَ مَنْ يعمل بالزراعة والبناء ليؤمّن قوت يومه، وهذه الأعمال شاقّة ومتعبة، لا يستطيع العامل معها البقاء من دون طعام وخصوصاً بلا ماء في ظل الطقس الحالي، وهناكَ مَنْ لا يعمَل طيلة الشهر كي يتمكّن من الصوم، بينما يعاني البعض من أمراض مزمنة، وهم معذورون». وختاماً يتفق الصديقان على أنّ نسبة المفطرين تتراوح بينَ 20 – 30 في المئة، مؤكدين «أن المجتمع المحلي لا يتقبّل المفطرين إلاّ إذا كانَوا معذورين».
مسؤولية المفطرين وابتكار «مسحراتية»
وفي انتقاده نسبة المفطرين يحمل علي السيد المسؤوليّة للمؤسسات الدينية والأحزاب السياسيّة بصفتها الأكثر تأثيراً بهذه الشريحة، داعياً إلى «تفعيل عملها في شهر رمضان، والمبادرة إلى لعب دور أكبر في مجال توعية الشباب»، «لأنّ أغلب الشباب من المفطرين، أو أنّ أغلب المفطرين من الشباب» كما يقول .
وبالتزامن مع حديث السيّد، تطل أولى الفرق المؤلفة من مجموعة من الشبّان «المسحراتية»، فجديد رمضان الرشيدية هو تبرع بعض المجموعات الشبابية المتحمّسة للتصدي لمهمة «التسحير». تبدأ مهام الشباب عند الثانية والنصف فجراً معتمدين طرقا تقليدية في إيقاظ الأهالي، ومنها الدفّ والطبل والدربكة، لكن اللافت في الأمر تفنن بعض الشبّان في ابتكار أدوات لـ«التسحير» ومنها مثلاً غالون مياه بلاستيكيّ فارغ يُضرب بعصا بقوّة فيعطي صوتاً عميقاً يوقظ حيّا بكامله.
عودة السحور وغياب بعض المظاهر
والمستجدّ أيضاً هذا العام، هو إعلان أحد الأفران عن الافتتاح في أوقات السحور وتوفير خدمة التوصيل المجاني إلى المنازل، وهو ما لقي صدىً إيجابياً لدى أهالي المخيّم، بعدما كان يقتصر سحورهم على حواضر البيت، كما يشرح صاحب الفرن إبراهيم درويش. ويرد درويش خطوته إلى «أنّ عشرات الشبّان يخرجون يوميّاً من المخيم في أوقات السحور لانعدام الخيارات المتاحة، لذلك بادرت إلى فتح أبواب الفرن، وقد قمت بحملة إعلانيّة عبر الملصقات على الجدران». ساهمت الخطوة في تعميم بعض أجواء الشهر الكريم في المخيم، وفي هذا الصدد يقول عماد حسين الذي ينتظر نضوج المناقيش في الفرن، «انّ رمضان يفتقر إلى بهجته في المخيّم». يعود الشاب العشرينيّ بالذاكرة إلى الوراء ويستحضر كيف كانت الأجواء الرمضانية قبلَ سنوات من الآن، ويردّ غياب بعض هذه المظاهر إلى الأوضاع الاقتصادية التي يمرّ بها سكّان المخيّم.
ليل رمضان الرشيدية يقتصر على رجال المخيم وشبانه... تخلو أزقة الرشيدية من العنصر النسائي فيما يستبيح الذكور فيه زواياه وطرقاته محولين ليله إلى مناسبة للسهر والسمر إلى أن يعلو صوت المؤذن معلناً استئناف الصوم.

» إصابة فلسطيني باطلاق نار والاعتداء على آخر في مخيم الرشيدية
» العثور على جثة فلسطيني من مخيم الرشيدية
» افطار لحركة "الجهاد" في مخيم الرشيدية
» ندوة في مخيم الرشيدية حول حق العمل للفلسطينيين
» اعتصام مخيم الرشيدية: لتدريس تاريخ فلسطين