أحزان آب وخساراته... تداعيات

-1 أحزان آب برج البراجنة
في آب، وأكثر أيام شهر رمضان هذا العام فيه، تجد نفسك، مساء، أسير التلفاز. فأنت، كل عام في رمضان، تسأل نفسك: ماذا سأشاهد هذا العام؟ وقد تسأل سعدي، موظف جريدة "الايام" في مدينة نابلس، عن المسلسلات وأماكن بثها وأوقاته أيضاً. في آب هذا، في رمضان منه، تشاهد حلقات من "وطن على وتر" و "طلات مقدسية" و "أرزة وزيتونة"، وستتابع يومياً: "ذاكرة الجسد" و "أنا القدس". ستضحك وأنت تشاهد حلقة "وطن على وتر" عن زيارة هيفاء وهبي لغزة ولقائها مع رئيس وزراء دولتها العتيدة (متى سنتبادل السفراء بين دولتينا: غزة والضفة؟ سيلفت نظرك ما كتبه فريح أبو مدين وما كتب عن مقاله). ولكنك ما إن تنتهي من مشاهدة الحلقة حتى تبدأ مشاهدة "أرزة وزيتونة".
وأنت تشاهد الحلقات التي صورت من مخيم برج البراجنة لا تلتفت الى سؤال المسابقة وإجابته وآلاف الدولارات التي تمنح، فماذا تفعل الماشطة/ المائة دولار، بالوجه العكر/ بشوارع المخيم وبيوته وسكانه.. ماذا تفعل حقاً بهذا كله وبشتات العائلة وأمراضها وتشوهاتها ومعاناتها التي ابتدأت منذ العام 1948 ولما تنته؟
تعود الى قصيدة أحمد دحبور "راوية المخيم" التي ظهرت في ديوانه "حكاية الولد الفلسطيني" )1971( وكان كتبها في 25/4/1969. ما بين كتابة القصيدة ومشاهدة حلقة "أرزة وزيتونة" أربعون عاماً تزيد قليلاً. ويوم كتب أحمد قصيدته كنت تقيم في مخيم عسكر للاجئين. كيف كان المخيم يومها؟ كيف يبدو الآن؟ كيف كان الواقع الفلسطيني في حينه في لبنان وكيف هو الآن؟
في العام 1969 غدا للفلسطيني صوت، وهكذا طلب راوية المخيم من الآخرين أن يستمعوا اليه هو ابن المخيم الذي عاش في الخرائب والمجاعة والخفوت والاعاشة وأشباح البيوت. وكانت مهمته ألا يموت، فلقد بلا الموت دهراً وبقي حياً، وحين حارب في شطرنج ذي القربى هدم فيله الملجم قلعته، لكنه بقي حياً، وإن ظل عشرين عاماً يسقى من الدم المر المسمم. كتب أحمد يومها: الجوع لا يقوى عليّا. وكان يعلم ويعرف ولا ينسى وطنه: "لم يكفني أني حفظت النبض في جسدي، / وصنت دم الصحابة/ فأنا حفظت النبض في جسدي ليرجع لي ترابه" وسيخاطب أحمد الاقارب الاوصياء: "عشرون تكفي.. لست في شرعي وصياً
عشرون تكفي.. شب هذا الطفل
شب الهمّ،/ عاد الجوع وحيا"
والجوع علمه كتابه. كان احمد يحفظ وطنه عن ظهر قلب، فماذا يعرف فلسطينيو لبنان اليوم عن وطنهم. سمّ لي / سمي لي أسماء خمس مدن فلسطينية حتى تربح جائزة؟ ما هي عاصمة فلسطين؟ من أين انت؟ أين تقع هذه القرية؟ سم لي/ سمي لي أسماء خمس قرى أخرى تجاورها، وتوزع الدولارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تنقذ من حصار ولا ترد الى المنفى وطناً ولا.. ولا.. ولا. ولكنها على أية حال لفتة كريمة، لعل الاهم منها القول: لم ننسكم ولكن هذا كل ما باليد. ماذا سيكتب أحمد دحبور عن المخيم، لو كتب، الآن؟ تسأل نفسك، فهو العائد الى غزة غادرها وعاد الى الشام ثانية. لقد أحزنه الانقلاب والانقسام وأتعبه الحصار وهده المرض.
في العام 2009 ستقرأ رواية يوسف العيلة "أوراق لاجئ" كان الروائي تقدم بها لجائزة الرواية في الشام لمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، ثم طبعها لتعرف اسم مؤلفها انت الذي قرأها دون أن يعرف اسم كاتبها. صحح الاخطاء اللغوية/ النحوية والمطبعية، وغير في عناوين بعض الفصول، وأصدرها في العام 2010 وكنت تتوقع أن تثير جدلاً، لكنها، حتى اللحظة، لم تحظ بمراجعات نقدية. وأنت أتيت عليها، بايجاز، في أحد دفاترك في "الأيام".
تتذكر بطلها المصاب بالفصام: جمال الموسى/ ابراهيم الموسى. لاجئ أصله من يافا، ولد في مخيم لاجئين قرب طولكرم، درس وجد واجتهد، ودرس الأدب العربي في الجامعة الاميركية في بيروت في سبعينيات ق 20 وعاد الى المخيم، وأخذ يقارن بين حياته في بيروت وحياته في المخيم، وقد رأى أن الفارق كبير كبير. المخيم علبة سردين - ولم يكن يومها على ما هو عليه الآن. كان أفضل بكثير -. وإذا كان أبوه يتمسك بالمخيم ويحث ابنه على هذا حتى يحافظ على هويته من أجل العودة الى يافا، فإن الابن يشكو ويضجر، إذ لا تروق له حياة البؤس والقسوة والمعاناة. هل الحياة في المخيم حياة؟ (كيف لو عاش في مخيم برج البراجنة الآن؟ كيف؟ بمخيمات الضفة، على الرغم من قسوة الحياة فيها، تعد جنة الى جحيم مخيمات لبنان).
ولن يفتخر جمال الموسى/ ابراهيم الموسى بالمخيم وحياته. المخيم جحيم لا يطاق. هل كان عبثاً أن تساءل اللاجئون عن مصيرهم يوم القيامة؟ أين سيذهبون؟ (أنت في رمضان، فاستغفر الله).
يرى جمال المخيم وسخاً وعفناً وجحيماً وقبرا و... ولهذا يقرر أن يحرق أوراقه. (لتتذكر ان عنوان الرواية هو: أوراق لاجئ).
وأنت تشاهد الحياة في مخيم برج البراجنة وترى قسوتها وبؤسها. وأنت تشاهد سكان المخيم وما آلوا اليه، فهم الآن ما بين طاعن في السن وجريح ومشتت، وأنت تشاهد هذا كله تتذكر كتاب (ابراهام بورغ): "لننتصر على هتلر" الذي ترجمه بلال ضاهر وسليم سلامة وصدر عن منشورات "مدار" هذا العام (2010). قبل أن تقرأ الكتاب كنت كتبت قصة عنوانها "تبادل ادوار" ادرجتها في مجموعة: "فسحة لدعابة ما" (2003)، وقارنت فيها بين ما كان عليه اليهود في الحرب العالمية الثانية، وما غدا عليه الفلسطينيون بعد حرب العام .1948 (تتذكر سطر محمود درويش اللافت: ضحية قتلت ضحيتها وصارت لي هويتها) وتتذكر أيضاً ما اوردته في روايتك "تداعيات ضمير المخاطب" )1993( عن اليهودي (مانويل): يجن اليهود إذا قارنت بين ما فعله (هتلر) بهم، وما فعله قادتهم بالفلسطينيين. ولقد جن (مانويل) يوم أجريت هذه المقارنة. وأنت تشاهد برنامج "أرزة وزيتونة" وأنت تشاهد ما عليه الحياة في مخيم برج البراجنة، وأنت تقرأ كتاب (بورغ) تتذكر هذا كله. هكذا تتداخل الاشياء. وسيكون كتاب (بورغ) منقذاً لك إذا ما تحاورت ذات يوم مع يهودي ينكر عذابات الفلسطينيين.
في الفصل الخامس من كتاب "لننتصر على هتلر" الذي عنوانه "لكل سبب مسبب" يأتي (بورغ) على مشكلة اليهود ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ويقول: إن اسرائيل حلت مشكلة اليهود العرب بدمجهم في الدولة - وإن تدريجياً-، ولكن العرب لم يحلوا مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. ويلوم (بورغ) بعض الزعامة الفلسطينية والعربية لهذا طبعاً، وهذا هو المهم، لم يبرئ (بورغ) الدولة الاسرائيلية من المسؤولية، ويطلب من قادتها أن يكونوا جريئين وأن يعترفوا بمسؤوليتهم عن واقع اللاجئين الفلسطينيين. ويورد (بورغ) في الفصل السادس الذي عنوانه "بطولة؟ محرقة؟" رأي (ايهود باراك) المعروف: "لو كان فتى فلسطينياً اليوم لأصبح عضواً في منظمة ارهاب تحارب من اجل استقلال بلاده" (ص 166).
وأنت تشاهد الحياة في مخيم برج البراجنة يعتريك الحزن، ولا تلتفت كثيراً الى الاوراق الخضر من فئة الـ )100( دولار، فماذا ستفعل الماشطة في حياة البؤس؟ ماذا؟

2- خسارات آب: رحيل الطاهر وطار
في آب ماتت سميرة عزام. وفي آب افتقدنا ناجي العلي. وفي آب رحل محمود درويش، وفي آب ودعنا الطاهر وطار أىضاً.
مساء الخميس 12/8/2010 رحل الطاهر وطار، بعد معاناة مع المرض، عن أربعة وسبعين عاماً، يا لخسارات آب.. يا لخسارات الرواية العربية!
لم التق الطاهر وطار، فأنا لم أزر الجزائر، ولو زرتها في العام المنصرم، حيث كان يفترض أن أشارك في وفد الثقافة لإلقاء محاضرة لربما التقيت به وتعرفت اليه وأصغيت الى كلماته وآرائه. كان ذلك سيكون أمراً لافتاً.
في فلسطين عرفنا الطاهر وطار، منذ العام 1977 تقريباً، فقد أعادت دار نشر صلاح الدين في القدس والاسوار في عكا طباعة أعماله: اللاز والزلزال والطعنات والشهداء يعودون هذا الاسبوع وعرس بغل، وفيما بعد ستعيد دور نشر أخرى ما يصدر له: تجربة في العشق والموت، الطاهر الولي و... و...
وسيغدو الكاتب أكثر كاتب جزائري انتشاراً في الارض المحتلة، قبل أن تتصدر احلام مستغانمي المشهد الادبي، ليس في فلسطين وحسب، بل وفي العالم العربي، ومع ذلك يبقى وطار، في نظر القراء والكتاب اليساريين، الاكثر التزاماً، وربما عمقاً.
في 70 ق 20 ستكون روايته "اللاز" مثار جدل بين مثقفي الفصائل السياسية الفلسطينية اليسارية؟ وستعقد في رام الله ندوة لمناقشتها ومقارنة واقع الثورة الجزائرية والثورة الفلسطينية، وسيعلو اسم الطاهر وطار.
أنا شخصياً قرأت اعماله كلها - التي وصلت الينا - وأخذت أدرسه في الجامعة. درست روايتيه "اللاز" و "الزلزال" وأكثر قصص مجموعته "الشهداء يعودون هذا الاسبوع" ، ولن انسى القصة التالية منها: "اشتراكي حتى الموت" و "الرسام الكبير والشاعرة الناشئة" والقصة التي كان عنوانها عنواناً للمجموعة كلها. وسأقر بأن الطاهر وطار واحد من الكتاب الذين تأثرت بهم. وستظل روايتاه "اللاز" و "الزلزال" ومجموعته "الشهداء" حاضرة وأنا أدرس الادب العربي وأدرّسه.
وأنا أتجادل مع كتاب فلسطينيين حول الكتابة عن القدس، بخاصة مع الكاتبين عدنان كنفاني وحسن حميد، تذكرت الطاهر وطار وروايته "الزلزال" انها ومثلها رواية احلام مستغانمي "ذاكرة الجسد" من الروايات اللافتة التي تعد روايات مكان، مثل روايات نجيب محفوظ: القاهرة الجديدة والثلاثية كتب الطاهر وطار رواية قسنطينة، فمن سيكتب رواية القدس مثلها؟.

عادل الأسطة

» حزب الشعب الفلسطيني يناقش تداعيات اضراب الوكالة
» حماس تحذر إسرائيل من تداعيات إبعاد النواب المقدسيين
» جهود لـ"حماس" لابعاد الفلسطينيين عن اي تداعيات للقرار الظني
» اللاجئون الفلسطينيون يترقبون بحذر تداعيات إعلان الدولة الفلسطينية
» المحافظ الأعرج يبحث مع سفير مصر تداعيات ضم الحرم للتراث اليهودي