هل تسقط واشنطن في أفغانستان... من بوابة باكستان؟

ويست بوينت. مطلع كانون الأول 2009. الرئيس الأميركي باراك أوباما، يعلن استراتيجيته بشأن أفغانستان. 27 مرة تقريباً ذكر اسم باكستان. وصفها مع أفغانستان بـ«معقل التطرف العنيف الممارس من قبل القاعدة».
في استراتيجيته المبهمة حيال «أرض الطهار»، أبلغ أوباما الباكستانيين، ضمناً، بأن المزيد منهم سيقتلون بغارات طائرات التجسس. ليس في ذلك أي جديد سوى أنه قد يوسّع رقعة أهدافها إلى بلوشستان. كما أبلغهم بأن المزيد منهم سيشردون، لأن واشنطن قد يحلو لها التوغل في أرضهم، لان «علينا حرمان القاعدة من الحصول على الملاذ الآمن»، و«علينا دحر القاعدة في أفغانستان وباكستان».
هي خطة تحمل كل عناصر «المجازفة»، على حد تعبير مدير معهد العلاقات الخارجية ريتشارد هاس، الذي وصف الوضع في المنطقة بأنه «مأزق. والمآزق تسوّى.. ولا تُحلّ».
فالغارات «الخبيثة» تقتل مدنيين أكثر مما تقتل «الإرهابيين»، وهي تثير غضب الأهالي. بلوشستان، التي يعتقد أنها تؤوي زعيم طالبان الأفغانية الملا محمد عمر، والتي تعوم فوق بحر من الغاز الطبيعي، كانت حتى الآن «محرّمة» على الأميركيين. أي توغل أميركي في باكستان يزيد من ورطة الحكومة ويجرّدها من «شرعيتها». أضف إلى كل ذلك أن باكستان هي البلد الإسلامي الوحيد، المسلّح نووياً.
التحدي الأمني
عليه، لم يكن مستغرباً أن يحذّر العديد من المراقبين من أن هذه الخطة قد تثير المزيد من العنف في باكستان. ويبدو أنهم لم يخطئوا في تحليلاتهم حيث ان قائمة الأهداف المستهدفة لم ولن تتوقف.
فالمحلل الباكستاني عارف رفيق، الذي يرأس شركة «فيزيير» للاستشارات السياسية والاستراتيجية، الخاصة بالشرق الأوسط، وجنوب آسيا، يتوقع أن «يزيد عدد المقاتلين في إقليم بلوشستان، الذي يحاذي جنوبي أفغانستان، حيث سينتشر الجنود الأميركيون الجدد».
ورجّح عارف، خلال حديثه لـ«السفير»، أن «يزداد استخدام الطريق السريع بين مدينتي كراتشي وشامان (على الحدود الأفغانية)، من أجل تزويد القوات الأميركية بالمعدات»، التي يمر 70 في المئة منها عبر مرفأ كراتشي؛ و«أن يبدأ المقاتلون بمهاجمة هذا الطريق، بعدما كانت هجماتهم تقتصر على الطريق الباكستانية إلى كابول».
وتماماً مثل غيره من المراقبين، يؤمن رفيق بأن هذه الاستراتيجية ستتسبب بتدفق المقاتلين عبر الحدود إلى منطقة القبائل، وخاصة وزيرستان، لكنه لا يعتقد أن الأميركيين «سيتوغلون إلى داخل الأراضي الباكستانية، لأن ذلك قد ينزع الشرعية عن الجيش الباكستاني، ويتسبب في انقسام في صفوفه، كما سيشجع، معنوياً، المجموعات الإرهابية»، مستدركاً بالقول ان الأميركيين «قد يشعرون بأنهم مجبرون على المجازفة والقيام بعمل ما ضد طالبان أفغانستان في منطقة بلوشستان، إذا لم يقم الجيش الباكستاني بذلك».
خصوصية بلوشستان
بلوشستان هو أحد أقاليم باكستان الأربعة، ويغطي 48 في المئة من مساحة البلاد. اتخذ اسمه من قومية سكانه البلوش. عاصمته كويتا، التي تعتقد واشنطن أنها تؤوي قياديي طالبان الأفغانية. الإقليم غني باليورانيوم والنحاس، ويعتقد أنه يعوم فوق بحر من النفط، فضلاً عن أنه، وخاصة مدينة سوي، مصدر ثلث إنتاج باكستان من الغاز الطبيعي، فيما قدّرت مجلة «تايم» الأميركية اختزانه لنحو 19 تريليون قدم مكعب من الغاز.
كما يتمتع الإقليم بموقع استراتيجي شديد الحساسية، حيث يقع شرقي إيران، وجنوبي أفغانستان، ويطل على الخليج العربي وعلى مضيق هرمز.
في 1947، وبعد حصولها على الاستقلال، شنت باكستان حرباً على حاكم بلوشستان أحمد يارخان، وانتصرت عليه، وضمت بلوشستان إلى أراضيها. وفي 1973، عندما تولى ذو الفقار علي بوتو السلطة، شنت قواته، بالتعاون مع القوات الإيرانية، هجوماً عنيفاً على البلوش قتلت منهم عشرات الألوف. وفي 1998، قامت باكستان بتجربتها النووية على أراضي بلوشستان. مذ ذاك لم يكن أمام البلوش إلا الانصياع لأوامر إسلام أباد، آملين بتحقيق استقلالهم أو فرصة الحكم الذاتي، يوماً ما، إذا ما نجحت حركات التمرد المنبثقة عنهم، المدعومة من الهند، بحسب ما تقول إسلام أباد.
وغالباً ما تتهم إسلام أباد الهند، باستخدام البلوش من أجل زعزعة استقرار باكستان، عبر تحريضهم على الانفصال، بحسب ما نقلت «تايم» عن مسؤولين باكستانيين، لم تسمّهم، أشاروا إلى أن الجيش الباكستاني هو الوحيد «صاحب اليد العليا في الإقليم المضطرب»، ما يعني أن أي ضوء أخضر قد يمنحه للأميركيين لقصفه، قد يزيد من سخط المدنيين البلوش، وربما «تمرّدهم».
تحدي الغارات «الخبيثة»
وفي كل الأحوال، تعد الهجمات «الصامتة» أو «الخبيثة»، التي تشنها طائرات التجسس الأميركية على منطقة القبائل المتاخمة لأفغانستان (حتى الآن) مصدر «تأزيم» إضافيا للعلاقة بين الحكومة والباكستانيين.
هؤلاء يرون أن الأميركيين لم يكونوا ليجرؤوا على مهاجمتهم، 84 مرة منذ مطلع 2008 (بحسب موقع «ذي لونغ وور جورنال» المتخصص)، وقتل 687 شخصاً، «غالبيتهم من النساء والأطفال والرجال الفقراء والمذعورين»، بحسب الأستاذ في جامعة «واشبرن» في كنساس لياقات علي خان، من دون حتى أن يكلّفوا أنفسهم عناء «الاعتذار»، بلا ضوء أخضر من حكومة آصف زرداري، المهددة بالانهيار نتيجة حرمانه من عفو عن قضايا فساد.
ذلك يعني أن توسيع نطاق أهداف «الغارات الأميركية الصامتة»، قد «يزيد من مشاعر العداء حيال الولايات المتحدة في باكستان»، بحسب المحلل رفيق عارف، وخاصة أن 59 في المئة من الباكستانيين، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد «غالوب» في تشرين الثاني، يرون في الولايات المتحدة، ثم الهند، لا طالبان (11 في المئة) «الخطر الأكبر» على العالم.
ويضيف عارف أن الأموال التي تضخها واشنطن في باكستان، على شكل مساعدات عسكرية وتنموية، أحدثها خطة لمنح إسلام أباد 7.5 مليارات دولار، على مدى السنوات الخمس المقبلة، لا تشتري محبة الباكستانيين، الذين «يرون أن حصيلة القتلى في بلادهم تزداد، وهذه المليارات لا تستحق ثمن تحوّل بلادهم إلى أفغانستان أو العراق».
التحدي النووي
إذاً، ما الذي يحدو بالولايات المتحدة إلى «المجازفة» في التلميح بتوسيع حربها إلى باكستان؟
«الترسانة الباكستانية»، يجيب المحلل الباكستاني محمد زكريا، فـ«الجميع في باكستان يؤمنون بأن هدف هذه الاستراتيجية الحقيقي هو الأصول الباكستانية النووية»، التي تضم بين 60 و100 رأس نووي، و10 منشآت نووية، منها ما هو لتخصيب اليورانيوم أو البلوتونيوم.
وبرأيه، فإن «الغايات الأميركية حيال بلاده، كما حيال غيرها من الدول، مبيتة منذ زمن، ويتم التخطيط لها بعناية»، موضحاً لـ «السفير» أن واشنطن تريد منذ زمن «تقليص حجم الترسانة النووية الباكستانية»، بطريقة تفقدها «أهميتها في المنطقة»، من أجل «إخلاء المجال للهند، كي لا تتحداها باكستان. وعندها ستستخدم الولايات المتحدة الهند، في سعيها لإضعاف الصين وروسيا. فجوهر التحركات الأميركية هو حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة».
فهل تنجح استراتيجية أوباما؟
«كلا» يجيب جازماً، زكريا، لأن «الاستراتيجية لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت مبنية على الصراحة. والجميع يشك في ذلك. الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها في العالم الإسلامي، وباكستان».
بدوره، يقول الكاتب السياسي الأميركي رون جاكوبز لـ«السفير» إن «الاستراتيجية الجديدة ليست سوى امتداد لسابقتها، مع فارق الدفق في الجنود»، التي لم تحقق أي نجاح منذ 2001، داعياً إلى التدقيق في «توصيات» قائد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان ستانلي ماكريستال، التي تتمحور في مجملها حول «بيع» الباكستانيين والأفغان، فكرة أن الحرب الأميركية هي لصالح شعوب المنطقة، كأنه لا يعلم أنه من غير الممكن شراء القلوب بعد قتل الأرواح».
يؤيده عارف، باعتبار أن نجاح الاستراتيجية يعتمد في شقه الباكستاني «على احتمال أن تنقلب باكستان على طالبان الأفغانية، وهو احتمال غير مرجح». وتوقّع «أن تبدأ الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان بعد 18 شهراً، باتفاق مع طالبان الأفغانية، تتوسط فيه، باكستان والسعودية».
وختم بأن الأميركيين «منفصمون» إزاء مسألة أي من البلدين، باكستان أو أفغانستان، هو مفتاح الاستقرار في المنطقة، بالتالي نجاح الخطة. ليبقى السؤال: هل تسقط واشنطن في أفغانستان.. من بوابة باكستان؟

» واشنطن تعتذر من باكستان عن مقتل جنديين عن طريق الخطأ
» واشنطن بوست: الادارة الامريكية تدرس امكانية القيام بعملية عسكرية في باكستان
» الكويت تسقط الجنسية عن ناشط شيعي اساء للسيدة عائشة
» انهيار التسوية: الحكـومة تسقط اليوم؟
» طنطاوى: مصر لن تسقط ولم نُأمر بضرب النار