هل تصبح غزة 'ضفة' أخرى، أم العكس!؟

اسم الكاتب : تيسير محيسن تيسير محيسن / تفيد الأنباء أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تعزز من انتشارها على حدود قطاع غزة معلنة حالة تأهب قصوى. ويتوقع البعض حرباً جديدة على القطاع تستهدف تحويله إلى 'ضفة غربية' أخرى من حيث السلوك السياسي!. يحدد هذا البعض جوانب السلوك السياسي لنموذج 'الضفة' في: الموافقة على خيارات أوسلو وخارطة الطريق، التوقف عن المقاومة، التنسيق الأمني، والتنمية الاقتصادية المرتبطة بالشروط السياسية الإسرائيلية.

يستدرك آخرون، أن ثمة خيارات أخرى غير الحرب لتحقيق هذه الغاية: اغتيال بعض قادة التنظيمات الفلسطينية، القيام بعمليات سرية داخل القطاع ضد مصالح عربية أو إيرانية أو تركية لتفجير النزاع بين التنظيمات، التحريض الإعلامي واستغلال بعض أخطاء حماس، توظيف الضغوط العربية والغربية على حركة حماس لقبول التوقيع على صيغة ورقة المصالحة المصرية دون تعديل، وهو الأمر الذي يفتح المجال لصراعات مع حركات فلسطينية أخرى كالجهاد الإسلامي، أو حدوث انشقاق داخل حماس، وبالطبع استمرار الحصار الاقتصادي بأشكاله المختلفة، التضييق المستمر على اقتصاديات الأنفاق، بهدف المراهنة على اضطرابات شعبية بسبب الفقر.

الحقيقة أن كل هذه الخيارات قائمة، بل وتمارس يومياً بشكل أو بآخر، غير أن النموذج التحليلي المفترض هنا ليس دقيقاً أبداً. فإسرائيل لا تسعى إلى تحويل غزة إلى ضفة غربية أخرى من حيث السلوك السياسي، وإنما على العكس تماماً. إستراتيجية إسرائيل تجاه غزة باتت واضحة منذ أمد طول: التخلص من القطاع أرضاً وسكاناً وفصله كلية عن الضفة الغربية. هذه الإستراتيجية الجزئية المتعلقة بغزة مستمدة من إستراتيجية أكبر تتمثل في نية إسرائيل طرد جميع الفلسطينيين دون استثناء ولكن في الوقت المناسب وبالاستفادة من حدث كبير يعطيها هذه الفرصة، كما يقول المؤرخ العسكري الإسرائيلي مارتن فان كريفيلد. وبينما تسعى إسرائيل لضم وتهويد الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها ولكن دون سكانها، أو غالبيتهم، فهي قد تلجأ إلى تحويل أجزاء من الضفة الغربية كثيفة السكان إلى 'غزة' أخرى (كيان معادي، التنصل من التزاماتها، استخدام العنف أو التلويح به، الدفع باتجاه الأردن).

أما بالنسبة لغزة، وطبقاً للإستراتيجية الإسرائيلية العامة، فالخيارات واضحة، ولكن ليس من بينها إعادة توحيد شطري الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 حتى تحت حكومة روابط قرى!. يتمثل الخيار الأول في المحافظة على الواضع الراهن (الانقسام الفلسطيني، الفصل الجغرافي، التهدئة الإجبارية، الضرب المرّكز والمكثف، الحصار الاقتصادي، توجيه الضغط على البوابة الجنوبية، تشغيل ديناميات التقويض الذاتي). الخيار الثاني يتمثل في حل مشكلة القطاع ضمن منظور إقليمي أوسع، أو ضمن ترتيبات إقليمية جزئية، في أعقاب حرب إقليمية أو نتيجة تفاهمات بين أطراف الصراع في المنطقة. أما الخيار الأسوأ، فيكمن في إمكانية استغلال إسرائيل حدثاً إقليمياً بحجم حرب على إيران أو سوريا، وما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات، فتذهب إلى حد التطبيق الفعلي لنواياها في طرد الفلسطينيين، وفي حالة غزة دفعهم فعلياً أو جزئياً نحو البوابة المصرية وخلق واقع إنساني وسياسي جديد هناك تضطر معه الحكومة المصرية للقبول بلعب دور في معالجة شأن غزة المفصولة كلياً عن سياقها التاريخي والجغرافي والديموغرافي.

إن ما يحرّض إسرائيل على أي فعل أو سلوك تجاه غزة ليس الجهة التي تحكمه أو تدير شؤونه، وإنما الوجهة التي تقوده إليها. وفي كل الأحوال، إسرائيل لن تترك القطاع وشأنه، وستظل في حاجة إلى ما يبرر تدخلها، طالما لم تتحدد الوجهة النهائية لمصير القطاع خارج الرؤية الصهيونية، وعلى ذلك فسيبقى احتمال تعافيه مما يعانيه ضئيلاً للغاية.

لم تعد إسرائيل تبحث عن شريك فلسطيني، وبالتالي ليس من بين أهدافها ترويض حركة حماس، فهي تدرك أن أي شريك يتطلب في الحد الأدنى منها تقديم تنازلات لا ترغب هي في تقديمها. إن سلوك حكومة الاحتلال واضح وضوح الشمس: التذرع بكافة الذرائع والمبررات ومحاولات توظيف عنصري الزمن والقدرة على فرض وقائع على الأرض من أجل هدف واحد وحيد: طردهم الجماعي من أرض فلسطين التاريخية والفوز بدولة يهودية خالصة ونفاذ إقليمي مضمون.

من هنا يمكن الاستنتاج بسهولة أن الخطر ليس في تحويل غزة إلى 'ضفة' أخرى، وإنما من بين أشياء أخرى عديدة، تحويل أجزاء مجزأة من الضفة إلى 'غزة' أخرى!. كل ما تريده إسرائيل من قطاع غزة أن يبقى مفصولاً وهادئاً وخارج دائرة مطامحها الإستراتيجية، بنما هي تريد الضفة، أن تهودها وتضمها؛ فبدون الضفة لا توجد دولة فلسطينية أو كيانية سياسية حقيقية للفلسطينيين على ما تبقى من أرضهم، وبدون الضفة تبقى إسرائيل مكشوفة، مقضومة، ناقصة ومهددة، ومقابل أن تفوز إسرائيل بها، تستطيع أن تذهب إلى مديات بعيدة وتسلك سلوكاً ملتبساً وغامضاً لتذر الرماد في العيون. من ذلك، إدعاء إسرائيل برغبتها في استمرار المفاوضات، ومن ذلك أيضاً تضخيم الخطر القادم من غزة والتلويح بحرب عليه بين الفينة والأخرى، بينما هي في حقيقة الأمر تواصل أشرس حروبها يومياً في قضم وضم الأراضي دون أن يلحق بها أدنى أذى!

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

» اشكنازي :لا يجوز ان تصبح غزة ميناء إيرانيا
» فلسطينية تصبح أول مستشارة عربية في حكومة ولاية برلين
» مسؤول: سنغافورة تريد أن تصبح مركزا لتجارة الغاز المسال
» مسؤول: سنغافورة تريد أن تصبح مركزا لتجارة الغاز المسال
» 62 عاماً أخرى