الأزمات الدولية: السلطة تمكنت من استعادة النظام وتحقيق الشعور بالأمن الشخصي في الضفة الغربية

قال تقرير دولي: إنه خلال السنوات القليلة الـماضية، تمكنت السلطة الوطنية، إلى حد كبير، من استعادة النظام والشعور بالسلامة الشخصية في الضفة الغربية، وهو أمر ما كان بوسع أحد أن يتخيله خلال الانتفاضة الثانية.



وأكد التقرير أنه لـم تعد الـميليشيات تجوب الشوارع، وعادت قوى الأمن إلى مهامها بلباسها الرسمي، مقترحاً على الحكومة الإسرائيلية 'توسيع نطاق السيطرة الأمنية الفلسطينية'.



وقالت منظمة 'الأزمات الدولية' التي تتخذ من بروكسل مقراً لها في تقرير تحت عنوان (تربيع الدائرة: إصلاح الأمن الفلسطيني تحت الاحتلال): 'يبدو أن الفلسطينيين سعداء لذلك بشكل عام؛ وحتى إسرائيل التي لديها أسبابها كي تكون متشككة، وعلى الرغم من الهجمات التي شنت مؤخراً على الـمستوطنين في الضفة الغربية فإنها تشعر بالتشجيع.



وقد تم اتخاذ خطوات، كان يفترض أن تتخذ منذ وقت طويل، لإعادة تنظيم القطاع الأمني الذي لا ينصاع بسهولة، والذي كانت فروعه متقاطعة الـمهام، وغير خاضعة للـمساءلة قد أصبحت إقطاعات لرؤساء الأجهزة الأمنية الأقوياء'.



وأضاف التقرير: 'يشيد سكان الضفة الغربية بهذه التغييرات، لكنهم لـم يظهروا ارتياحاً لـما رافقها من تقييد لجماعات الـمعارضة خصوصاً حماس، على الرغم من أن التقييد لـم يقتصر عليها، وينتظرون تحقيق تقدم جاد نحو إنهاء الاحتلال والانقسامات الداخلية، ولكن ثمة مخاطرة في أن يتراجع الدعم للإجراءات الأمنية وتتقلص شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية وينفد صبر الفلسطينيين الذي لا يمكن دونه استدامة أي من هذه الإجراءات'.



وشدد على أنه 'دون وجود عملية سلام ذات مصداقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو عملية مصالحة وطنية حقيقية، فإن الفلسطينيين سيظلون عالقين في محاولة طويلة وواهنة لتربيع الدائرة؛ أي بناء الدولة بينما لا يزالون تحت الاحتلال؛ وتعميق التعاون مع الـمحتل في الـمجال الأمني حتى عندما يسعون لـمواجهته في الـمجالات الأخرى؛ والتوصل إلى تفاهم مع عدوهم التاريخي حتى عندما يثبتون عدم قدرتهم على التوصل إلى تفاهم بين بعضهم البعض'.



ونوه بنجاحات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقال: 'نجحت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى حد بعيد؛ فمعظم الفلسطينيين ــ بمن فيهم الـمتعاطفون مع حماس ــ أعجبهم ما رأوه.



فقد سرّتهم عودة الحياة الطبيعية، وهو أمر كان بعيد الـمنال قبل بضع سنوات فقط. كما أن تأسيس خطوط أوضح للسلطة وتقليص عدد القوى الأمنية كانت أهدافاً واضحة لكن أقل أهمية'.

وأضاف: 'غير أن الإنجازات لا تستطيع أن تخفي الديناميات الإشكالية الكامنة تحتها. تتمثل الدينامية الأولى في التعاون الأمني الـمعمَّق بين إسرائيل والفلسطينيين.



لقد كان العمل مع الجيش الإسرائيلي شرطاً رئيسياً للسلطة الفلسطينية منذ نشأتها. لقد كان ذلك في الواقع شرطاً مسبقاً لتأسيسها وهو كامن في طبيعتها الهجينة بوصفها كياناً شبه مستقل تحت الاحتلال. غير أن ذلك لـم يقلل من الخلاف الناشئ عن ذلك. لا يرتاح الفلسطينيون لرؤية قواتهم الأمنية تتعاون مع الاحتلال. الرد الأكثر وضوحاً على ذلك جاء من رئيس الوزراء سلام فياض، ومفاده أن العمل مع إسرائيل لاستعادة الأمن يمكّن الفلسطينيين من اكتساب ثقة إسرائيل والـمجتمع الدولي، وتحييد إحدى الحجج الإسرائيلية الرئيسة التي تسوقها ضد إقامة الدولة الفلسطينية وتمهيد الطريق نحو الاستقلال. الحجة منطقية لكنها كانت ستكون أكثر قوة لو أن هناك عملية سلام واعدة في الأفق. ومثل استئناف الـمفاوضات الـمباشرة في الثاني من الشهر الجاري خطوة في ذلك الاتجاه، على الرغم من هشاشتها وعدم تمتعها بأي صدى بين الفلسطينيين'.



وتابع: 'ما يزيد في تعقيد الـمشكلة هو التوغلات الـمتكررة وغير الـمبررة في معظم الأحيان والـمهينة دائماً التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الـمدن الفلسطينية، إضافة إلى القيود الصارمة الـمفروضة على مناطق عمل قوى الأمن الفلسطينية، تقوّض رموز وواقع تمكين السكان الأصليين' منوهاً بأن هذا لا يعني أن التعاون الأمني على وشك الانتهاء أو أن الفلسطينيين على وشك العودة إلى الصراع الـمسلح. الواقع أبعد ما يكون عن ذلك. ثمة عدد من العوامل الكابحة. فسكان الضفة الغربية متعبون ومنهكون من الصراع وسعداء بعودة شيء من الحياة الطبيعية. لا يمكن منع جميع أعمال العنف، لكن على وجه الإجمال، فإن الجهات التي يمكن أن تشكل تحدياً، خصوصاً الأجنحة الـمسلحة لحركتي حماس وفتح ضعفت. وتبقى قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية مقتنعة بأن أي اندلاع للعنف يمكن أن يضر بالفلسطينيين أكثر مما يضر بإسرائيل. إضافة إلى ذلك، وطالـما أن للسلطة مصلحة مشتركة مع إسرائيل في مواجهة حماس، فإن السلطة لن يكون لديها الدافع لتغيير الوضع الراهن'.



وأضاف: 'لكن، ولأن العملية الحالية تبدو مستدامة في الوقت الحاضر، فإن هذا لا يعني أنها ينبغي أن تستمر، لقد استند النجاح الـمؤكد لأجندة الإصلاح حتى الآن جزئياً إلى الوهن واليأس الشعبيين ــ الإحساس بأن الوضع كان قد تدهور إلى حد أن الفلسطينيين باتوا مستعدين لتقبّل الكثير مقابل الاستقرار. على الرغم من ذلك، ومع عودة الأمور إلى طبيعتها بمرور الوقت، فإن طاقتهم على التحمل والتسامح قد تتراجع، في حال انهيار الـمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ــ ومعها بقايا أي أمل بالتوصل إلى اتفاق ــ فإن قوى الأمن الفلسطيني يمكن أن تجد من الصعوبة بمكان الـمحافظة على موقفها الحالي'.



وقدمت 'مجموعة الأزمات' توصيات لتخفيف حدة الاحتكاكات بين قوى الأمن الفلسطيني والجيش الإسرائيلي، وتوسيع قدرة هذه القوات على العمل في الضفة الغربية، ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان والسماح بنشوء مناظرة ديمقراطية أكثر حيوية.

وقالت: 'لا شك في أن العديد من الفلسطينيين سيرحبون بتوسيع سلطة قواهم الأمنية، وبقدر أقل من تدخل إسرائيل واحترام أكبر لحقوق الإنسان. لكن لا ينبغي لأحد أن يتوهم أنه وفي ظل الظروف الراهنة، فإن كثيرين، إن لـم تكن الأغلبية، سيرون في هذه الإجراءات تجميلاً للاحتلال ــ لا إنهاء له ــ والتغطية على حقيقة التعاون مع أولئك الذين يعتقدون أن على قوى الأمن أن تقاومهم. كما أن الخطوات الـمقترحة لتعزيز احترام حقوق الإنسان يمكن أن تنجح طالـما بقيت الحركة الوطنية منقسمة بين لاعبيها الـمهيمنين'.

وأوضح التقرير أن الحكومة الإسرائيلية أوصت بـ'السماح لقوى الأمن الفلسطينية بتوسيع منطقة عملياتها، ابتداء من زيادة وجود قوى الأمن الفلسطيني في الـمنطقة (ب)، على سبيل الـمثال بزيادة عدد مراكز الشرطة الفلسطينية من 15 إلى 25، وإضافة أجزاء من الـمنطقة (ج) إلى منطقة عمل قوى الأمن الوطني الفلسطيني، خصوصاً في محافظة جنين، وتسهيل زيادة الجهود الفلسطينية في مكافحة الجريمة في الـمنطقة (ج)، بداية بالخليل'.



كما أوصت الحكومة الإسرائيلية بـ'تقليص توغلات الجيش الإسرائيلي في مناطق عمل قوى الأمن الفلسطيني وذلك من خلال: رفع مستوى الرتبة الـمخولة بالسماح بالتوغل إلى رتبة قائد فرقة، والـموافقة على التوغلات فقط في حالة الهجوم الوشيك، ووضع حد للعنف الذي يمارسه الـمستوطنون، بما في ذلك تخريب الـممتلكات والتعدي عليها'.



في الـمقابل، فقد أوصت السلطة الفلسطينية بـ'اتخاذ خطوات لتعزيز احترام حقوق الإنسان، وذلك من خلال:تبنّي مدونة سلوك للعاملين في القطاع الأمني تنسجم مع الـمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومنع حالات الاعتقال والاحتجاز عندما لا يكون هناك شك واضح بالقيام بنشاط إجرامي والإفراج عن الـمعتقلين الـمحتجزين حالياً دون وجود مثل هذا الشك، وإخضاع الأجهزة الأمنية لـمراقبة وإشراف السلطات القضائية'.



كما أوصت السلطة الفلسطينية بـ'وضع حد للتعذيب وسوء الـمعاملة، وذلك من خلال: محاكمة عناصر الأمن الـمتهمين بانتهاك حقوق الإنسان في الـمحاكم الـمدنية، وإصدار مرسوم رئاسي يحظر سائر أشكال التعذيب في جميع الكيانات التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وإلغاء شرط حصول موظفي القطاع العام، والصحافيين، وأعضاء مجالس الـمنظمات غير الحكومية على شهادة 'حسن سلوك' من الأجهزة الأمنية، واحترام حرية الاجتماع على أساس الانتماء السياسي، والسماح لحماس بالعمل كحزب سياسي والامتناع عن إغلاق الـمنظمات الـمدنية، خصوصاً الجمعيات الخيرية، ومتابعة الجهود ــ بالتعاون مع الجهات الـمانحة ــ لتعزيز القطاع القضائي في السلطة الفلسطينية، ووضع آلية مستقلة خاصة للإشراف على قوى الأمن الفلسطيني بانتظار انتخابات الـمجلس التشريعي الفلسطيني'.



اما بالنسبة إلى الحكومة الأميركية والاتحاد الأوروبي فقد أوصاهما التقرير بـ'الإصرار على احترام حقوق الإنسان وزيادة الدعم للقطاع القضائي بحيث ينسجم تطويرهما مع التطور الحاصل في الأجهزة الأمنية'.