الفنانون الفلسطينيون يرتكبون 'خطايا' على خشبة المسرح

علي عبيدات

التمييز، والاضطهاد، والتشرد، والضعف، والإهمال، خطايا وحماقات أرتكبها فنانون فلسطينيون شباب، فسلطوا الضوء على حماقات البشر المُعَذبين والمُعَذِبين لأنفسهم، خلال عرض مسرحي بعنوان 'خطايا' قدمها مسرح الفن الشعبي.

وناقش العرض على خشبة قصر رام الله الثقافي يوم أمس، الخطايا التي يرتكبها البشر بحق أنفسهم، فيتسببون بالآلام لأنفسهم ولغيرهم، خطايا من ينجبون الكثير من الأبناء وهم عاجزون عن حمايتهم وإسعادهم، الذين يرمون بأطفالهم إلى الشوارع وخطر الموت دون اكتراث.

ويضيف المشرف العام على العرض فتحي عبد الرحمن: 'إن العرض يتناول أيضا حماقات الناس الذين لا زالوا يعتبرون جنس المولود عارا أو مفخرة، النساء والضعفاء الذين يموتون مجانا بسبب الإهمال وتواطؤ المجتمع فيخسرون حياتهم وأحلامهم.

ويكتسب العرض تميزا نوعيا كونه خرج إلى النور بإشراف فنانين فلسطينيين شباب ممن يتلقون تعليمهم في سورية، وفي هذا الإطار أضاف عبد الرحمن: 'خطايا هي التجربة الأولى لثلاثة فنانين شباب يشرفون على إدارة المسرحية، صلاح الدين حنون في الإخراج، وخليل حامد في تصميم الإضاءة، ويزن غريب في السينوغرافيا، بمشاركة أعضاء فرقة المسرح الشعبي.

وكانت أولى الخطايا هي التشرد والإهمال الذي يعاني منه الأطفال، فكان المشهد مليئا بالأوساخ والأشياء الرثه، ويعج بالأطفال والمشردين الذي تفاوتت مراحلهم العمرية، ويتخذون من الحاويات وألواح القمامة مسكنا لهم.

ويسلط المشهد الضوء على هذه الظاهرة، وعلى محاولة السلطة الحد منها، من خلال شخصيات اقتحمته بزي رسمي، كانت تخوض صراعات مع المشردين، فيما كان رحيلها يعني بزوغ صراعات أخرى بين المشردين أنفسهم.

وتحمل الخطايا في مشهد آخر، ظاهرة الأطفال الرضع المتروكين في الأزقة بلا نَسَب، فتظهر فتاة في العشرينات من عمرها تحمل رضيعا تتركه بعد صراع نفسي طويل في حاوية للقمامة على قارعة الطريق وترحل.

ويقود صراخ الطفل الرضيع أحد المتسولين والمتشردين للعثور عليه، وتدفعه مشاعره الإنسانية لحمله ومداعبته وحثه على الضحك، بينما يتولى شرطي آخر مراقبة الأمور، وسرعان ما يتدخل للمشاركة في رسم البسمة على شفاه الرضيع بعد تجرده من الزي الذي مثل الضوابط والقوانين.

ومن الأطفال الرضع إلى الأطفال وأحلامهم، من خلال وضع قنبلة بجوار أطفال يلهون في حديقة، سرعان ما تنفجر، لتغيبهم عن الحياة، فيلتقط مصور في المكان المشهد، ليسبب لنفسه العناء، لينتهي الأمر بتغييبه وتمزيق شريط الصور.

ومن ثم إلى النساء والناس الضعفاء، الذين يكدون ليل نهار في المصانع، دون أدنى حقوق، ويتعرضون للاضطهاد والظُلم، من خلال مشهد لعاملات بشخصيات مختلفة داخل مصنع للغاز، أنهكنهن التعب وأجهدهن العرق.

وينتهي المَطاف بهؤلاء العاملات المتفاوتات بالسن، ممددات على خشبة المسرح بعد حريق المصنع، فيما ترحل كل واحدة منهن إلا أحلامها ما قبل الموت، بالأولى كانت ترغب بالزواج فسرق الموت طرحتها، والثانية كانت تحلم بالتخرج فسرق الموت شهادتها، والثالثة كانت تحلم بالغناء فسرق الموت صوتها.

وجاءت نهاية العرض بمشهد يسلط الضوء على إحدى العادات والتقاليد، وهي التمييز في جنس المولود، فترى البسمة ترتسم على الشفاه فور سماع خبر المولود الذكر، فيما تسود معالم الحزن الوجوه فور سماع خبر قدوم الأنثى.

ويخاطب العرض الجمهور بلغة فنية، ويعتمد على إيصال الرسالة من خلال الرقص والغناء والحركات التعبيرية، ليركز الضوء على موضوع إنساني يلفت الانتباه إلى أن الضحايا الذين يجسدهم العرض يعملون ضد مصلحتهم ويعجزون عن الدفاع عنها.

وأشار مدير مسرح الفن الشعبي الذي تأسس في العام 1990، فتحي عبد الرحمن إلى أن العرض حاله حال العروض السابقة، يعتمد على فنانين فلسطينيين متطوعين، معربا عن أمله في أن يجوب العرض المدن الفلسطينية.

وأضاف أن العرض حاله حال عروض سابقه قدمها المسرح، والتي كان آخرها الضوء الأسود العام الماضي، سيحاول الوصول إلى الناس في الأماكن المهمشة، تطبيقا لسياسة المسرح الرامية إلى منح الجميع حق الاستمتاع بالفن والثقافة.

وتناول الفنان محمد أبو عزيزة، الذي أدى أدوار المتسول في مشهد الرضيع، والرجل في مشهد جنس المولود، إلى أن العرض يطرح الخطيئة برمزية، لترك المجال للجمهور للتحليل، مشيرا إلى أن العرض يتناول قضية إنسانية عالمية.

وأعرب أبو عزيزة الذي التحق بمسرح الفن الشعبي منذ العام 1996، عن أمله في أن ينال العرض إعجاب الجمهور الفلسطيني، وأن يساهم في تسليط الضوء على هذه الظواهر والخطايا، على طريق الاهتمام بها وتصويبها.