«الطائفة المظلومة» محاولة النطق بلسان القاعدة

من المؤسف أن تصدر كتائب عبد الله عزام (القسم الإعلامي) عبر مركز الفجر للإعلام، شريطاً وتنشره عبر الإنترنت، لكنه لا ينتشر بسهولة، ولا يحصد أي اهتمام.
الشريط الذي حمل اسم «الطائفة المظلومة»، والذي يمتدّ لساعة وسبع دقائق، لا يحمل الكثير من الجديد، وبخلاف عادة تنظيم القاعدة والمنظمات الجهادية المرتبطة به، لا يحمل معلومات خاصة، ولا صوراً خاصة، ولا حتى مشاهد تؤكد أصالة الشريط وانتماءه فعلاً إلى التنظيم الدولي، أو إلى أحد فروعه. أضف إلى ذلك أن الشريط تحديداً، لا جديد فيه، ولا حتى دعوة إلى أهل الإسلام والطائفة المنصورة بفعل جهادي ما، أو بموقف.
والشريط الطويل نسبة إلى ما تعدّه المنظمات الجهادية المختلفة، يحمل مجموعات من الصور والمقابلات المنشورة مسبقاً عبر فضائيات محلية وعربية.
وفي إهداء الشريط ورد الآتي: «إلى الطائفة المظلومة، إلى الأمة المستضعفة، إلى الغافلين عمّا يحاك لهم، الغافلين عن مكر عدوهم، المحسنين الظن بالمجرمين، وإلى إخواننا الأسرى، وإلى أهل البصيرة العاملين لدين الله، والساعين لنصرة المستضعفين وتحقيق العدل وانتزاع الحقوق، إلى أهل السنة والجماعة جميعاً»... لكن في مضمون الشريط يبدو واضحاً من السياق توجهه إلى المسلمين السُّنة في لبنان دون غيرهم، وخاصة مع حمله جرعة من التشجيع على العداء للشيعة المختصرين هنا بحركة أمل وحزب الله خاصة.
ولم تلحظ الشريط هذه المرة المراكز الرئيسية لمراقبة انتشار أعمال تنظيم القاعدة والمجموعات الجهادية عبر الإنترنت، واكتفى موقع واحد بنشره، هو موقع «شبكة شموخ الإسلام»، وربما مرد ذلك إلى أن النشر جرى يوم الأحد فقط.
من يتحدثون إليك ممن يفترض أنهم من كتائب عبد الله عزام، سبق أن أشاروا إلى نية الكتائب نشر فيلم فيديو كبير عبر شبكة الإنترنت. وهم منذ أشهر يتحدثون عن الفيلم من دون أن يحددوا موعد نشره، إلا قبل أيام، حين أشاروا إلى أن الشريط أصبح جاهزاً، وأن موعد نشره تأخر مرات عدة، وأن الآن هو الوقت المناسب للنشر. لكنهم لا يجيبون عن سؤال عن تزامن النشر مع الحرارة السياسية التي تعصف بلبنان، وخاصة أن الشريط لا يحمل جديداً على المستوى المعلوماتي، ولا على المستوى السياسي، بل هو مجرد توثيق طويل لمظالم أهل السُّنة في لبنان، بحسب ما يذهب إليه النص في الشريط المنشور.
وفي مطلق الأحوال، إن محدثيك أنفسهم لا يمكنهم تأكيد انتمائهم إلى كتائب عبد الله عزام، الاسم الجهادي لمجموعة قريبة من تنظيم القاعدة، تعمل محلياً في لبنان، ويفترض أنها تمدّ عملها إلى سوريا وفلسطين، وسبق لها أن نفذت عدة أعمال محلية عبر ضرب الصواريخ، وأصدرت كذلك عدداً من شرائط الفيديو عبر الإنترنت.

من الصعب اعتبار الشريط من إنتاج مجموعات جهاديّةواللافت أن الشريط الذي يعرض تاريخ مظالم الطائفة السُّنية في لبنان، منذ انهيار السلطنة العثمانية وحتى يومنا الحاضر، لا يتطرق من قريب ولا من بعيد إلى مراحل كبيرة وحساسة في التاريخ الجهادي في لبنان. فعلى سبيل المثال، لا يتحدث عمّا حصل في الضنية في 2000، ولا عن حرب نهر البارد 2007، بل يورد فقط بعض الصور لمخيم نهر البارد المدمر، فضلاً عن تجاهله مفاصل عديدة رئيسية.
ويدافع الشريط عن الجيش اللبناني بصفته يُزَجّ بنزاعات لمصلحة الشيعة، بهدف إضعافه واستنزافه للحفاظ على موقع حزب الله أكبر قوة في لبنان، علماً بأن موقف الجهاديين في لبنان، وموقف تنظيم القاعدة، معادٍ بالمطلق للجيش اللبناني. وعادة يرد اسمه بـ«الجيش الصليبي»، وهي تسمية ابتدعها تنظيم فتح الإسلام.
أضف إلى ذلك أن الحديث عن لبنان عادة ما يستهدف كل الأطراف، حيث تحذر كل أدبيات القاعدة من مخاطر المسيحيين في لبنان، كما من تمكن الشيعة منه. لكن في هذا الشريط، الأهداف هي كالآتي: سوريا، إيران الفارسية، الشيعة في لبنان، حركة أمل ومن بعدها حزب الله.
ويستعيد الشريط خطاب قوى الرابع عشر من آذار، وخطاب تيار المستقبل في مرحلة ما بعد السابع من أيار، ويستعين على ذلك بمجموعة واسعة من التسجيلات التلفزيونية التي قد لا تملكها بعض المؤسسات المختصة بالرصد والأرشفة التلفزيونية، فهو يستعين بتسجيلات لكل من: د. جان شرف، د. رضوان السيد، بيار الحلو، ريتشارد مورفي، جورج حاوي، مقاطع من حرب لبنان من تلفزيون «الجزيرة»، صبحي الطفيلي، تسجيلات من قناة «الجزيرة مباشر»، إبراهيم أمين السيد، الشيخ نبيل قاووق، حسن نصر الله، د. عبد الله النفيسي، نبيه بري، نواف الموسوي، أبو إسحق الحويني، الشيخ زياد الصاحب، الشيخ أسامة شهاب، العميد أمين حطيط، بطرس حرب، وعلي الشيخ عمار وغيرهم.
ويتهم الشريط جريدة «الأخبار»، من ضمن مؤسسات أخرى، بأنها من أدوات الدعاية الإيرانية والشيعية في لبنان. ويتهم حزب الله صراحة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتنفيذ سائر عمليات الاغتيال، فـ«هو بلا ريب المسؤول الأول عن كل تلك العمليات»، طبعاً من دون نسيان البند المستجد على جدول أعمال تيار المستقبل، ألا وهو المعتقلون الإسلاميون، وهذا ما يختم به الشريط.
لكلّ هذه الأسباب، من الصعب اعتبار الشريط من إنتاج مجموعات جهادية. فهو لا يحمل الكثير من سمات المجموعات الجهادية، ولا تلك السلفية. وبغضّ النظر عن إيراد العديد من مظالم السنّة في لبنان ومهاجمة حزب الله والشيعة، فإنّ الشريط يمكن أن يوضع في إطار آخر تماماً، أقرب إلى أنّ هناك من يريد النطق بلسان تنظيم القاعدة في لبنان.