البانوراما اللبنانية: هشاشة أمنية وسياسية داخلية... ومراوحة حكومية

تُظهر صورة بانورامية للوضع اللبناني الداخلي هشاشة كبيرة على المستويات السياسية والأمنية تسهل الاختراقات الخارجية، لا سيما الإسرائيلية، ليس أقلها كشف المزيد من شبكات التجسس للعدو الإسرائيلي، والانكشاف الأمني الواسع في مجالات الاتصالات والشؤون المالية والاجتماعية وحتى البلدية، التي تمول الوكالات الأميركية مكننتها وبرمجتها تحت شعار التنمية ومساعدة المؤسسات اللبنانية، بحيث تستطيع هذه الوكالات وحدها التحكم بتجديد هذه البرامج وصيانتها ومتابعتها وبالتالي الحصول على كل ما تريد من معلومات عن مالية الدولة ومؤسساتها وموظفيها، وأوضاع بلدياتها ماليا وإداريا، وحتى عن أوضاع المناطق التابعة للبلديات، على ما يقول مختصون.
وتقول مصادر رسمية متابعة ومعنية إن تزايد اكتشاف شبكات التجسس للعدو الإسرائيلي، بقدر ما يشكل انتصارا وإنجازا للأجهزة الأمنية وضربة جديدة للعدو الإسرائيلي، فإنه يدل على وهن المجتمع اللبناني، بحيث بات استسهال العمالة لإسرائيل دليل تراجع الانتماء والتماسك الوطني والمناعة الوطنية، وضعف دور الدولة، اذ لا يعقل أن يكون في بلد صغير مثل لبنان هذا العدد الكبير من العملاء للعدو.
والحال تنطبق على موضوع الفساد الذي بات يستشري بشدة على المستويات الرسمية والخاصة على حد سواء، وليس اكتشاف اتساع التزوير والتهريب للأدوية والأطعمة الفاسدة، إلا مظهراً من مظاهر الانهيار في منظومة القيم التي يفترض أن ترعى أي مجتمع، وانهيار دور الدولة الرقابي والرعائي.
ولا يقل الشأن السياسي هشاشة عن الوضع الأمني، حيث تؤكد أوساط سياسية متابعة عمق الخلاف بين أهل السلطة، ولا سيما «الكبار» على أمور تتعلق بإدارة الدولة والبلاد، عبرت عنه الخلافات حول الإصلاحات الانتخابية والتعيينات الإدارية والأمنية، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وخفض سن الاقتراع وسوى ذلك من أمور إدارية، عدا الخلافات على الأمور الاستراتيجية الكبرى كسلاح المقاومة والعلاقة مع سوريا، وهو الأمر الذي يفسر حالة المراوحة والجمود في العمل الحكومي، وتصاعد لهجة الخطاب السياسي عند بعض القوى.
ولعل السؤال: هل ثمة من ينتظر أمرا ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في ضوء تقرير السنة الأولى المنتظر في آذار أو نيسان المقبل؟ وهل ينتظر البعض تطورات كبرى ما في المنطقة، سياسية أو أمنية؟
وتشير الأوساط الى تأخر تصحيح العلاقات اللبنانية ـ السورية، وترى في ذلك انعكاسا للوضع العربي المأزوم، خاصة أن العلاقة السورية ـ السعودية تشهد تحسنا مقبولا، إلا ان الزخم المأمول الذي ينعكس إيجابا على لبنان وعلى علاقته بسوريا، لم يظهر بعد، بانتظار تطورات تخص الملفين العراقي والإيراني، وعلاقتهما بخريطة الوضع العربي. لكن الأوساط تؤكد استمرار الاتصالات السورية ـ السعودية المباشرة بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله، أو عبر الأمير عبد العزيز بن عبد الله (زار بيروت مؤخرا)، بعد زيارة الرئيس السوري الى المملكة، التي تصفها الأوساط بأنها «كانت زيارة جيدة وحميمة»، وتوضح أن اللجنة المشتركة بين البلدين اجتمعت الأسبوع الماضي، وبدأت تفعيل عملها، وسيحصل قريبا اجتماع للجنة رجال الأعمال السورية ـ السعودية.
وتتوقف جهات رسمية عند الانتخابات العراقية النيابية المرتقبة في الأسبوع الأول من آذار المقبل، والتي سترسم طبيعة الوضع العراقي المستقبلي وتوازنات السلطة، ودور كل من سوريا وإيران والسعودية في هذا الموضوع، وتربط بين النتائج المرتقبة للانتخابات وبين تحسن العلاقة السورية ـ السعودية تبعا للاتفاق الذي يمكن أن ينشأ حول تعاطي البلدين مع هذا الملف، وانعكاسه على العلاقات العربية ـ الإيرانية، وبالتالي على لبنان، علماً بأن الجانب السوري أعطى السعوديين أكثر مما طلبوه في الموضوع اليمني.
وتؤكد الأوساط الاتفاق السوري ـ السعودي على أمرين أساسيين: وحدة العراق أرضا وشعبا، وعلى حفظ التنوع الموجود، وعلى إقامة حكم وطني لا طائفي، بعدما ظهر أن الخيار الطائفي والمذهبي خطير ومضر للعراق وللدول المجاورة.
وتعتقد الجهات الرسمية أن التفاهم السوري ـ السعودي ـ الإيراني يحدد طبيعة الفرز السياسي الذي سيحصل في العراق، وقد ظهر هذا الاتجاه في المعلومات السورية الرسمية التي صدرت في أعقاب زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل يومين الى سوريا، والتي أكدت أن الرئيسين بشار الأسد ونجاد بحثا في الانتخابات العراقية المرتقبة. وتشير في هذا الصدد الى فتح شخصيات وقوى سياسية عراقية مرشحة للانتخابات أبواب الاتصال مع سوريا وإيران، وهي كانت سابقا محسوبة على النظام الذي بناه الأميركيون بعد احتلال بغداد.
ويظهر الترابط بين التطورات في المشهد الإقليمي والوضع اللبناني، في اللقاءات التي عقدها الرئيس نجاد مع قيادة «حزب الله» بشخص السيد حسن نصر الله وكبار معاونيه، ومع قادة الفصائل الفلسطينية المعارضة للسلطة الفلسطينية الرسمية، ما يشير الى اصطفاف إقليمي جديد في مواجهة الضغوط الدولية وبخاصة الأميركية على سوريا وإيران، وهو ما يفترض أن ينعكس اصطفافا لبنانيا جديدا مع زيارة النائب وليد جنبلاط المرتقبة الى دمشق، ما يعني تغير المشهد السياسي اللبناني الداخلي. وقد بدأت مؤشرات عدة تدل على الاتجاه لتغيير المشهد اللبناني، منها الاحتفال التكريمي الذي أقامه آل جعفر في الهرمل للسفير السوري في بيروت علي عبد الكريم العلي، والمعلومات التي ترددت عن زيارة قام بها الرئيس نجيب ميقاتي الى دمشق مؤخرا، والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد مطولا، فضلا عن الزيارات المرتقبة لكثير من الشخصيات اللبنانية الى العاصمة السورية.
وتشير المعلومات الى اتصال جرى بين الرئيس سعد الحريري والرئيس بشار الأسد، لم تحدد طبيعته، وإن كانت بعض المصادر تعتقد أنه تناول توضيح الموقف الأخير للحريري في حديثه الى الصحيفة الايطالية حول تشبيه علاقة سوريا بلبنان بعلاقة العراق بالكويت قبل احتلالها.
وثمة من يرى من 14 آذار أن سوريا وإيران وحلفاءهما اللبنانيين والفلسطينيين «يستجمعون كل عناصر القوة لتغيير صورة المشهد الإقليمي والدولي»، وهو أمر يراه البعض الآخر «من أهل المقاومة»، عامل قوة إضافية للبنان، «يفترض أن يستخدمه رئيسا الجمهورية والحكومة في جهودهما الدبلوماسية لمنع أي اعتداء إسرائيلي، بغض النظر عن أصوات النشاز الداخلي، التي ما زالت تتحدث عن قوة لبنان في ضعفه أو في حياده، وتسعى للتشويش على عنصر القوة فيه المتمثل في المقاومة».
وتشير معلومات أوساط معنية ومتابعة، الى ان زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز الأخيرة لسوريا، لم تتطرق الى علاقة سوريا بإيران، بل ركزت على البناء للمستقبل، وهذا مع عبرت عنه الخارجية الأميركية يوم الجمعة الماضي، في تصريح المتحدث باسم الخارجية بعد استقبال نائب بيرنز، ديفيد فيلتمان، السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى، الذي عاد الى العاصمة الأميركية الخميس، بناء لطلب فيلتمان. وهو سيلتقي فيلتمان ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال اليومين المقبلين، للبحث في خطوات التنسيق بشأن خطوات المستقبل في ما خص العلاقة بين البلدين وعملية التسوية في المنطقة.