انتفاضة الأقصى تتحول إلى مجموعة مطاردين ؟!/صلاح صبحية

عشر سنوات مرت على انتفاضة الأقصى المباركة ، هذه الانتفاضة التي جاءت رداً غير مباشر على نتائج المفاوضات المباشرة المكثفة في كمب ديفيد عام 2000 ، تلك المفاوضات التي لم تحقق أية نتائج لصالح القضية الفلسطينية ،وكذلك جاءت انتفاضة الأقصى رداً مباشراً على زيارة شارون إلى حرم المسجد الأقصى ، فهل يعيد التاريخ نفسه أمام مفاوضات مباشرة لم يكتمل شروط انعقادها ، ومترافقة مع مزيد من الاستيطان ، ومزيد من اقتلاع سكان القدس من بيوتهم كما حدث بالأمس في حي الشيخ جراح ، وكأنّ ما يريده العدّو الصهيوني الأمريكي أن يحققه في المفاوضات نراه يعمل على تحقيقه على الأرض بدون النظر لأي ردة فعل فلسطينية أو عربية أو دولية وذلك عملاً بنظرية ليبرمان الداعية إلى إعادة توزيع السكان والأراضي بما يخدم مصلحة يهودية الكيان الصهيوني وليذهب الفلسطينيون بعدها إلى الجحيم ، بل على الفلسطينيين اليوم وفي الذكرى العاشرة لانتفاضة الأقصى أن يحققوا للصهاينة أحلامهم التوراتية على أرض فلسطين بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون مقابل ذلك .

وفي الذكرى العاشرة للانتفاضة لم يقم الفلسطينيون وبكل أسف بمراجعة سنوات الانتفاضة ، لم يسأل الفلسطيني نفسه أين أصاب وأين أخطأ ، وماذا حققت له الانتفاضة ، وكأنّ الفلسطيني لا يعنيه ماذا يجري على الأرض فيضع كل حدث خلف ظهره دون أن يعطيه أي اعتبار وأهمية ، وعدم المراجعة الفلسطينية لتاريخها النضالي يجعلها تقع في مزيد من الزلات والأخطاء التي تصل إلى حد الخطايا ، وكأنّ الفلسطيني مصاب بداء العظمة فهو أكبر من أن يقف مع ذاته ويسأل ماذا حقق ، إلى أين وصل ، وأين أخفق ، ولماذا يسير من سيء إلى أسوأ ، نعم أسئلة لا بد من الإجابة عليها ، ليس مني أو من أي إنسان فلسطيني مهما كان شأنه ومهما كان موقعه ، بل أنّ المساءلة لكل من اللجنة المركزية لحركة " فتح " واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يجب أن تكون من الأطر القيادية وخاصة أطر حركة " فتح " وأطر منظمة التحرير الفلسطينية ، ولأننا لم نعتد المساءلة والمراجعة ، ولأننا نقبل أن نـُلدغ من حجرنا بدل المرة ألف مرة فقد فقدنا الإحساس بالألم لدرجة أننا لم نعرف فيما إذا لم نـُلدغ ، هذا ليس جلدٌ للذات ، بل هو الواقع المر الذي نعيشه ، فمن هم في مواقع المسؤولية يعلمون علم اليقين الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون ولكنهم يعلمون أنهم المسؤولون عما حدث لنا وما صار إليه حالنا حتى ضاقت الخيارات أمامهم بما هي موجودة ومتاحة حتى انحصرت في خيار عملية السلام كخيار استراتيجي وحيد أمام الشعب الفلسطيني .

لم تكن سنوات انتفاضة الأقصى من حيث العقل والمنطق ايجابية في نتائجها الآنية والبعيدة على الوضع الفلسطيني على حين نرى أنّ العاطفة طغت على فعاليات الانتفاضة ، وبات الشارع الفلسطيني والشارع العربي يطربان للعمليات الاستشهادية دون إدراك للنتائج السياسية لتلك العمليات ، والتي في الكثير من الأحيان كانت بعيدة عن خدمة الفعل السياسي فتأتي نتائجها سلبية على الواقع الفلسطيني ، فتم للعدّو الصهيوني ما أراد من تدمير للبنى التحتية لمؤسسات السلطة الوطنية وإعادة احتلال لمناطق ومدن كانت قوات الاحتلال قد انسحبت عنها تنفيذاً لاتفاق أوسلو ، وهذا جاء نتيجة عدم وجود قيادة موحدة للانتفاضة تترجم متطلبات العمل السياسي إلى واقع على الأرض ، فالانتفاضة وأن كانت ثمة لجنة متابعة تنظم فعالياتها الجماهيرية ألاّ أنّ المناكفات التنظيمية التي حدثت على الأرض كانت أكبر من لجنة المتابعة وكأنّ لجنة المتابعة مجرد ديكور كان يحتمي به البعض لتحقيق وجوده على الأرض ، فالمناكفات اليومية لم تكن تهدف إلى تقويض وجود العدّو الصهيوني على الأرض وإن كان الهدف المباشر هو الوجود الصهيوني على أرض فلسطين ، ولكن أن يصبح عملنا النضالي ضد عدونا هو مناكفة لبعضنا البعض ، وأن يسحب أحدنا البساط من تحت أقدام الآخر ليحاصره من قبل جماهير شعبه ، فتدان عمليات المقاومة المسلحة لأن توقيتها لم يكن منسجماً مع التحرك السياسي للقيادة ، فينعكس الفعل المقاوم سلباً على وحدة شعبنا في ظل الانتفاضة ، ولكي يتم بالتالي طرح مشروع عربي يتماشى مع عملية السلام كخيار استراتيجي وذلك في ظل منع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من إلقاء خطابه داخل قمة بيروت ، هذه الخطة العربية المبادرة التي ما زالت موضوعة على الطاولة منذ ثماني سنوات دون أن يهتم الجانب الصهيوني الأمريكي بها رغم التهديد العربي بسحبها عن الطاولة ـ ولن يستطيعوا ذلك ـ في ظل التجاهل الصهيوني الأمريكي لها ورغم أنّ كلماتها الأولى صيغت بحروف أمريكية ، وهذا يعود إلى أنّ العرب كانوا وما زالوا فاقدي الإرادة وليسوا أصحاب قرار فيما يتعلق بقضاياهم المصيرية ، وهذا كله أدّى إلى مزيد من حصار الرئيس القائد أبو عمار ليصبح شهيد انتفاضة الأقصى التي كان يريدها قوة في يده فإذا بمفرداتها تتحول إلى ضعف فلسطيني وقوة صهيونية .

ولقد كان العامل السلبي في الانتفاضة إنها انطلقت بقوة جماهير الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين من البحر إلى النهر وبدعم لا يوصف من جموع اللاجئين في الشتات إلاّ أنّ الفعل الجماهيري أخذ يتلاشى شيئاً فشيئاً أمام تصاعد عمل المقاومين الفلسطينيين ، وتحولت بذلك الانتفاضة من فعل كل الجماهير الفلسطينية إلى تركيزها بفئة شابة مقاتلة لا يتجاوز عددهم العشرات في كل مدينة فلسطينية ، وهذا كان له أثره السلبي على الواقع الفلسطيني ، فبدل أن يشكل هؤلاء المقاومين قوة في يد القيادة السياسية أصبحوا عبئاً عليها وذلك لسبب رئيس وهو أن هؤلاء المقاومين لم تكن لهم قيادة موحدة تضع لهم الخطط وتعين لهم الأهداف التي تخدم طبيعة الصراع مع العدّو الصهيوني ، بل كانوا عبارة عن مجموعات تعمل دون أن تكون مرتبطة بقيادة واحدة وخاصة المجموعات التي تنتمي إلى حركة " فتح " ، فتحول المقاتلون إلى مجموعة من المطاردين مطلوبين من قبل العدّو الصهيوني ، فعاش هؤلاء المقاتلون حياة قاسية لا تعرف الاستقرار وبات وضعهم محل تفاوض بين السلطة وبين العدّو الصهيوني ، وهذا كله نتيجة عدم وجود قيادة موحدة للانتفاضة ترسم طريق الفعل الجماهيري وتحدد له أهدافه الآنية والبعيدة ، أضف إلى ذلك اختلافنا على دور الجماهير في العمل النضالي اليومي وعدم الرهان عليها في مقاومة الاحتلال ، فانفصلت القيادة عن جماهيرها وفقدت الجماهير بالتالي ثقتها بالقيادة ، وتأزم الوضع الفلسطيني أكثر في ظل الانقسام الذي أدى إلى انقسام كل شيء على الساحة الفلسطينية سواء داخل الوطن أو في الشتات ووقعنا جميعاً تحت رحمة رهن القرار الفلسطيني بيد الآخرين .

فلسطين – ترشيحا في 29/9/210 صلاح صبحية