لسنا فوق الشجرة

تمترست إسرائيل خلف استيطانها القبيح، فرسخت القيادة الفلسطينية موقفها الصريح: لا تفاوض مع الاستيطان، لنعرف أن هذا الموقف لم يكن صعودا على شجرة عالية، بل تشبثا بالأرض ودفاعا عنها كي تعود من غير سوء المستوطنات وطحالبها التوسعية النهمة، ومن أجل أن يكون السلام ممكنا والعملية السياسية من غير أحابيل كلام العلاقات العامة واستعراضاته الدعائية الشبيهة مع 'نتنياهو' ورهطه بأغاني الكليبات الخليعة التي تعد بأشياء كثيرة ولا تقدم في النهاية غير الخديعة.

قد قلنا قبل قليل، إن المفاوضات المباشرة سوف لا تمضي إذا ما ركبت إسرائيل رأسها الاستيطاني الذي لم يعد يعجب أحدا، وظن البعض أن هذا لن يحدث طالما أن خيارات القيادة الفلسطينية ستظل هي خيارات التفاوض حتى من غير موقفها المناهض للاستيطان، لأنه من المحتمل أو المتوقع أن 'تأكل' القيادة موقفها هذا حسبما قالت مخيلات الممانعة وخطاباتها الجاهزة والتي كان لها مع الأسف الشديد هذا القدر من المسؤولية في تعليق الجبهة الشعبية لمشاركاتها في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي لم ولن تقبل بالتفاوض كيفما اتفق مثلما أعلنت ذلك بوضوح شديد يوم أمس في ختام اجتماعها بمقر الرئاسة برام الله، لا بل إنها أعلنت ما هو أكثر أهمية من ذلك حين قالت: إن وقف الاستيطان يمثل الدليل الملموس على جدية المفاوضات والعملية السياسية برمتها، وهذا يعني بمنتهى البساطة، إن وقف الاستيطان سيظل امتحانا للنوايا الإسرائيلية وجديتها تجاه عملية السلام كي لا نمضي إلى آلاعيب إضاعة الوقت في كلام العلاقات العامة.

لم نكن نحب أن تخسر الجبهة الشعبية مشاركتها في صياغة هذا الموقف، لكن الكرة بطبيعة الحال في كل هذا الشأن ليست في ملعبها ولا هي في ملعب مخيلات الممانعة الجامحة، ولا هي في ملعب الولايات المتحدة المحبطة من تعنت 'نتنياهو' وإن كانت تتحمل الكثير من مسؤولية هذا التعنت، ولا حتى هي في ملعب إسرائيل المأخوذة 'بورودها البلاستيكية' التي اسمها المستوطنات على نوافذها المغبرة، وإن كانت هي التي تتحمل الآن مسؤولية وقف المفاوضات المباشرة، فأين هي الكرة إذا....؟؟ إنها الآن وبصراحة شديدة، في ملعب الجامعة العربية وفي قمتها المقبلة في سرت، فأما تعزيز الموقف الفلسطيني وتقويته بكل مقومات الصمود والثبات السياسية والمادية ليكون الموقف ضد الاستيطان عربيا بالفعل والسياسة ما يعززالموقف الدولي ضده، وأما التراخي الذي لن يقود لغير دورة جديدة من العذابات والمعاناة التي لن تبقى فلسطينية فقط، ولن تبقى فلسطينية أبدا.