"الأونروا" في الذكرى الستين لتأسيسها: "أنا الديار".. و"السلام يبدأ من هنا"

اختار المفوّض العام لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ـ الأونروا» فيليبو غراندي حادثة صغيرة شهدها الأردن، ليختم بها الخطاب الرئيسي في المؤتمر الذي نظّمته الوكالة و«معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت» إحياء للذكرى الستين لتأسيس الوكالة، أمس. تقول الرواية إن أحد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، قال لرئيس الجمهورية السويسرية خلال زيارته للبلاد: «الأونروا هي بيتي». راقت العبارة لغراندي فكررها على مسامع الحاضرين مرتين، وذلك بعدما عدّد العقبات التي تعيق عمل الوكالة في الأقاليم الخمسة، وأبرزها التمويل. أما غاية المؤتمر فهي: «أن تناقشونا وتنتقدونا وتقيّموا عملنا».
أراد غراندي من روايته الأخيرة أن يبرهن أن «الأونروا» هي «الديار» المؤقتة بالنسبة إلى أربعة ملايين وسبعمئة ألف لاجئ «تحتضنهم» الوكالة في لبنان، وسوريا، والأردن، والضفة الغربية، وغزة.
ومع أن المفوّض العام أراد لعبارته أن تعلق في الأذهان لتكون منطلقاً للمداخلات، إلا أنها بدت «مضخّمة» بالنسبة إلى بعض المشاركين.. لا سيما أن «الديار» هي الأرض المحتلة، فلسطين.
في الشكل، طغى الحضور الأجنبي على الحضور اللبناني في المؤتمر. ولعلّ الغياب الرسمي اللبناني «ميّز» المؤتمر، خاصة أن أياً من الوزراء والنوّاب، الذين تلقوا دعوات «الأونروا»، لم يكترث للمشاركة. فاختصرت رئيسة «لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني» مايا مجذوب ذاك الحضور، بمداخلة أكّدت فيها العمل على تحسين ظروف اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، تطبيقاً لما التزمت به الحكومة في بيانها الوزاري. وقد شارك في افتتاح المؤتمر سفير فلسطين عبدالله عبدالله، والمدير المساعد لـ«معهد عصام فارس» كريم مقدسي، فيما قدّم له أستاذ العلوم الاجتماعية في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور ساري حنفي.
غير أن حضور مجذوب المحدود زمنياً، وعدم مشاركة أي من المسؤولين اللبنانيين، أبقى الاتهامات التي وجّهت إلى لبنان الرسمي بلا جواب أو ردّ. علماً أن لبنان «يتميّز» بين الأقاليم الخمسة لناحية عدم إقرار الحقوق المدنية للفلسطينيين، ما يصعّب عملية تطوير عدة قطاعات مثل التعليم والصحّة، وغيرها.
تبقى مرحلة «التدريب الموجّه صوب السوق» التي تلي التعليم وتسبق العمل، التي تطرق إليها نائب مدير دائرة التعليم في الوكالة موهان مانون، بلا ترجمة فعلية على أرض الواقع، لأن اللاجئ الفلسطيني ما زال ممنوعاً من ممارسة عدد من المهن في لبنان.
وبعيداً عن شكليات الافتتاح، انطلق المؤتمر من إشكاليات لا يبدو أنه سيخلص إلى حلول لها. فهل يجب أن تُبدّى التنمية البشرية على الخدمات الأساسية؟ علماً أن التنمية تقوم على التدريب المهني وتأمين القروض للاستثمارات الصغيرة، فيما الخدمات الأساسية تشمل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى. فتضحي معادلة تبدية هذه على تلك أقرب إلى تفضيل تعلّم الصيّد على إعطاء السمكة. لكن، يبدو أن بديهية تعليم الصيد لا تنسحب على الحالة الفلسطينية. فيشرح المتحدث باسم «عائدون» رجا ديب، في محور «تأملات حول عمليات الأونروا في سوريا»، أن «الوكالة، خلال العقود الثلاثة الأولى من عملها، أمّنت الخدمات بلا استثناء، ووفّرتها للاجئين أينما حلوا وليس فقط في المخيمات. ولكن، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بدأنا نلاحظ تراجعاً في التقديمات الخدماتية. ولعلّ شاغل الوكالة بين العامين 2010 و2015، سيكون التنمية البشرية التي وضعت لها خطة منذ ثلاث سنوات، إذ سمحت البيئة المستقرّة بالانتقال إليها. لكن، هل شارك اللاجئون في تحديد هذا التحوّل في عمل الأونروا؟ ومن حدّد الاحتياجات أو البرامج الجديدة؟ يجب على الوكالة أن تشرحها، لا سيما بعدما اعتبرها البعض مرحلة أولى من التوطين، بالاستناد إلى تمويل الدول المنادية بالتوطين لبعض مشاريعها».
هكذا، برهن ديب أن المجتمع الفلسطيني اللاجئ ما زال بحاجة كبيرة للسمكة، وأنه غير جاهز للانصراف إلى تعلّم الصيد. فناشد «الأونروا» الالتزام بأولوية الخدمات الأساسية، مهما كانت الظروف: «لأن مشاريع التنمية تترافق مع تراجع عكسي في الخدمات».
وغادر ديب المنصة واضعاً إحصائية برسم المعنيين، مفادها أن نسبة ثمانين في المئة من ميزانية «الأونروا» تُصرف على رواتب الموظفين، في حين يستفيد اللاجئون من نسبة عشرين في المئة فقط من ميزانيتها. تلك نتائج إحصائية لم ينقضها أي من الأطراف المشاركة في المؤتمر.
وقد ناقش رئيس «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ـ شاهد» محمود حنفي تطور تلك الميزانية من العام 1994 حتى عامنا هذا، فلفت إلى أنها تتبدل مع تبدّل مصالح الدول المانحة، كما تتأثر بالأزمات التي تصيب بعض التجمعات الفلسطينية، مثل حرب مخيم نهر البارد، أو أزمة قطاع غزّة، تضاف إليها الطوارئ العالمية كالأزمة الاقتصادية الأخيرة: «ما يضطر الوكالة إلى إطلاق نداءات استغاثة، تصبح لها الأولوية على دعم الميزانية العادية».
وفي تأكيد على إحصائية ديب، لفت حنفي إلى أن الوكالة تخصص للبنان ميزانية تبلغ قيمتها حوالى 61 مليون دولار: «إذ توظف في هذا الإقليم 3232 موظفاً، وإذا احتسبنا متوسط أجر كلّ منهم بقيمة ألف دولار، يبقى للاجئين 37 مليون دولار في السنة، أي 89 دولارا في السنة لكل لاجئ من الأربعمئة وخمسة وعشرين ألف لاجئ في لبنان. وبعد احتساب المصاريف الأخرى، كفواتير الكهرباء والمحروقات وغيرها، تنخفض حصة الفرد من تقديمات الوكالة إلى خمسين دولارا فقط».
أما على مستوى التنمية البشرية فعرض مدير برنامج «التمويل الصغير» في الوكالة أليكس بولوك القروض التي يقدّمها البرنامج للاجئين الفلسطينيين في كل من الأردن، والضفة، وغزة، وسوريا، باستثناء لبنان. وقد قدّم البرنامج قروضاً بقيمة ربع مليار دولار استفاد منها النساء والرجال على حدّ سواء، في تأسيس أعمال لهم: «لكنّه مشروع يعاني أيضاً نقصاً في التمويل، وتتم حالياً دراسة إمكانية تحويله إلى مؤسسة خاصة تساهم فيها شركات خاصة».
لا يستفيد لبنان من هذا البرنامج، بحسب بولوك، لأن الوكالة، بعد تحليل السوق اللبنانية، «لمست استحالة إطلاق برنامج مستدام، بالمقارنة مع أعداد الفلسطينيين الذين يمتلكون أعمالاً بحاجة إلى قروض. كما أن البرنامج يتطلب إبرام عقود ملزمة مع عملائنا، ولا يمكن إنفاذها في لبنان. وعلى الرغم من ذلك، أسسنا برنامج قروض صغيرة، ضمن الخدمات الاجتماعية التي تقدّمها الوكالة. وقد قدّم 1500 قرض».
يبرهن الواقع الذي يرسمه الباحثون وكوادر «الأونروا» ضرورة إيجاد حلول دائمة لهؤلاء اللاجئين، ما سيُبحث اليوم ضمن أعمال المؤتمر، علّهم يصلون إلى خيوط أملٍ تدعّم الشعار الذي رفعته الوكالة، وقد ظلّل منصة الذكرى الستين لتأسيسها: «أونروا: السلام يبدأ من هنا».

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» "الجهاد الاسلامي" تحيي الذكرى الـ24 لتأسيسها في مخيم البداوي
» «سلام» الأونروا يبدأ من المخيّمات!
» الحوار بين اتحاد العاملين وإدارة الأونروا يبدأ اليوم
» 'الخارجية' تصريحات مدير 'الأونروا' في نيويورك تضر بعملية السلام
» معتصمون قبالة الأونروا برفح يرفضون التقليص التدريجي لخدمات الأونروا