البدائل.. والتاريخ

ثمة بدائل طرحها الرئيس محمود عباس على قمة 'سرت الاستثنائية' بعد أن وضع القمة ولجنتها الوزارية الخاصة بمبادرة السلام العربية بتفاصيل ما جرى في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل التي تريد إلى الآن الاستيطان أكثر مما تريد السلام بكثير وبكثير جدا. البدائل لم يكشف النقاب عنها بعد، لأن آلية العمل العربي المشترك الجديدة وهي من قضايا القمة الاستثنائية الأساسية، لم تنضج تماما حتى الآن، ما يعني أن العرب على ما يبدو، مع الأسف الشديد، غير جاهزين حتى اللحظة للعمل بهذه البدائل، وهذا ما جعل اللجنة الوزارية الخاصة بمبادرة السلام العربية تعلن يوم أمس أنها من المفترض أن تعقد اجتماعا خلال شهر من تاريخه للنظر في بدائل الرئيس محمود عباس وتحديد الخطوات المطلوبة بهذا الشأن، هذا إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان كما أوضح رئيس اللجنة الوزارية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الحكومة القطرية ووزير خارجيتها.
لكن الرئيس محمود عباس كان قد أوضح في القمة وهو يستعرض تفاصيل ما جرى في المفاوضات، أن الموقف الأميركي الداعي لوقف شامل وكامل للاستيطان والذي كان الرئيس أوباما قد أعلنه في خطاب القاهرة الذي 'استبشرنا به خيرا' لم يصمد كثيرا، فهل سيعيد شهر المهلة العربية الولايات المتحدة لصواب دورها وثقله الواقعي الكبير القادر لا على إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان فحسب، بل وإجبارها على ذلك إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تمارس هذا الدور بنزاهة الوسيط المسؤول عن تحقيق السلام في الشرق الأوسط دون أن تغمط حق أحد، ودائما يظل ذلك بالممكن لا بالمطلق ولأن تحقيق المصالح المشتركة يقتضي في المحصلة توازنات الحل وعدم الانحياز السافر الذي لا يقود لغير التوتر وعدم الاستقرار.

على أننا ونحن أبناء التجربة و'أهل مكة' الأدرى بشعابها، لن نعلق خلال هذا الشهر الكثير من الأمنيات على عودة الوعي، ولا حتى على عودة الروح لأدوار فاعلة ظلت غائبة طويلا وما زالت كذلك حتى اللحظة، ونعرف أسباب هذا الغياب، لكن موازين القوى تمنعنا من قول الشيء الكثير في هذا الشأن في هذه المرحلة على الأقل والتي ما زالت تطول على حساب حياتنا بعذابات لم تعد أبدا مقبولة، غير أننا نعرف أن التاريخ لا يغفل شيئا ومحاكماته لا ترحم أحدا، ولهذا دائما ثمة بدائل لدينا هي بمثابة ما نكتب في التاريخ وما نقوله له كي ينصف التجربة بعد كل جدل وتوليف ومماحكة، وليس ذلك فحسب بل ومن أجل أن نواصل شق الطرق وتسليكها نحو الحرية ذاتها، قد لا نعرف ماهية البدائل التي طرحها الرئيس عباس والتي أبقتها القمة العربية الاستثنائية طي الكتمان إلى حين، لكن هذا ليس هو المهم، المهم أن البدائل موجودة والأكثر أهمية أنها تعكس حقيقة إستراتيجية أن صح التعبير، وهي أننا لا نسير في دروب نضالنا الوطني من دون هدى وخطط تنظر في مختلف الاحتمالات وتحسب مختلف حساباتها، هذا ما تعنيه البدائل التي لطالما كنا ندخل بها التاريخ ونسير معه ونحن ندفع بحتميته إلى صواب نهايتها.
ــ