فنجان قهوة بنكهة سياسية في حضرة أنطوان شلحت

أعاد الكاتب الفلسطيني أنطوان شلحت، الشباب الفلسطيني إلى تاريخ ومسيرة الحركة الثقافية والأدبية في الداخل الفلسطيني، منذ حرب عام 1948، إلى يومنا هذا، معرجا على أهم مفاصلها، وتأثيرها على الحالة الوطنية.

وكان شلحت رئيس تحرير المشهد الإسرائيلي، والمحرر المسؤول في موقع 'قديتا' يوم أمس، ضيفا جريئا جدا على اللقاء الخامس من فنجان قهوة، الذي تنظمه الجمعية الفلسطينية للثقافة والفنون نوافذ، بمشاركة العشرات من الأدباء الشباب.

وأشار إلى مرحلة الفراغ التي مر بها المشهد الثقافي بالداخل بعد النكبة، وما أحدثته من إجهاض لدور المدن الرئيسية كيافا وحيفا وعكا ثقافيا ووطنيا، مستعرضا ما مرت به الحالة الوطنية آنذاك من هجمة صهيونية.

وعرج شلحت على دور دار النشر العربي في الهستدروت، وما كانت تنشره من كتب لبعض الكتاب العرب، وما كانت تهدف لإيصاله من رسائل، وما تلاه من محاولات شخصية لنشر الكتب العربية بإمكانيات محدودة.

ومن المبادرات التي تطرق إليها، هي مبادرة صاحب المطبعة إبراهيم زيبق، الذي أعاد نشر كتب جورج زيدان بإمكانيات متواضعة، وما كانت عليه هذه المنشورات من حالة فنية سيئة نظرا لقلة الموارد والإمكانيات.

واعتبر شلحت أن حرب الـ67، أو ما يعرف بالنكسة، أثرت إيجابيا على الحالة الثقافية والأدبية في الداخل، حيث وحدت فلسطين التاريخية تحت الاحتلال، وباتت الكتب الوطنية أكثر انتشارا في مكتبات الداخل.

وتطرق إلى دور الإيميلين حبيبي وتوما في تأسيس جريدة الإتحاد، التي كانت تنشر نماذج أدبية وطنية، ومن ثم نشر ملحق الإتحاد الثقافي، الذي تحول لاحقا إلى مجلة الجديد، التي كانت تنشر نماذج من الثقافة العربية الوطنية.

وأشار شلحت إلى أن دور الشعراء في تلك المرحلة كان التأكيد على أن الشاعر هو جزء من الشعوب العربية، وأن الحالة الأدبية التي يمثلها لم تبدأ من الصفر، وإنما هي استمرار للحالة التي كانت سائدة قبل حرب عام 48.

وحول الحالة الثقافية الحالية في أراضي عام 48، أضاف أنها تتمحور حول سؤالين الأول هو سؤال الهوية وهو بالنسبة لفلسطينيي الداخل مذكرا بالحالة الطبيعية التي كانت تعيشها فلسطين قبل 48، والسؤال الثاني يتمحور حول الصراع مع اليهودية الإسرائيلية.

وقال: 'في الداخل هناك تطورات على مستوى المنابر، حيث لا توجد هناك دور نشر، ولا وسائل إعلام مهتمة بالمشهد الثقافي والأدبي، ولا نقاد أدبيون حقيقيون، وهذا ما يحد من تطور الحالة الثقافية والأدبية هناك'.

وعن قضية مشاركة بعض الكتاب والأدباء من فلسطينيي الـ48 في المحافل والمهرجانات الثقافية التي تقيمها المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية، أبدى شلحت رفضه للمشاركة في مثل هذا النوع من المهرجانات، معتبرا أن الحوار مع المثقفين الإسرائيليين 'حوار طرشان'، سيما أنه مر في هذه التجربة في حوار حول دور الإعلام في التسوية بمشاركة أهم الإعلاميين من الطرفين.

وأكد شلحت على ضرورة التواصل الثقافي بين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، وعقد مثل هذه اللقاءات التي تهدف إلى خلق حالة من الجدل والحوار البناء، مشيرا إلى أهمية ترجمة بعض المنتجات الأدبية الإسرائيلية التي تكشف عن زيف الرواية الإسرائيلية، وعن تعظيم صورة اسرائيل في العالم على خلاف الحقيقة.

وحول موقع 'قديتا' الذي أثار ضجة في المشهد الثقافي الفلسطيني، لما يتضمنه من زاوية تدافع عن المثليين جنسيا بعنوان 'مثليون ونصف'، أشار شلحت إلى أن دوره كمحرر مسؤول هو دور استشاري.

وقال: 'ليس تهربا من تحمل أية مسؤولية، لكن دوري هناك هو دور استشاري، ولدي الكثير من التحفظات على بعض زوايا الموقع، ولا أقوم بمتابعة كل ما ينشر عليه، ولا اعتبر نفسي مسؤولا عن ما ينشر فيه'.

وما أن أنهى شلحت حديثه، حتى انصبت مداخلات الكتاب الشباب على دوره في موقع 'قديتا'، كمحرر مسؤول لموقع ثقافي ووطني يحمل في طياته زاوية دخيلة على المشهد الثقافي والوطني الفلسطيني وهي زاوية المثليين جنسيا.

وانصبت مداخلات الكتاب الشباب حول ما تحمله هذه الزاوية من إساءة للمشهدين الثقافي والوطني في فلسطين، وحتى لاسم الموقع الذي يمثل قرية فلسطينية مدمرة، وللهم الوطني الفلسطيني بشكل عام في الداخل والخارج.

وانتقد الكتاب الشباب ما اعتبروه إظهارا جليا لقضية المثليين جنسيا، وكأنها باتت الهم الوطني والثقافي الأول للفلسطينيين في الداخل، إلى جانب ما تحمله الزاوية من مقالات ونصوص جديدة على المشهد.

وأثار تبني 'قديتا' لقضية المثليين جنسيا، واستخدام مواقع فلسطينية تاريخية في النصوص التي تطرح حول الموضوع، في إشارة إلى أن القضية باتت مركزية بالنسبة للفلسطينيين، مشيرين إلى أن الأسماء القائمة على الموقع والتي يحترمونها ويحترمون مواقفها السياسية والثقافية كان لا بد أن تنتبه لهذه القضية.

ورد شلحت بالقول: 'أنا منذهل من المعارضة والنقد الحاد الذي وجهتموه للموقع ولدوري فيه، المحرر المسؤول في تجربتنا الخاصة هو دور استشاري بحت، لم أكن شريكا في اتخاذ القرار، ولم يضعني أحد في صورة هذه الضجة'.

وأضاف: 'لا تحملوا الأمور أكثر مما تحتمل، 'قديتا' موقع عادي، فيه نصوص عادية، وبعضها لا يرتقي للنص الأدبي، ولا أستطيع أن أضم كل من يكتب فيه ضمن قائمة الكتاب الموجودين في الداخل الفلسطيني'.

وقال شلحت: 'موقع قديتا هو مبادرة شخصية من علاء حليحل، وأنا بحاجة لإعادة النظر في الموضوع، لأنني اعتبر نفسي سفيرا للثقافة الوطنية في الداخل الفلسطيني'.

وأضاف: 'أنا دوري في الموقع هو دور استشاري، وسآخذ ما قلتموه بعين الاعتبار، وموضوع المثلية الجنسية يثير العديد من النقاشات، وأنا أيضا متحفظ على الموضوع، ودعونا نخفض من سقف التوقعات من أي حالة ثقافية في الداخل، وأن نتعامل مع الظاهرة بما تستحقه'.

وأشار إلى أن 'موقع 'قديتا' هو ليس ظاهرة ثقافية، ولا بوابة ثقافية، وإنما موقع الكتروني يعبر عن رغبات شخصية'.

من جانبه، قال الكاتب أحمد الأشقر، رئيس الهيئة الإدارية لـ 'نوافذ': 'كان اللقاء جدليا بكل ما تحمل الكلمة من مدلولات، واستطاع الرجل من خلال ثقافته الموسوعية في المشهد الفلسطيني بالداخل المحتل أن يضيء على نقاط هامة في تاريخ الحالة الثقافية والسياسية في الداخل المحتل'.

وأضاف: 'وكان موفقا جدا في تقبل الأسئلة والاستفسارات التي وصلت حد الاستهجان في بعض الأحيان، لقد كان لقاء مميزا لأن أنطوان شلحت تحدث بأسلوب علمي مبني على معلومة ودراية وقرب الكثير من المفاهيم إلى ذهننا وكان واضحا جدا في انتقاده لمشاركة بعض الشعراء الكبار في المهرجانات الإسرائيلية الأمر الذي أسعدنا كثيرا'.

ـ