اكد مختصون فلسطينيون أن 'إسرائيل' تريد تسوية مبنية على ترتيبات أمنية، وتحرص بشدة على ضمان عدم نشوء مناطق تأوي المقاومة التي من الممكن أن تشكل لها مصدر قلق وتهديد مستمر.
وفي بداية المؤتمر ألقى د. خالد شعبان كلمة مركز التخطيط الفلسطيني أكد خلالها على أهمية المؤتمر الذي يهدف إلى طرح الأفكار من ذوي الاختصاص حول الأمن والحدود باعتبار ذلك جوهر السيادة للدولة الفلسطينية لا سيما وأن الطريق ما زال شائكاً ولكن الإمكانات لطرح الأفكار التي تخص المشروع الوطني ما زالت مطروحة.
من جهته قال د.أسامة عنتر ممثل مؤسسة فريدريش إيبرت ان الجميع يدرك أهمية وخطورة الأفكار المطروحة في المؤتمر خاصة في ظل المفاوضات وحالة الانقسام وانتقال الملف التفاوضي بين الإسرائيليين واميركا وليس بين اسرائيل والفلسطينيين وبالتالي يكمن الخوف في إيجاد معادلة أو نوع من التفاهم في الفترة القادمة بين إسرائيل واميركا على حساب الحق الفلسطيني خاصة في ظل نقص الدعم العربي وحالة الانقسام السياسي.
جاء ذلك خلال برنامج نظمه مركز التخطيط الفلسطيني في غزة بالتعاون مع مؤسسة 'فريد ريش ايبرت' الألمانية بعنوان' الأمن والحدود– رؤى فلسطينية', بحضور كل من مدير عام المركز مجد الوجيه مهنا, والباحث في الشئون الإسرائيلية عدنان أبو عامر, ومسئول ملف المستوطنات بالضفة الغربية خليل التفكجي.
وأوضحت مهنا أن الشعب الفلسطيني يمر بمأزق عميق ليس بالسلطة أو القوى الوطنية الفلسطينية وحدها, فالآفاق مسدودة والتعنت الإسرائيلي يزداد تعسفًا, والإرادة العربية والدولية والأمريكية غير فاعلة.
وقالت: إن 'المتتبع للادعاءات الإسرائيلية حول الحدود الآمنة التي تحدد مدى سيادتها, سيفاجأ بالادعاءات حول الحدود التاريخية والدينية التوراتية لأرض إسرائيل والتي لا تخضع لأي أساس قانوني دولي'.
وأضافت أن 'إسرائيل تدعي بأن لا حدود لها وأن القرار 242 الذي وضع للتفاوض مع الفلسطينيين والدول العربية يجيز لها اكتساب الأراضي بالحرب ويعطيها السيادة على تلك الأراضي المكتسبة وتحاول مد حدودها تحت مسمى الحدود الآمنة '.
من جانبه, أوضح أبو عامر الترتيبات الأمنية لـ'إسرائيل' في إطار الحال الدائم, مشيرًا إلى أن المطالب الأمنية الإسرائيلية الحيوية احتلت منزلة أساسية منذ أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية على إعلان المبادئ في اتفاق أوسلو 1993.
وقال: 'إذا قدر للضفة الغربية أن تقع في أيدي جهات معادية لإسرائيل سينتج عن ذلك وضع يشكل خطرًا دائمًا على البنية التحتية لإسرائيل كمطار بن غوريون, وشبكة المياه الوطنية, وشبكة الكهرباء القطرية, والطرق السريعة التي تعبر إليها'.
وأوضح أبو عامر أن 'إسرائيل' لا تبدو مستعدة للتنازل عما حققته من سيطرة شبه مطلقة في الضفة، وتتيح للجيش الوصول لأي مكان تصنع فيه الأسلحة المحظورة, دون تمكن المسلحين من صنع الصواريخ.
وباستشراف المستقبل تتوقع 'إسرائيل' سيناريوهين محتملين يمكن أن يتبلورا غداة إقامة دولة فلسطينية على ضوء الاتجاهات السائدة في الشرق الأوسط, منها تهديدات نابعة من داخل الدولة الفلسطينية قيد التكوين بحيث تكون قاعدة مناسبة لإقامة بنى تحتية للعمل المسلح وتطويرها.
وكذلك الأخطار التي تهددها من الجهة الشرقية عبر الأراضي الفلسطينية وهذا السيناريو الأوسع لأنه يشمل المنطقة بأسرها.من ناحيته,عرض التفكجي اقتراحات عديدة حول مستقبل المستوطنات، منها وضع جميع المستوطنات في الضفة الغربية ومن ضمنها مستوطنات القدس تحت السيادة الفلسطينية، واعتبار المستوطنين مواطنين إسرائيليين يعيشون في دولة فلسطين تحت سيادة القانون الفلسطيني.
وقال:'إننا نستطيع أن نقيم بنك إسكان يقدم قروضًا للأشخاص الذين يريدون السكن في هذه المستوطنات مقابل إعادة المبالغ المقترضة على أقساط طويلة أي ( تمويل شراء المستوطنات من قبل المواطنين الفلسطينيين)'.
وأوضح أن بعض الأطروحات التي تقوم بها مراكز الأبحاث الإسرائيلية تقضي بتجميع المستوطنات والحصول على تعديل حدودي يصل ما بين ( 6-11%), قائلا: 'في حال رفض مفهوم تبادل الأراضي فإن تجميع المستعمرات إزالة بعضها انجازا فلسطينيا'.
وفي الجلسة الثانية للمؤتمر قدم اللواء الركن عمر عاشور ورقة عمل بعنوان «تباين مفهوم الأمن فلسطينياً وإسرائيلياً» أشار فيها إلى وجهة النظر الإسرائيلية التي تعتمد على القدرات الأمنية المستقلة والتعاون الأمني كما أن نظرية الأمن الإسرائيلية التقليدية ترتكز على الإنذار المبكر والردع والحسم في ميدان المعركة.
وأوضح عاشور أن الأمن الفلسطيني في الوقت الحالي له بعدان داخلي وإقليمي وكل منهما يواجه تهديدات تنعكس بدورها على حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني مشيراً إلى أن البعد الداخلي يتمثل في ترسيخ الأمن الحقيقي من خلال زوال الاحتلال وحل مشكلة اللاجئين وموضوع القدس وإزالة المستوطنات إضافة إلى ممارسة الحق في تقرير المصير.
أما فيما يتعلق بالبعد الإقليمي فقال عاشور «لن يتوفر الأمن الإقليمي دون الإقرار بحق تقرير الشعوب والإقرار بعدم اكتساب أراض بالقوة وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وكذلك بناء دولة فلسطينية مستقلة وحل قضية اللاجئين وأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وتطرق عاشور إلى الاهتمامات الأمنية الفلسطينية والعراقيل التي تهدد مصالحهم ومنها تهديد وحدة وتكامل الأراضي الفلسطينية وتهديد الشتات الفلسطيني وتواجد الاحتلال والمستوطنين والفصل الجغرافي عن دول العالم والبطالة والاختناق الاقتصادي إضافة إلى التهديد بالتهجير والطرد وغياب الأمن والديمقراطية للفلسطينيين داخل اسرائيل أما بالنسبة بالأمن الخارجي للدولة الفلسطينية والاعتبارات الأمنية للحل المقبل فقال عاشور «انه لا يمكن اتخاذ الأمن كأولوية دون حل القضايا الأخرى كاللاجئين والقدس والمستوطنات والمصادر الطبيعية وكذلك الأمن الحدودي وأمن القدس وتشكيل بنية إقليمية مستقرة وقضايا تدعم الأمن مشدداً أن القضايا الأمنية ستلعب دوراً أساسياً في خلق دولة فلسطينية من خلال أن تكون الدولة قادرة لوحدها أو بمساعدة الآخرين على ضبط حدودها وأن تدخل الدولة في ترتيبات أمنية للمساعدة على أمن جيرانها موضحاً أن هذا لا يعني الترتيبات التي تطرحها إسرائيل بتسخير أجهزة الدولة وقواتها المسلحة لخدمة الأمن الاسرائيلي. مؤكداً على أهمية أن لا تكون أراضي الدولة الفلسطينية معبراً أو ساحة لصراعات إقليمية قادمة.
الأمن الديمغرافي الفلسطيني
أما الباحث أحمد أبو شاويش فتطرق الى الأمن الديمغرافي الفلسطيني وتناول قضية اللاجئين بين حق العودة ونفي الآخر مشيراً إلى أن عدد الذين جرى ترحيلهم في عام 1948 بلغ حوالي 250 ألف مواطن وبعد ذلك رحل 482 ألف مواطن جراء حرب 1967 موضحاً أنه رغم صدور القرارات الدولية بشأن عودة اللاجئين إلا أن اسرائيل تصر على رفضها للقرارات الشرعية الدولية. كما أن اسرائيل ترى أنه لا يمكن أن تكون هناك تسوية, وان الحل ينطلق من رفض القرارات الدولية المتعقلة بالقضية والاكتفاء بالسماح بالعودة لأسباب إنسانية في إطار جمع شمل العائلات.
أما بالنسبة للموقف الفلسطيني فقال أبو شاويش ان قضية اللاجئين تعتبر من اهم القضايا الوطنية إلا أنه لم يتم وضع استراتيجية وطنية فلسطينية لقضية اللاجئين في حين يوجد العديد من النشاطات والمبادرات غير الرسمية لإثارة ونصرة قضية اللاجئين مما يتطلب الإعداد لاستراتيجية وطنية شاملة للدفاع عن حق العودة مع ضرورة استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المدمر لاسيما انه في حال استمراره فإنه سيؤدي إلى المزيد من التآكل على صعيد القضية الوطنية ويسهل على إسرائيل تنفيذ أهدافها في جميع الاتجاهات.
الانقسام وتأثيره على مستقبل التسوية
من جهته, عدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر إبراهيم أبراش تأثيرات الانقسام على المشروع الوطني ومستقبل القضية.
وأوضح أن الانقسام أضعف مشروع السلام الفلسطيني 'لأن الرئيس أبو مازن أصبح ضعيفًا على طاولة المفاوضات، ولم يعد قادرًا على التكلم باسم كل الشعب الفلسطيني، خصوصًا عندما تتحدث عنه حركة حماس كرئيس منتهية صلاحيته'.
وأكد أن الانقسام مكن 'إسرائيل' من التفرغ للاستيطان بالضفة الغربية وتهويد القدس, واتخاذ قرارات عنصرية تمهد ليهودية الدولة بدون ردود فعل دولية.