تل الرميدة في الخليل.. جنة استوطنتها الشياطين
جويد التميمي
هي منطقة ساخنة على الدوام بفعل الاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي الذين ينكلون بالأهالي في كل يوم وليلة، تتوسط مدينة الخليل وتطل على مركزها الرئيس، إنها تل الرميدة، أقدم المواقع الأثرية في مدينة الخليل ويعود تاريخها إلى 3500 عام قبل الميلاد وسكانها الأوائل هم الاموريين.
تملئها البساتين المزروعة بالزيتون، وهي أفضل أنواع الزيتون الموجود في فلسطين ويعرف بـ 'زيتون رميدة' وتتضاعف أسعاره لجودته وكثرة الطلب عليه، ويبدوا أن صموده أيضاً في وجه الاحتلال والاستيطان يزيد من جودته ويرفع من ثمنه كما يقول الراحل محمود درويش: 'لو يذكرُ الزيتون غارسَهُ لصار الزيت دمعا!
يا حكمة الأجداد لو من لحمنا نعطيك درعا !'
وللصمود في تل الرميدة حكايات وروايات كما يقول الحاج عبد المجيد الخطيب رئيس 'جمعية إبراهيم الخليل الخيرية'، والتي تقع في وسط الحي الاستيطاني 'رمات يشاي' في تل الرميدة بالخليل: 'اقطن أنا وأسرتي المكونة من (20) فرداً في بيت لا تزيد مساحته عن 150 مترا مربعا، وأسعى جاهداً منذ 5 سنوات لإكمال بيتي الثاني في هذه المنطقة 'تل الرميدة' لكن الاحتلال ومستوطنيه، لا يسمحون لنا بإدخال مواد البناء.. الطريق مغلق نحو بيتنا ولا نستطيع إدخال أي مركبة إلى هنا قال الخطيب..
ويضيف حاولنا نقل مواد البناء عبر عربة يجرها حصان 'رغم انه أمر غير مجدي' إلا إننا منعنا أيضا من قبل الاحتلال، وبقي البيت على ما هو عليه حتى الآن دون سقف.
ويسهب الحاج عبد المجيد في حديثه، مع تنهيدات تنم عن مرارة، 'نحن نعيش في هذه البقعة من الخليل وهي أشبه ما تكون بالجنة ولكن هؤلاء الشياطين 'المستوطنين' حولوا حياتنا إلى جحيم، فأصبحنا بين الجنة والنار' .
ويقطن في تل الرميدة ما يقارب (210) عائلة فلسطينية أي بمعدل (1050) مواطنا فلسطينيا، كما يوجد فيها (
عائلات من المستوطنين ويبلغ عددهم ما يقارب (35) مستوطنا تعمل على حمايتهم كتيبة كاملة من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويبين الخطيب أن الاحتلال وضع في العام (2003) عشرات الكاميرات التي تعمل وفق التكنولوجيا الحديثة، لمراقبة كل من يدخل ويخرج من هذه المنطقة، وعلى مدار 24ساعة، ويتم استخدامها أيضا في مراقبة غالبية أحياء محافظة الخليل لما تتميز بة تل الرميدة من علو شاهق وإطلالها على مركز المدينة وأسواقها.
وناشد الخطيب الجهات المختصة في السلطة الوطنية، العمل من أجل إحياء تل الرميدة من جديد وإعادة أمجاد ماضيها العريق، وقال متذمرا 'العديد من المسؤولين في المحافظة وعدونا بتقديم الأفضل وإنهاء معاناتنا لكن دون جدوى.. بقي الحال على ما هو عليه والوعود وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام فقط'.
يلامس جدار منزلي جدران بيوت المستوطنين ولا احد يأبه بي إلا القليل من أصحاب الضمائر الحية، اقطن هنا وعائلتي المكونة من (11) فرداً، ومنذ مئات السنين توارثنا هذه الأرض عن أجدادنا، قالت المواطنة هناء جميل أبو هيكل (50) عاماً.
وأضافت لـ 'وفا'، 'قبل عدة سنوات أصدر ما يسمى 'الحاكم العسكري الإسرائيلي' قراراً يقضي بعدم السماح لنا بالدخول إلى منزلنا عبر البوابة الرئيسية، فأجبرنا على إيجاد طريق بديلة كي نتمكن من الوصول إلى منزلنا عبر أراضي المواطنين وبمحاذاة بيوتهم وأشجار الزيتون'.
وتابعت، وضع الاحتلال (6) كاميرات مراقبة نحو بيتنا لمراقبة كافة تحركاتنا من جميع الجهات، بحجة توفير الأمن للمستوطنين.. 'نحن في سجن مستمر ومحاطين بقاذوراتهم الااخلاقيه على مدار الساعة، وهم يتعمدون أن يصدروا أصواتهم وألفاظهم النابية لإزعاجنا وجلبوا معهم الكلاب المفترسة التي يطلقونها علينا بين الفينة والأخرى' قالت أبو هيكل.
وفي المقابل تطالب أبو هيكل، المؤسسات الحقوقية والسلطة الفلسطينية تركيب كاميرات مراقبة على منزلها لرصد تحركات المستوطنين واعتداءاتهم المستمرة على عائلتها.
وتضيف، عندما جاء الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى الخليل وكانت الزيارة الأخيرة له للمحافظة قبل استشهاده، التقيت به في مؤسسة رابطة الجامعيين وأعطيته مفاتيح منزلي، وقلت له هذه أمانه وأنا لا استطيع تحمل هذه المعاناة وعائلتي وحدنا، فأمسك بيدي حينها مقبلاً لها وقال لي 'لا يحرث الأرض إلا عجولها' اذهبي وعودي مرابطة وصامدة في بيتك ونحن جميعاً معك وداعمين لك، والسلطة الفلسطينية في خدمتك كيفما تشائين، وكان ذلك بحضور الأخ مروان البرغوثي والدكتور عبد الحفيظ الأشهب'.
وتبين أبو هيكل، أن المليونير اليهودي 'مسكوفيتش' جاء إلى بيتها وبحوزته (20) مليون دولار موضوعة في صندوق وعرضها عليها، مقابل إخلاء البيت، فقلت له 'سأجعل من هذا الصندوق كفناً لك ولمن اتبعك اذهب أنت ومالك لا حاجة لي به'.
وقالت 'إن أفضل الخدمات التي تقدم لهم تأتي عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر التي لا تتوانى ومديرها د. حجازي أبو ميزر عن تقديم أفضل الخدمات لأمها المريضة'.
وتؤكد هناء، أنها وشقيقتها لينا (40) عاما، عاهدا الله ووالدهما قبل وفاته أن يحافظا على بيتهما من المستوطنين والاحتلال، وأن يبقى البيت معموراً بأهله، وأن لا يخرجوا منه إلا محملين على الأكتاف.
رئيس بلدية الخليل خالد العسيلي أكد لـ 'وفا' أن البلدية لم تتوقف في يوم من الأيام من استحداث نشاطات وفعاليات في منطقة تل الرميدة، بهدف إحيائها ودعم صمود أهلها، لافتا إلى مشروع تسجيل المدينة على قائمة التراث العالمي، 'لما يمكن أن يحققه هذا الأمر إذا ما تم الحصول على موافقة اليونسكو بحيث تصبح حماية هذه المناطق مناط بمؤسسات دولية تفرض على سلطات الاحتلال عدم تغير معالمها أو المساس في حضارتها و تاريخها'.
وقال العسيلي 'هذا يعتبر أهم ما يمكن عملة في ظل الظروف التي يفرض بها الاحتلال أمرا واقعا على هذه المنطقة بالقوة' .
ويضيف، نحن بحاجة إلى دعم شعبي ومؤسساتي مع مشروع تسجيل الخليل على قائمة المدن التاريخية، مشيرا إلى أن بلدية الخليل حصلت على الدعم السياسي والحكومي والوطني، بالإضافة إلى دعم سياسي دولي، وشراكة فرنسية، من خلال بلديتي بلفورد واركوي، ودعم عربي من خلال جامعة الدول العربية وأمينها العام، بالإضافة إلى عدد من المؤتمرات الدولية، والعربية، التي طالبت بتسجيل الخليل على قائمة المدن التاريخية ودعمت بقوة مطالب البلدية.
وأكد العسيلي من جانب آخر، أنه لابد من توفير دعم مادي لأهالي هذه المناطق من خلال إيجاد مشاريع مدرة للدخل في هذه المناطق، وتوظيف سكانها، وتوجيه كافة الوفود الزائرة إلى زيارة المنطقة، وشرح أكبر لمعاناتهم وما يتعرضون له من انتهاكات.
وأوضح أن بلدية الخليل تعمل على تنفيذ المشاريع الأساسية، والحيوية، في هذه المناطق رغم التعقيدات التي تفرضها سلطات الاحتلال على حركة الموظفين، وطواقم البلدية، في هذه المناطق، لافتا أن عددا من المشاريع نفذت مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبعض المؤسسات الدولية من باب المشاركة الدولية في معاينة الواقع الذي تعيشه هذه المناطق.