تركيا وحجاب خير النساء: حروب الجنرالات الخاسرة

كان يمكن لجنرالات تركيا أن يقيموا احتفالا خاصا بهم في ذكرى إعلان الجمهورية السابعة والثمانين. لكن أن يقيموا مثل هذا الاحتفال ويمتنعوا في الوقت ذاته عن حضور الاحتفال الرسمي الذي يقيمه رئيس الجمهورية عبد الله غول في هذه المناسبة، بسبب مشاركة زوجته خير النساء المحجبة فيه، فهذا موقف إن دل على شيء فعلى عدم احترام رئيس الأركان التركي وقادة القوات المسلحة ليس فقط للجمهورية ولا لرئيسها بل أيضا للقائد الأعلى للقوات المسلحة الذي هو رئيس الجمهورية، وبالتالي هذا تمرد بكل معنى الكلمة على رأس الدولة ورأس القوات المسلحة.
لذلك كان رئيس الجمهورية طبيعيا في تصريحه أثناء حفل الاستقبال، بأن استقبال القصر يعكس حقيقة تركيا التي تمثلت فيه كل الأطياف. وحده العسكر بقي خارج الإجماع الوطني. ولذلك أيضا انتفض رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان بقوله، أثناء حفل الاستقبال، انه «كان على العسكر أن يأتوا إلى حفل الاستقبال» في انتقاد عنيف لسلوكهم.
وجاء انتقاد من بعيد من جانب وزير الخارجية احمد داود اوغلو الموجود في الصين، قائلا انه «كما توجد جمهورية واحدة فهناك احتفال واحد. ولا يمكن وجود احتفال رديف».
لم تمر مقاطعة العسكر لاستقبال غول لمناسبة عيد الجمهورية بخير، بل كانت موضع نقاشات وتفسيرات مختلفة. وقال حسن جلال غوزيل، الوزير السابق في عهد طورغوت اوزال، إن موقف العسكر «مثير للخجل»، كما انه جاء في مرحلة تعود تركيا فيه إلى وضع طبيعي، وهذا أمر معيب. وأشار إلى انه في وقت تحدثت فيه خير النساء مباشرة أمام البرلمان الأوروبي قبل أيام فإن العسكر التركي لا يمكن أن يذهب ابعد من ذلك.
لكن الانتقادات للعسكر لم تأت فقط من جانب حزب العدالة والتنمية، بل أيضا من جانب فئات علمانية غالبا ما كانت تؤيد العسكر وحزب الشعب الجمهوري الذي قاطع رئيسه كمال كيليتشدار اوغلو الحفل، ولم يذهب سوى نائبين عنه ومن أصول حزب اليسار الديموقراطي إلى الحفل، في وقت شاركت فيه كل الأحزاب الأخرى، وفي مقدمها حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهتشلي وحزب اليسار الديموقراطي.
وأبرز التعليقات التي توقف عندها الرأي العام التركي جاءت من محمد علي بيراند، الكاتب في «ميللييت» و«حرييـت» والمقـرّب من العسكر، والذي علق على مقاطعة العسكر لاستقبال القصر الجمهوري قائلا إن «العسكر يواصل خوض معاركه الخاسرة». وأضاف «إنهم يقولون لغول إننا لا نعترف بك. هذا تمرد على القائد الأعلى وهم لم يبق لديهم أي تأثير».
واعتبر بيراند أن موقف العسكر جاء كما لو أنهم يقولون «لنا تركيا الخاصة بنا، ولهم تركيا الخاصة بهم». ووصف سلوك العسكر بأنه خطأ تاريخي ثان بعد خطأ إنذارهم الالكتروني في 27 نيسان 2007. وقال إن هذا مؤشر خطير على أن مرحلة جديدة مختلفة قد بدأت، وأن رسالة العسكر أنهم سيعارضون أية محاولة من اردوغان للسماح بالحجاب في المستقبل. وختم إن «المقاطعة لا تدل على القوة بل ضعف متزايد».
ويقول رئيس مركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية لتركيا جان باكير إن العسكر لا يمكن أن يقف ضد إرادة الأمة التي عُبّر عنها في استفتاء 12 أيلول. وقال انه «إذا كان رئيس حزب الشعب الجمهوري قاطع الحفل فإن هذا خياره السياسي والشخصي وهذا جيد، لكن العسكر ليسوا كذلك، بل هم موظفون في الدولة، وما فعلوه هو موقف ضد مفهوم الدولة».
وقالت النائب السابقة نازلي ايليجاق إن ما فعله قادة الجيش خطأ، وهم تابعون للرئيس، وعليهم برمجة مناسباتهم تبعا لبرنامج رئيس الجمهورية. ويقول رئيس جمعية «اوزغور در» رضوان قايا إن موقف العسكر «يعكس استمرار ذهنية قرن بكامله، وبكلمة واحدة إن عدم مشاركتهم هو قلة احترام. هم يخسرون وسيواصلون خساراتهم».