عن قصة الحب الكندية ـ الإسرائيلية: إدارة هاربر تستنسخ جمهوريي أميركا

بالمقارنة مع الدولة المهيمنة الواقعة إلى جنوبها، اكتسبت كندا على مدى العقود القليلة الماضية سمعة طيبة في بقية العالم. غير أن كل ما تبقى اليوم من هذه السمعة المحبة والمحافظة على السلام، هو في أحسن الأحوال لمحة سريعة من الماضي. مع وجود ستيفن هاربر في منصب رئيس الوزراء، يقود حزب المحافظين في كندا حكومة أقلية تعادل لهجة الولايات المتحدة في الترويج للحرب واتخاذ مواقفها العدائية.
وجزء لا يتجزأ من هذا التحول الجذري في السياسة الخارجية هو دعم إدارة هاربر دولة إسرائيل في احتلالها الوحشي للأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم يسبق أن أظهرت أي إدارة كندية دعما لإسرائيل كما تفعل إدارة هاربر، سواء كان من الناحية الخطابية أو السياسات الفعلية. وقد منح المؤتمر اليهودي الكندي هاربر جائزة «هايز شاول» في أيار من العام 2009. وما يدعو للسخرية هو انه من المفترض منح هذه الجائزة لتكريم أولئك الذين أظهروا التزامهم لحقوق الإنسان. وهذه هي المرة الأولى التي تعطى الجائزة لرئيس مجلس وزراء في الحكم. وبعد مرور عام، زار رئيس الحكومة الاسرائيلي وزعيم حزب الليكود اليميني، بنيامين نتنياهو كندا لأول مرة منذ ثماني سنوات، حيث قال «إن العلاقات بين كندا وإسرائيل أقوى من أي وقت»، مضيفا «تظهرون اننا لسنا وحيدين».
ولكن تحت واجهة الصداقة البلاغية هذه، علاقة بالغة التدمير تقوض القيم الديموقراطية الكندية، وتساهم في التدهور الأخلاقي لاسرائيل. والحقيقة هي انه في أعقاب عملية الرصاص المسكوب في العامين 2008 ـ 2009، ومجزرة «أسطول الحرية» في العام 2010، باتت إسرائيل معتبرة كدولة منبوذة أكثر فأكثر. وتكتسب حركة المقاطعة الدولية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل زخما أكثر، وقد وصل تنظيم القاعدة الشعبية من أجل الحقوق الفلسطينية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. المجتمع الدولي بأسره، باستثناء الولايات المتحدة وكندا، والدول المعزولة القليلة، يعترف الآن علنا بأن احتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية لا يمكن تحمله بعد الآن.
ولسوء الحظ، فإنه في هذه المرحلة الحرجة وفيما يقع سلوك إسرائيل تجاه نظيرتها الفلسطينية تحت مراقبة دولية شديدة، اختارت كندا نفي الإجماع الدولي من خلال دعمها الأعمى للفصل العنصري الإسرائيلي. هذا الدعم الشامل لإسرائيل يساوي تواطؤا جنائيا بشأن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم للأراضي الفلسطينية. المدى الذي ذهبت إليه إدارة هاربر لدعم إسرائيل ملاحظ ليس فقط من نظرائها الدوليين، ولكن أيضا من مواطنيها. وفي الحقيقة، تجلى دعم هاربر لإسرائيل في عدد من التحركات التوتاليتارية في كندا.
ويستحق وزير الهجرة والمواطنة والتعددية الثقافية جايسون كيني، مكانا للتمييز في هذا المجال. فبصفته وزيرا، فرض كيني بعض القوانين المناهضة للهجرة الأكثر صرامة في تاريخ كندا.
وقد ارتفعت عمليات الترحيل في كندا بشكل لافت، فيما اتخذ كيني موقفا متشددا في موالاة اسرائيل. وفي حديثه عما يسميه «معاداة السامية الجديدة»، يعتقد كيني أن «تحالف اليساريين الغربيين والإسلاميين المتطرفين أكثر خطورة من النموذج الأوروبي القديم لكره اليهود». وبينما أدان العالم بأسره عمليا السلوك الإسرائيلي في الحرب على لبنان في العام 2006، وكذلك في عملية الرصاص المسكوب، رفضت كندا إلقاء اللوم على إسرائيل ووضعها في خانة المتهم».
وقد رافقت هذا الموقف الرافض على الساحة الدولية سلسلة من التحركات داخل كندا حيث سحبت الحكومة الكندية رخصة العديد من المنظمات الكندية غير الحكومية الداعمة لحقوق الفلسطينيين. ومن ابرز هذه المنظمات، منظمة الاتحاد العربي الكندي، و «كايروس» ، وهي منظمة دينية داعمة لتلاقي الأديان. وفي كلتا الحالتين، فإن إدارة هاربر أوقفت فجأة التمويل الفدرالي لها على أساس اتهامات مختلقة.
وقال كيني في «المؤتمر الدولي لمواجهة معاداة السامية في القدس (المحتلة)»: «طبقنا مقاربة عدم تسامح مع معاداة السامية. ويعني ذلك أننا قطعنا التمويل الحكومي لمنظمات كالاتحاد الكندي العربي... لقد قطعنا الاتصال مع المنظمات التي تمتلك مثل هذا التفكير منها المؤتمر الإسلامي الكندي، الذي أعلن رئيسه أن جميع الإسرائيليين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما يشكلون أهدافا مشروعة للاغتيال. كما سحبنا رخص المنظمات، وآخرها كايروس ، التي تقوم بدور قيادي في المقاطعة. ونحن نتلقى الكثير من الانتقادات بسبب هذه القرارات. و لا أذكر عدد المرات التي تم رفع دعوى ضدي بسبب القرارات التي اتخذناها، ولكننا نعتقد أننا اتخذنا هذه القرارات للأسباب الصحيحة، ونحن ندعمها».
واللائحة طويلة للخطوات التي اتخذتها الحكومة الكندية نحو التقارب مع اسرائيل، كي تتحول العلاقة إلى تقليد مثير للشفقة لعلاقة اسرائيل مع الولايات المتحدة. وفي محاولة لإعادة صياغة كندا على صورة الحزب الجمهوري في أميركا، ألغت إدارة هاربر عددا من المؤسسات الديموقراطية، وأضرّت بسمعة كندا في الخارج. هذه السياسات تواصل تهديد الشعب الفلسطيني، نحو مزيد من تدمير الالتزام الكندي بحقوق الإنسان حول العالم، مع تجاهل فرصة سلام عادل في الشرق الأوسط.