صورة الفلسطيني لدى اللبناني: عسكري.. أم «زجّ في الحرب»؟

أرادت جمعية «مسار للثقافة والإعلام» من ورشة العمل البحثية التي نظمتها أمس في مركز توفيق طبّارة، مناقشة صورة الفلسطينيين في لبنان من أجل صناعة رأي عام لبناني جديد، والتي حدّدتها «مسار» كـ«مسؤولية لبنانية وفلسطينية مشتركة»، بحسب عنوان الورشة.
غاص المتحدثون في صورة الفلسطينيين لدى اللبنانيين ونمطيتها، محاولين استنباط خطط لصناعة رأي عام لبناني جديد، لكنهم لم يفلحوا. ربما لأن أي خطة تصطدم في نهاية المطاف بالجدار السياسي، فتضيع المسؤولية اللبنانية والفلسطينية، مشتركة كانت أم منفصلة.
وقد قدّم كل من الصحافي الزميل طانيوس دعيبس ومدير الجمعية فتحي كليب ورقتين حول الموضوع، ليعقّب عليهما كل من مدير «مركز شرق المتوسط للدراسات» ماجد عزّام والصحافي سليمان الرياشي. ودارت الأوراق اللبنانية في فلك واحد، حاول من خلاله دعيبس والرياشي إسقاط حالة البؤس التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان على اللبنانيين أنفسهم، مع إقرارهما بضرورة نيل اللاجئين الفلسطينيين كامل حقوقهم المدنية. في المقابل، سعى المتحدثون الفلسطينيون إلى برهنة أن صورة «الفلسطيني المرقّط» لم تعد موجودة إلا في أذهان اللبنانيين، وأنها وجدت، في الأصل، بتزكية من أهل البلد أنفسهم.
في الجلسة الأولى التي أدارها الباحث أحمد يوسف، أشار دعيبس إلى أن «صورة الفلسطيني في وعي اللبنانيين، هي صورة مركّبة ومتداخلة في كل المراحل التي مرّت بها العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية»، وأن مكوّن الصورة الوحيد الغائب هي ملامحه كلاجئ مقيم مؤقتا، يود العودة إلى وطنه ولو بعد حين. وقد رسخ هذا المكوّن لعشرات السنين في وعي اللبنانيين، «أكانوا معه أم ضدّه، عسكرياً».
مع ذلك، سطّر دعيبس تغييراً إيجابياً لدى فئات واسعة من اللبنانيين على مستوى نظرتهم إلى الوجود الفلسطيني في لبنان، على اعتبار أنه «إذا كان صحيحاً أن الحقوق المدنية للفلسطينيين لا تزال تواجه صعوبات في إيجاد طريقها إلى التحقق، فإن الاعتراف اللبناني الواسع بأحقيتها، والذي لم يكن حاصلاً حتى زمن قريب، هو أيضاً من مظاهر التغيير». وهي مظاهر يجد المتحدث أن الانقسام الفلسطيني لا يساعد على تطويرها.
وبالنسبة إلى دعيبس، فإن التوطين يكاد يشبه «راجح في مسرحية الرحابنة، له أساس عادي، ولكن استخداماته شريرة». وقد وجد المبادرات العديدة الساعية إلى إخراج العلاقة الثنائية من إطاراتها السلبية (كالمقاربة الفلسطينية للموقف الفلسطيني خلال الحرب اللبنانية، واللقاءات التي جمعت قيادات فلسطينية بقوى سياسية لبنانية معادية لهم، وإنشاء لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني كما القرار الفلسطيني بعدم التورط في الداخل اللبناني) دون مستوى التراكمات الضخمة، وبعضها شديد القساوة على الطرفين.
في تعقيبه على ورقة دعيبس، رأى عزام أن هناك قراراً لبنانياً يقضي بعدم تبديل الرؤية المحلية للاجئ الفلسطيني ولحقوقه، والبرهان يكمن في الحقبة الممتدة ما بين سنة 1948 وسنة 1970 والتي لم ينل خلالها الفلسطيني أي من الحقوق، على الرغم من أنه لم يكن قد «زّج بالحرب الداخلية بعد». لا بل وأكثر، جرّد من حق التملك في المرحلة الممتدة ما بين سنة 1990 وسنة 2005 والتي أطلق عليها اسم مرحلة «السلم الأهلي».
وقد أخذ على اللبنانيين تهويلهم بالقول إن الفلسطيني يهدد لقمة عيشهم من دون التحقق من المعلومة بالأرقام، مشيراً إلى أن عدد العاملين من بينهم لا يتجاوز الخمسين ألفاً، «وهو رقم أدنى من أرقام العمالة الأجنبية الأخرى في لبنان». وعلّق على مسألة التوطين التي تلوّح بها الأطراف اللبنانية، لافتاً إلى أنه لم يحدث، ولو لمرة واحدة، أن نوقشت بجدّية.
مثله، سأل كليب إن كان يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تنجح في دخول لعبة الحرب لولا التشجيع والدعم اللذان لاقتهما من قوى لبنانية لها مصلحة فعلية في تأجيج الصراعات الداخلية؟ ليضيف أنه «من الناحية النظرية، يمكن القول إن جميع القوى اللبنانية تقرّ بعدالة المطالب الفلسطينية بشأن الحقوق الإنسانية، لكن هذا الإقرار يتحوّل إلى النقيض عند الدخول في تفاصيل هذه الحقوق، بحيث تثار الأسئلة والهواجس حول إمكانية تسلّل التوطين من باب هذه الحقوق».
إلى ذلك، أشار إلى أنه «حكم على الفلسطينيين في لبنان أن يعانوا من مشكلة الخصوصية الطائفية التي حكمت علاقتهم بالدولة المضيفة طوال فترة إقامتهم فيها».
وإذ طالب كليب الطرفين اللبناني والفلسطيني بالانفتاح على الآخر ومدّ جسور التحاور بين القيادات الفلسطينية والأحزاب اللبنانية، سجّل تقصيراً من قبل المؤسسات الإعلامية في عكس الصورة الحقيقية لأوضاع اللاجئين في لبنان.
وفي التعقيب على ورقته، اعتبر الرياشي أن الهموم الرئيسية المشتركة لدى الفلسطينيين واللبنانيين يمكن أن تصطف ضمن عنوانين: حق العودة ورفض التوطين، والحقوق المدنية للفلسطينيين. فوجد أن «الجانب المتعلّق بالحقوق المدنية قد عانى، أكثر من الجوانب الأخرى، من سوء الفهم، أو اصطناع سوء الفهم، أو التسييس المفتعل... فعانى الفلسطينيون صنوفاً من الحرمان وضروباً من التمييز المخجلة». وأعرب انه «أغرب ما كان يقال في تبرير هذا السلوك المستهجن هو الخوف على الفلسطينيين من أن يستسلموا لنعمة الاستقرار ويستسهلوا التوطين، إذا ما تحسنت ظروفهم الحياتية».
ووافق كليب الرأي القائل بأن قسماً من اللبنانيين داخل السلطة وخارجها «مال إلى التعامل مع الفلسطينيين كطائفة، ولكن ذلك ما كان الا تصفية لحسابات ماضية».
وقد توجّه إلى الفلسطينيين بالإفصاح عن أن «بنية الدولة في لبنان كانت ولا تزال لا تتميز بعدالتها تجاه الفقراء، أكانوا من أهل البلاد أم من المقيمين والوافدين إليها. وهي في مواجهة الفلسطينيين، تقع على بنية ذات وضع خاص، مرهفة الحساسية تجاه الظلم. بنية ذات قابلية عالية للتنظيم وذات قدرة على إرسال الرسائل المقلقة. ولا يغيّر من الأمر شيئاً القول بأن هذا الواقع هو بمعظمه من صنع أو إهمال دولتنا».
افتتح الورشة وزير الإعلام طارق متري فنصح المشاركين بعدم البحث في تغيير صورة الفلسطيني لدى اللبنانيين في الإعلام «لأنه سريع ويبحث عن الإثارة و المبالغة»، وإنما العمل على تحسينها عبر الوسائل الثقافية والتربوية.
واعتبر أن أفضل الخطط تبدأ من تنقية الذاكرة والتعريف بالواقع الفلسطيني، بالإضافة إلى فكّ مثلث السلاح، التوطين والعبء الفلسطيني على لبنان، «لا سيما أن البعض يسعى للمقايضة، فيما يهوّل البعض من فكرة حرمان اللبناني مقابل حقوق الفلسطيني، وكأنه ليس جزءاً من الحركة الاقتصادية، أي مساهماً في الإنتاج والاستهلاك في الوقت نفسه».

» <اللقاء السياسي اللبناني - الفلسطيني> ينعقد في مخيم عين الحلوة
» رئيس لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني زار نهر البارد والبداوي
» وفد من لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني زار مخيم عين الحلوة
» الائتلاف الفلسطيني اللبناني يحتفل بعيد العمّال
» من المكبوت الفلسطيني ـ اللبناني كيف جرى توزيع المخيمات الفلسطينية؟