الشباب الفلسطيني في لبنان كفاءاتٌ عاطلة عن العمل بقلم:ميرنا سخنيني

تتداخل آلام الشباب الفلسطيني في مخيمات لبنان بأوجاعهم.. يختلفون في طريقة عيشهم وحبهم عن الذين هم خارج المخيمات، التي يحمل أطفالها وشبابها على أكتافهم الحرمان والعزلة والخوف من المستقبل.. تنظر في أعينهم فتجد أن نار الثورة تلمع في داخلها.. الفقر والحرمان هما سيدا الموقف هناك.. ولو قمت بجولة في إحدى أزقتها لعرفت معنى الإصرار على العودة إلى الأرض والديار، وتحدي المحتل، ولا شيء يجمع بينهم سوى حب فلسطين وحلم العودة، والقوانين اللبنانية الجائرة، والتمسك بكل أشكال الكرامة والكبرياء..

يعيش الفلسطينيون في لبنان متغيرات استثنائية تحيط بمختلف نواحي حياتهم، ففي بداية التسعينيات من القرن الماضي، ومع التحولات الدولية واستفراد الولايات المتحدة بالعالم، اعتقد البعض أن لا أمل إلا عبر أمريكا، فكانت أوسلو هي اللعنة التي حلّت على فلسطينيي لبنان، بعدما بدأت مؤسسات (م. ت. ف) تتلاشى، والأونروا تقلل من خدماتها، وزادت الدولة اللبنانية من مضايقاتها وقراراتها المجحفة بحق الفلسطينيين، مما دفع الكثير منهم إلى مستنقع البطالة، والتي طالت الجميع في تلك المخيمات.

بعد اتفاق الطائف وضعت الحكومة اللبنانية مشاريع لامتصاص الطاقة العاملة من الشباب اللبناني، واستوعبت غالبية عناصر الميليشيات في الأجهزة الأمنية، والجيش والشرطة (الدرك)، ولم تقدّم أية حلول لاستيعاب الطاقات المماثلة لدى الفلسطينيين، رافضة استيعاب المقاتلين الفلسطينيين، الذين لم تتوفر لهم مرجعية أخرى بديلة قادرة على حل مشكلتهم. يضاف إلى هذا أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تضع خططاً لإعادة تأهيلهم وتهيئتهم لاستئناف حياتهم العادية بصيغ جديدة تتلاءم مع أوضاع لبنان، بسبب النقص في واردات (م. ت. ف)، وشُح الموازنات التي خصصتها لدعم فلسطينيي لبنان، مما خلف آثاراً اجتماعية سلبية.

واليوم، وبعد أن قرر مجلس النواب اللبناني سنّ قوانين لتنظيم شؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لا بد من طرح السؤال البديهي: هل الدولة اللبنانية هي فعلاً بصدد تنظيم العلاقة اللبنانية - الفلسطينية بعيداً عن الأمور الأمنية؟ وهل ستمنح الشعب الفلسطيني الحقوق المدنية والاجتماعية، التي تساعدهم على التمسك بحق العودة؟ وهل القوى الفلسطينية قادرة على تنظيم أدواتها؟ وهنا ربما يكمن الامتحان الصعب للنوايا، حيث إنه ليس مفهوماً أن تكون الدولة اللبنانية مناصرة للقضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه غير معنية بمعانات الشعب الفلسطيني وعذاباته اليومية، خصوصاً أنهم لا يتمتعون بالحقوق المدنية والاجتماعية كالمواطنين اللبنانيين، وهم محرومون من العمل في المؤسسات الحكومية، التي يُشترط أن يكون الموظف في إداراتها الرسمية مواطناً لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات، فيبقى على الفلسطيني وفقاً لمؤهلاته أن يرتب أموره بالعمل في مؤسسات خاصة، لكن حتى في هذا المجال يُشترط حصوله على إذن خاص من وزارة العمل، مما حمل أصحاب المؤسسات على رفض تشغيل الفلسطينيين، وأبقوا على استخدام أصحاب الكفاءات بأجور زهيدة مقارنة بإخوانهم اللبنانيين، ومن دون أي ضمانات اجتماعية، تزامناً مع ازدياد عدد الفلسطينيين في لبنان، من دون أن يقابله توسع في فرص العمل، مما يلقي بأعداد متزايدة من الطاقة الفلسطينية في سوق البطالة. وإذا تتبعنا الواقع الحالي لعمل الفلسطينيين في لبنان، وجدنا أن اللاجئين الفلسطينيين يُعتبرون قانونياً من الأجانب في لبنان، ويطبَّق عليهم قانون عمل الأجانب، ورغم مرور خمسين عاماً ونيف على لجوئهم إلى لبنان، لا يوجد استثناء لهم كجماعة ذات وضع خاص، بل يخضعون لضرورة الحصول على إجازة عمل. وقد ورد في (باب العقوبات) المتعلق بقانون العمل اللبناني بتاريخ 4/5/1968، بحسب المرسوم رقم 9816، أنه (يعاقَب الذي يستخدم أجنبياً بعقد عمل أو إجازة صناعية من دون موافقة مسبقة أو إجازة عمل صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بغرامة عن كل يوم استخدمه فيه)، ما أدى إلى عدم لجوء المؤسسات والشركات اللبنانية للعمال والموظفين الفلسطينيين،

ونتيجة للاتصالات التي قامت بها (م. ت. ف) وقتذاك بالسلطات اللبنانية، أخذت وعداً شفهياً بعدم تنظيم محاضر ضبط بحق العامل الفلسطيني، بل إنذارهم، وشكّل هذا الوعد أقصى ما يمكن التوصل إليه.

لابد هنا من ذكر نقطة مهمة، وهي أن الشباب الفلسطيني لعب دوراً رئيسياً في قيادة النضال الوطني الفلسطيني، فمن الجامعات ومجالس الطلبة انطلقت شرارة المقاومة الفلسطينية المعاصرة، والتي حولت اللاجئ الفلسطيني إلى رمز للنضال والتحرر في العالم.

وللاطلاع على إحصاءات الكفاءات الفلسطينية في لبنان، التقينا بمدير مركز التنمية الإنسانية؛ الأستاذ سهيل الناطور، الذي قال:

لا توجد في لبنان إحصائيات رسمية للاجئين، لأن الدولة لا تريد أن تصدر إحصاءات رسمية لأسباب طائفية ومذهبية. الرقم المسجَّل لدى الأونروا الآن هو 440.000 لاجئ، ولدى الدولة اللبنانية 438.000، أما الموجودون فعلياً فلا يتجاوزن الـ250.000 وهذا سببه أن معظمهم غادر لبنان بسبب الظروف السيئة التي يعيشها اللاجئ هنا، والآن يوجد عدد قليل على الأراضي اللبنانية ممن تخرجوا ويحملون الكفاءات، لكنهم لا يجدون مجالاً للعمل، وعليه، إذا أخذنا أرقام الذين انتسبوا إلى النقابات والاتحادات الفلسطينية الخاصة، يتبين أن عددهم وصل إلى 600 طبيب، أما الرقم الفعلي لهؤلاء فيقدر بحوالي 250 طبيباًَ، وهناك حوالي 400 مهندس فلسطيني، لكن الذين بقوا في لبنان هم حوالي 250 مهندساً بين زائر ومقيم. أما بالنسبة إلى المحامين، فمن النادر أن نجد فلسطينيين يتجهون لدراسة هذه المهنة، وهناك حوالي 250 متخرج حقوق، لكن فعلياً لا يوجد سوى 75 محامياً، بسبب رفض نقابة المحامين لهم. أما بالنسبة إلى الصحافيين، فلا يوجد إحصاءات لعدد الفلسطينيين الذي يعملون في هذا المجال، لأنه، وبحسب القانون اللبناني، لو عمل الفلسطيني كصحافي غير مدرج على لوائح الصحافيين في لبنان، لا يحق له الانتساب إلى نقابة الصحافيين والمحررين اللبنانيين، وفي السابق كان عددهم يتجاوز الـ700 صحافي، أما الآن فلا يتجاوزون الـ150. بالنسبة إلى المدرّسين فهم قسمان، قسم في مؤسسات الأونروا وهم لا يتجاوزون الـ1200 مدرس، وآخرون يعملون في مدارس خاصة، وهم لا يتمتعون بأي حق قانوني، ومعرضون لاستغلال طاقاتهم من أصحاب العمل.

وعند سؤالنا: ماذا قدمت السلطة الفلسطينية لهؤلاء اللاجئين من أصحاب الكفاءات، قال الناطور: سلطة رام الله هي نتاج أوسلو، وهي تعنى بفلسطينيي الداخل، أما اللاجئون في الخارج فلا تقدم لهم أي خدمات، ونستطيع القول إن السلطة الفلسطينية أدارت ظهرها لهؤلاء اللاجئين.. ولو عدنا وبحثنا في القوانين اللبنانية الصادرة بحق الفلسطينيين في وزارة العمل اللبنانية، لوجدنا أنها اتخذت منحى سلبياً منذ العام 1982:

•أ‌- خلال وزارة الدكتور عدنان مروة أصدر في 18121982 القرار رقم 1891، حصر فيه عدداً من المهن باللبنانيين دون غيرهم (كمدير، أو نائب المدير، أو رئيس الموظفين، أو أمين الصندوق المحاسب، أو السكرتير الوثيق، أو أمين المحفوظات، أو الكمبيوتر، أو الحاجب، أو الناطور، أو الحارس، أو أمين المستودع، أو البائع، أو الصيرفي، أو الصياغة، أو المختبر، أو الحلاقة، أو تجارة الذهب والمجوهرات، أو تجارة السيارات ومشتقاتها، أو تجارة الأبنية).

•ب‌- تلتها وزارة الوزير عبد الله الأمين، الذي أصدر في 1111993 قراراً كرر فيه المواد ذاتها التي وردت في وزارة الدكتور مروة، وأضاف إليها التدريس في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية.

•ت‌- الوزير أسعد حردان أصدر في 18121995 القرار 1621، كرر فيما يخص الأجراء وأصحاب العمل، البنود ذاتها التي وضعها الوزير الأمين، واختلف الوزير حردان عن سابقيه بأنه تساهل في بعض المهن، وإمكان إعطاء إذن فيها.

كما كان لـي لقاء مع إحدى الكفاءات الفلسطينية، وهو طبيب في الأشعة والتصوير الصوتي؛ الدكتور وسيم محمد محمود، الذي تحدث عن معاناة الفلسطينيين المحرومين من حق العمل فقال: الشعب الفلسطيني بطبيعته يحب العمل والعلم، لكن الكفاءة لا تثبت إنساناً، فنحن بحاجة إلى العمل لنثبت كفاءتنا. الذي حصل ويحصل معنا في لبنان كلاجئين لم يكن في التاريخ مثيلاً له، فالفلسطيني وُلد وتعلم وتخرج في لبنان، وعندما أراد أن يعمل وجد نفسه محروماً من العمل، وبسبب هذه القوانين الجائرة بدأ الانحراف والفساد يكثر داخل المجتمع الفلسطيني في لبنان. نحن لم نأت هنا بإرادتنا، إنما قضيتنا هي التي فرضت علينا أن نكون لاجئين. أنا تعلمت لغاية المرحلة الثانوية في لبنان، وذهبت إلى روسيا لأتابع تعليمي الجامعي، وتخصصت هناك في التصوير الشعاعي، وعند عودتي ذهبت وقدمت طلب إجازة عمل، ومنذ العام 1993 ولغاية اليوم مازالت أنتظر إجازة العمل. لا يوجد أي مبرر لحرمان الكفاءة الفلسطينية من العمل، فالفلسطيني ليس عائقاً أمام اقتصاد لبنان، بل على العكس؛ وجوده يزيد من الدخل السنوي للبنان.

أستطيع القول إنه لا مشكلة لدينا مع الشعب اللبناني كشعب، فنحن نعتبر لبنان رئة لنا كفلسطينيين، والشعب اللبناني لديه الوعي بأن أزماته مرتبطة بحل قضيتنا، لكننا بحاجة للعمل. ليس مقبولاً من الدولة أن تحاصرنا بطريقة كهذه، فلماذا لا نعامَل مثل اللاجئين في سوريا؟ فعلى سبيل المثال، قاضي قضاة حلب هو لاجئ فلسطيني.

أما بالنسبة إلى الخدمات التي قدمتها لنا السلطة الفلسطينية، فنحن نعتبر أن السلطة الفلسطينية غير منتجة، وتعيش على المساعدات، لذلك لا تتلقى الكفاءات الفلسطينية مساعدات كافية من السلطة.

نقول للدولة اللبنانية: نريد القانون لكن القانون لا يريدنا، فإذا كانت الدولة اللبنانية فعلاً مع حق العودة، يجب أن تمنحنا حقوقنا المدنية، وأهمها حقنا في العمل من دون أي تحفظات، كونه حق إنساني.

ختاماً نسأل: إلى متى يبقى سوق العمل اللبناني مغلقاً أمام الفلسطينيين، تزامناً مع انعدام خدمات (م. ت. ف) بحق الكفاءات الفلسطينية، بالإضافة إلى قلة معونات الأونروا وخدماتها، وانخفاض مساعدات المنظمات غير الحكومية والدولية بحق اللاجئين..؟

الكاتب: ميرنا سخنيني

» لمخيمات الفلسطينية في لبنان.. بين الاعتدال والتطرف بقلم:ميرنا سخنيني
» الهذيان يضرب أعقل عقلاء لبنان بقلم:ميرنا سخنيني
» اللاجئون الفلسطينيون فاقدي الهوية منذ النكبة بقلم:ميرنا سخنيني
» مخيم عين الحلوة.. صورة عن ظلم النظام العربي للفلسطينيين بقلم:ميرنا سخنيني
» كيف يعيش سكان مخيم عين الحلوة؟ مطلوب بسبب هاتف على فاتورة بقلم:ميرنا سخنيني