جبهة التحرير الفلسطينية بشائر أمل اما هروب من الواقع

بقلم: عبدالله الصفدي

هذه هي جبهة التحرير الفلسطينية، كما هي، تحمل امانة شهدائها كما عودتنا دائما وتمضي بمواقفها التي تشكل نبراسا في مسيرتها الكفاحية، بغض النظر عن الانتقادات التي توجه لقيادتها في بعض الاحيان، فهي ما زالت متمسكة بالمقاومة والنضال والصمود رغم كل ما تتعرض له ولا ينقصها سوى وحدة قيادتها.

نعم جبهة التحرير الفلسطينية استطاعت عبر امينها العام الدكتور واصل ابو يوسف ان تحافظ على مبادئ شهدائها وعلى انجازات الشعب والمشروع الوطني الفلسطيني، وتتمسك بالثوابت الفلسطينية وبالحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية.

لقد توقفت امام مقال للصديق عباس الجمعة تحت عنوان لا بد من توجيه التحية للقائد طلعت يعقوب، فهذا الوفاء من صاحب المقال ومن قيادة جبهة التحرير الفلسطينية، منذ ولدت تؤكد ان الجبهة وفية لقادتها الكبار، وهي الآن رغم ما تتعرض له تقف على أرضية فكرية وسياسية صلبة بغض النظر عن بعض المواقف التي تصدر وتتلقى مع وحهة نظر السلطة الفلسطينية التي من الممكن ان تؤثر في بعض الأحيان على دورها الوطني، ولكن لم تهرب من مسؤوليتها، ولا تنكر وجعها وعثراتها، حيث تمكنت من النهوض، برغم الجرح، التي اصاب مسيرتها بفقدان ثلاثة قادة كبار طلعت وابو العباس وابو احمد حلب، فهي تمضي في طريق الكفاح والنضال.

جبهة التحرير الفلسطينية تنهض بوعيها لدورها ووظيفتها وضرورتها الوطنية والتاريخية. ومن وعيها لدورها الاجتماعي والانساني التقدمي في خدمة الطبقات الشعبية المقهورة في مخيمات البؤس وتحت الاحتلال. ومن تمسكها بعمقها العربي القومي، وانتماؤها الطبيعي إلى حركة التغيير الثوري الديمقراطي في العالم.

صحيح ان جبهة التحرير الفلسطينية شكلت حالة استقطاب دائمة للقوى التي ترفض التسويات مع إسرائيل، بل إن موضوع التسوية بالذات كان ولا يزال يشكل الموضوعة الأهم في مواقف الجبهة وسياساتها إلى اليوم فرغم موافقتها على البرنامج المرحلي وجوهره إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، ومن هنا نرى مواقف عدم المشاركة في الحكومات الفلسطينية المتعاقبة التي شكلتها وصولا إلى حكومة الوحدة الوطنية والتي شاركت فيها بعض الفصائل الأخرى، حيث ظلت قناعاتها بالتوافق مع الحكومة أو معارضتها محكومة بسقف عدم المشاركة تجنبا لأية مسؤولية.

ومن هنا لا بد لجبهة التحرير أن تطور بشائر أمل وليس الهروب من الواقع، وان تلعب دورا في إعادة تفعيل واصلاح مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من المهام الفلسطينية العاجلة في سياق المصالحة الوطنية المنشودة. فإنجاز المصالحة الوطنية يؤدي إلى تحصين وتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية وجعلها قادرة على الصمود في وجه الاحتلال ومخططاته الاستعمارية والتوسعية والعنصرية، ومضاعفة قدرة الشعب الفلسطيني على إنجاز أهدافه الوطنية من خلال استنفار قوى الدعم العربي و الدولي المناصرة للقضية الفلسطينية، والاستثمار الأقصى لحالة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني التي تتطلب الاستناد إلى عدالة القضية الفلسطينية وتفوقها الأخلاقي، وتوظيف جميع القرارات والتقارير الدولية المناصرة للقضية الفلسطينية خصوصا الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي وتقرير غولدستون وتداعيات مجزرة أسطول الحرية، بوصفها توفر فرصة ثمينة جدا يجب استغلالها لملاحقة إسرائيل على احتلالها وجرائمها ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

وما ينطبق على البيت الفلسطيني ينطبق أيضا على الخطاب السياسي الرسمي، حيث يجري تحويره وتكييفه كي يكون أكثر ملاءمة مع التطورات الحاصلة. هكذا باتت القيادة الفلسطينية تتحدث عن فوضى المقاومة، واعتماد المفاوضات كطريق لجلب الحقوق الوطنية.

وفي الواقع فقد أخفقت جبهة التحرير الفلسطينية في استثمار بطولات وتضحيات مناضليها التي بذلوها في المقاومة المسلحة، بسبب ضعف تنظيمهم وعدم وجود إستراتيجية سياسية ونضالية واضحة ومتفق عليها بينهم.

والقصد من هذا الكلام التوضيح أن المراجعة النقدية للخيارات الفلسطينية يجب أن تكون عند جبهتكم مراجعة شاملة وموضوعية وعميقة ومسؤولة، وأن هذه المراجعة يجب أن تشمل خيار المفاوضات، وخيار الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، لاستنتاج الدروس والعبر المناسبة، ولصوغ معادلات أو بدائل سياسية وطنية مناسبة.

كما أن هذه المراجعة يجب أن تشمل وجود السلطة بشكلها الراهن، بعد أن باتت مجرد سلطة تغطي على الاحتلال، وتخضع لسيطرته، وتطمس طابع السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتشيع الأوهام في العالم بشأن وجود استقلالية وكيانية فلسطينية.

على ضوء ذلك يبدو أن الغرض ان اعادة توحيد جبهة التحرير الفلسطينية يشكل اساسا مهما في هذه المرحلة استعدادا للاستحقاقات السياسية في المرحلة المقبلة.

وفي هذه المرحلة يبدو أن الحل المتاح والقادم لا يستوعب قضية الشعب الفلسطيني كلها، وأساسا حل قضية اللاجئين، كما لا يستوعب إقامة دولة فلسطينية ناجزة، أي ذات سيادة ومتواصلة وقابلة للحياة في الضفة وقطاع غزة، ما يتطلب ترتيب مختلف أطر الساحة الفلسطينية على هذا الأساس من الناحية البنيوية ومن ناحية التوجهات السياسية.

فهناك من يتعامل بالاداء السياسي من خلال اقناع الجمهور الفلسطيني بالبحث عن الممكن وهو ذاته الخط السياسي الذي جاء من ثقافة تأكيد الحق التاريخي، وهناك من يطالب المثقف في ان تصبح فرصة الباحثين عن حلول خارج المنطق التاريخي الذي هو مصلحة الشعب الفلسطيني أي ان يحول اتجاه الوعي الثقافي كمدلول وطني الى اتجهات إنسانية اسست عليها الجهات التي تريد للدولة البديل البقاء باي ثمن ظلما طبيعيا للاخر وهنا نرى محاصرة الفلسطيني من كل حدب صوب، الذي يحتاجه الفلسطيني لانه لايقيم على أرضة ليعيش ثقافات مختلفة تبعده عن تكوينه الأساس.. والذي يحتاجه التاريخ الفلسطيني والحق الفلسطيني ان يعزز الهوية الفردية والشخصية التي يخشى عليها.

وهنا لابد من أن نشير الى الدور الاضافي الاكبر لكل قائد واعي في المجتمع الفلسطيني أن يحافظ ويمتن من اساسات تاريخه وان يحصن الذاكرة ولايتساوق من تبديل التراث والمعنى الاصيل لفلسطين بكل تفاصيلها التاريخية وهو أيضا دور يجب ان لايتجاهل السياسي هذه الحقيقة ويزيد أكثر في الاغراق بالمرحلي على حساب التاريخ الذي يشكل في الحلم إستراتيجية البقاء.. الى آخر الزمن.

وفي هذا السياق ورغم الدور الذي تقوم به جبهتكم وما زالت في ترتيب البيت الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وحضوركم الفعال وإعطائها طابعها النقي، بغض النظر عن الاشتقاقات السياسية التي حصلت في مراحل مختلفة داخل حبهة التحرير، وما اعترتها من قصورات هنا وهناك، أو سوء تقدير، ومع هذا فان الانشقاقات التي تتالت في صفوف الجبهة بكل تأكيد أضعفت من حضورها نسبياً.

انا اعرف ايها الرفاق الاعزاء الظروف التي تمرون بها ولكنني ادرك ان الشعب الفلسطيني بمعظمه بات يلمس حجم الخسائر وحجم التنازلات التي تقدمها القيادة الفلسطينية دون حسيب او رقيب، وعليه يتعين تحديد موقف سياسي بالتوافق مع فصائل منظمة التحرير يخدم المشروع الوطني الفلسطيني، لان هدف التسوية الراهنة اذا حصلت تدمير الاهداف المشروعة للشعب الفلسطيني والقضاء على القضية الفلسطينية.

ومن هنا اقول أنه آن الأوان لجبهة التحرير الفلسطينية ان توحد جهودها، وتنسق مواقفها مع قوى اليسار بغض النظر عن نقاط الاتفاق والاختلاف، ونحن اليوم نعيش في الواقع الذي يقول يجب ألا نزيل تفرد ونأتي بآخر، وخاصة في ظل خطورة المرحلة الراهنة التي نمر بها، لأنها جبهة التحرير وجدت لكي تنتصر وهي لن تهدأ قبل ان ترى شعبها يشد الرحال في طريق العودة والتحرير والنصر.

* كاتب وصحفي عربي يقيم في الدنمارك. - [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

» جبهة التحرير الفلسطينية تكرم المرأة والاعلامية الفلسطينية بمناسبة يومها الوطني
» جبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة العربية الفلسطينية تؤكدان على برنامج الإجماع الوطني..
» وفد من جبهة التحرير الفلسطينية زار حزب الله
» جبهة التحرير الفلسطينية تدعو الى حماية الصحافيين
» جبهة التحرير الفلسطينية تزور عوائل الشهداء