أبو عرة فقد البصر ولم يفقد البصيرة

هكذا لذوي الاحتياجات الخاصة مهارات تناديكم فهل من مجيب
شكرا لمن اقدم على ممارسة اللعب مع ابوعرة وامثاله وطبت مكان يا طوباسي

أبو عرة فقد البصر ولم يفقد البصيرة
يحرك عباس أبو عرة الفيل إلى الأمام والحصان إلى اليسار ويبقى الجندي واقفا في مكانه ليحاصر الملك، في لعبة الشطرنج الشهيرة التي تتطلب الذكاء والدقة، ليتمكن أخيرا من التغلب على خصمه رغم فقدانه البصر.
رغم الإعاقة البصرية التي لازمت الستيني عباس أبو عرة من قرية عقابا شمال محافظة طوباس منذ ولادته قبل أكثر من ستين عاما، إلا أنها لم تفقده البصيرة، ولم تثنه عن تحقيق كثير الإنجازات والطموحات التي حلم فيها، ولم تقف أمام إرادته القوية، بل تغلب عليها، وحقق أحلامه ومارس هواياته المختلفة بشكل طبيعي.
وظهرت على عباس منذ صغره علامات الإبداع التي ربما يفتقدها المبصرون، وحب الموسيقى، ووهبه الله أذنا عاشقة للغناء واللحن الموسيقي الشرقي، ويتقن العزف على العود.
ويقول عباس: 'كنت أرافق والدتي في الأعراس، منذ كان عمري ست سنوات، واصطحب الطبل معي، وكانت النسوة تعجب كثيرا بطريقة دقي على الطبل، وبصوتي الغنائي الجهور'.
والتحق بالمدرسة العلائية في رام الله ودرس بها الابتدائية، ومنحته فرصة تنمية موهبته الموسيقية، على يد أستاذ مختص في الموسيقى، حيث تعلم العزف على العديد من الآلات الموسيقية، كالعود والبيانو، وأكمل تعليمه وحصل على دبلوم صناعي من الاتحاد اللوثري، وتعلم حرفا عدة منها النسيج وصناعة الخيزران والحياكة وصناعة السجاد، لتصبح هذه الحرف مصدر رزق له على مدار عدة أعوام، لكن كونها تحتاج إلى وقت طويل في العمل، وأسعارها مرتفعة مقارنة بما يباع في الأسواق، لم تدم هذه الحرف كمصدر لدخله وأسرته كثيرة العدد.
ويمسك أبو عرة العود بين يديه بحنان، ويداعب أوتاره بلطف، ليخرج منه مقطوعة موسيقية من الأغاني الشرقية القديمة تسرق مسامعنا وتحرك مشاعرنا، تحوي كلمات رائعة ولحن جميل.
وعمل مع فرقة 'أغاني الحرية' بجامعة بير زيت مدة أربعة أعوام، وضمن مسرح الحكواتي، حيث أطرب الآلاف من عاشقي الفن الأصيل والموسيقى الراقية، في مدن الضفة، إلا أن اندلاع انتفاضة الأقصى منعته من مواصلة المشوار في المهنة التي أحب.
كما يطبع أبو عرة بطريقة بريل، وعمل في مطبعة، وكان يخيط ويجلد الكتب لمدة أربعة أعوام، وكان مسؤولا عن معرض للمنتوجات تابع لجمعية القدس العربية مدة خمسة أعوام.
ولكنه يبحث الآن عن عمل مناسب، يستطيع من ورائه الإنفاق على أسرته، لذلك يأخذ عباس على المؤسسات والجمعيات عدم مساندتها للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بالشكل المطلوب، ونظرة الشفقة إليهم وعدم تشغيلهم، على الرغم من قدرتهم الممتازة على العمل وحبهم الاعتماد على النفس.
ويقول: 'نحن لا ننتظر صدقة أو إحسانا من أحد، فبإمكاننا أن ننتج ولدينا القدرة على الاعتماد على الذات'. وتقول زوجة عباس: 'رغم إعاقته البصرية، إلا أنه دائما مرتاح نفسيا ويمتاز بروح الدعابة، ولعقليته المتفتحة وقدرته على التعلم، ودعم الأهل، كل هذا خفف من معاناته وتحدى إعاقته'.
ـــ
إ. س