بيت الأمم المتحدة يحتفي بيوم فلسطين: أشكال من النضال والمقاومة والنتيجة تبقى واحدة منذ 62 سنة

صادف أمس «اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني»، فقررت الأمم المتحدة الاحتفاء به في بيتها، في وسط مدينة بيروت. قررت أن تقيم ندوة تسلّط الضوء فيها على الحقوق الفلسطينية، وقد عنونتها «في سبيل الحقوق الفلسطينية». وإذ أتى العنوان على شكل سؤال، لم يخرج الحضور من سفراء وممثلي الهيئات الدبلوماسية والمجتمع المدني بأي جواب سوى عرض لتجارب مرّت وأخرى تمرّ، اعتبرها المؤتمرون إيجابية في مسيرة النضال، ولو أنهم أقرّوا أن الوقت طال على نيل تلك الحقوق كما على نصرة القضية بالمجمل.
في بداية الندوة، التي ترأستها وقدّمت لها النائبة بهيّة الحريري، أشار الممثل الإقليمي لـ«مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان» في الشرق الأوسط فاتح عزام إلى أن أي حلّ للقضية الفلسطينية هو حل سياسي، «غير أن الحلول السياسية لا تدوم إلا في حال ارتكازها على مبادئ العدالة واحترام حقوق الإنسان». ولفت إلى عدم التماس جدية لدى عدد من الدول على مستوى احترام أسس العدالة وحقوق الإنسان، ما دفع بعدد من الفلسطينيين والمناصرين للقضية إلى اللجوء إلى القضاء، بعد فشل السياسة، في إحقاق بعض الحقوق وإقرار العدالة.
وروى مدير «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» محمود سويد تجربة المركز في مداخلة حول «دور مراكز الدراسات والبحوث في نيل الحقوق الفلسطينية». فوجد أن «تجربة «الدراسات» رائدة في العالم العربي حيث لا يولي المواطنون، ومنهم أصحاب قضايا، أي اهتمام للعمل البحثي الفكري». وروى كيف افتتحت المؤسسة مكاتب لها في واشنطن وباريس بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وصارت تصدر من العاصمتين كتباً ودوريات بالإنكليزية والفرنسية، متغلغلة في بعض الجامعات ككولومبيا وكاليفورنيا وأوكسفورد، بموازاة إصدارها مجلة باللغة الفرنسية إضطرت إلى وقفها منذ سنتين بعد 27 سنة من الإصدار، بسبب الشح في التمويل. ثم رسم خريطة لعدد من المراكز ومؤسسات الدراسات العربية، التي أدت دوراً بارزاً في تشكيل إطار ثقافي حول القضية للباحثين والطلاب العرب المقيمين في الغرب كما للعالم الغربي.
وكان على مدير «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» في لبنان سلفاتوري لومباردو أن يتحدث عن تجربة الوكالة وحالها اليوم، فلفت إلى أنه في كل سنة «نفقد العديد من الفرص لتوفير العدالة للفلسطينيين، التي إذا ما توفّرت الإرادة السياسية لحققناها». وعرّج على الوضع في غزة فأشار إلى انه «سُمح للأونروا بإدخال ثلث مواد البناء، والتي تشكل نسبة سبعة في المئة من المواد الضرورية في عملية إعادة إعمار القطاع». أما بالنسبة إلى لبنان فما زال الفلسطينيون يعيشون في بؤس في منازل لم يعد تأهيلها منذ عقود، على بعد ربع ساعة من وسط بيروت العصري. ويعتبر لومباردو أن تعديلات البرلمان اللبناني في 27 آب الماضي على القوانين الخاصة بالفلسطينيين «خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح. ولكن تقرير الفقر الذي سننشره قريباً يبرهن أن العمل ما زال طويلاً». وذكّر بأن «انتظار حق العودة لا يمنع لبنان من تحسين وضع الفلسطينيين في لبنان»، ليفصح أن ملف الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية يسير في الاتجاه الصحيح. أما في ما يخصّ مخيم نهر البارد فأكد لومباردو أن التمويل ما زال غير كاف: «لكننا نحتاج الى أن نقدم للفلسطينيين هيكلية اقتصادية وقانونية تجعلهم يتمتعون بحقوقهم إذا ما أردنا من إعادة الاعمار أن تكون تجربة ناجحة».
في مداخلته، اعتبر المدير التنفيذي لـ«شبكة المنظمات العربية غير الحكومية» زياد عبد الصمد أن المجتمع المدني الفلسطيني مدعوماً من المجتمع المدني الدولي، حاول البحث عن أساليب جديدة ومبتكرة تلفت انتباه المجتمع الدولي الى الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان: «فكانت حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضدّ إسرائيل». وشرح أن تلك الحملات عملت عبر قنوات «لكشف كيف تدعم بعض المؤسسات والشركات حركة الاستيطان وإسرائيل»، وقد نتج منها مقاطعة اقتصادية وثقافية، «أدت إلى تبني بعض الحكومات مواقف رسمية ضد اسرائيل، كالنروج والسويد اللتين أخذتا تدابير ضد التعاون مع شركات اسرائيلية. فيما صدرت في فرنسا أحكام بحق بعض الناشطين في الحملات». غير أن ذلك لم يقف مانعاً أمام سحب استثمارات من بعض الشركات الداعمة لإسرائيل، ما يبرهن أن «تلك الحملات أكثر قدرة على تحويل الأقوال إلى أفعال»، كما ختم عبد الصمد.
وختمت الندوة بمداخلة لوزير التنمية والتخطيط الفلسطيني الدكتور علي جرباوي الذي أشار إلى سعي السلطة الفلسطينية إلى «تحقيق انسيابية قيام الدولة الفلسطينية الفعلي من خلال تعزيز وتطوير الجهوزية الفلسطينية على الأرض، وبطريقة غير قابلة للتراجع أو الارتداد العكسي». ويأتي ذاك السعي من خلال ترميم الاقتصاد الفلسطيني عبر خلق فرص عمل، وعبر تفكيك الارتباط بين الاقتصاد الفلسطيني والاقتصاد الاسرائيلي لا سيما أن الفلسطينيين يستهلكون ما قيمته 200 مليون دولار من إنتاج المستوطنات. في حين لا تزيد الصناعات الفلسطينية عن نسبة 15 في المئة من نسبة الاستهلاك العام، «ونحن نحاول زيادتها إلى 30 في المئة في غضون السنتين المقبلتين». كما أوضح أن ثلث الفلسطينيين في الضفة وغزة على مقاعد الدراسة، «بينما يمنعنا الحصار من إدخال ما يلزمنا لبناء مدارس في غزة». سبقت الندوة جلسة افتتاح تحدث خلالها المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مارتن وليامز باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي لفت إلى أن «قلة من الفلسطينيين متفائلون بأي خطوة إلى الأمام»، معتبراً انه «على اسرائيل أن تفي بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي، فنحن يهمنا أمن اسرائيل ومواطنيها ولكن أيضاً السلام».
ثم لفتت الأمينة التنفيذية «للأسكوا» ريما خلف إلى انتهاك إسرائيل للأعراف والمواثيق الدولية منذ نشوئها حين تجاوزت حدود الدولة التي منحها إياها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947. واعتبرت أن قائمة الانتهاكات الاسرائيلية تتخذ أشكالاً عدة في أيام الحروب كما في أيام اللاحرب، حين تسلب من الفلسطينيين أرضهم ومياههم وأشجارهم.
ثم كانت كلمة للسفير محمد حجار، أكّد فيها التزام لبنان بالقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وتأكيد حق العودة، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل كل مسؤولياته الدولية.
يذكر أن معرضاً للحرف والأشغال اليدوية الفلسطينية أقيم على هامش اليوم التضامني في بيت الأمم المتحدة