المفاوضات .. والمأزق الأميركي!! ........ بقلم : هاني حبيب

بقلم : هاني حبيب
قبل ان يلتقي بأي زعيم اسرائيلي، كرر نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الذي يزورها، ما يقوله كل مسؤول أميركي عن العلاقة الاستراتيجية بين بلاده والدولة العبرية، ليس في هذا الأمر من جديد، سوى انه يأتي من الادارة التي شكك الكثير من الاسرائيليين، بأن تبقى الولايات المتحدة على موقفها ازاء اسرائيل، كما كان عليه الأمر في كافة الادارات السابقة على ادارة أوباما، هذا البعض، اعترته الشكوك بعدما أعلن الرئيس أوباما عن مواقف مختلفة ازاء العالم الاسلامي والقضية الفلسطينية، وازدادت شكوك هؤلاء، بعدما اتخذت الادارة الأميركية موقفاً ازاء استئناف العملية التفاوضية وربطها بوقف كامل وشامل للعملية الاستيطانية الاسرائيلية في الضفة الغربية بما فيها القدس، على الأرض، لم يكن لهذه المواقف أية قيمة عملية، وتصريحات بايدن هي الترسيم الجوهري للموقف الحقيقي لادارة أوباما الملتزمة بشكل مطلق بأمن اسرائيل، بل ولتبرير أفعالها وعدوانها، وأكثر من ذلك، لم يجد نائب الرئيس الأميركي في اعلان حكومة اليمين الفاشي في اسرائيل عن اقامة 112 بؤرة استيطانية جديدة، في نفس يوم وصوله إلى الدولة العبرية، اية غضاضة، مع ان اسرائيل كانت توقف هذا الاعلان كشكل من اشكال التحدي، للجميع وعلى الأخص، الادارة الأميركية، بايدن بدلاً من ادانة هذا القرار، اعتبره ينسجم مع خطة نتنياهو لوقف جزئي مؤقت للاستيطان!!
وعلى الأرجح ان تصريحات بايدن المتعلقة بالملف الفلسطيني - الاسرائيلي، لن تتضمن أي جديد، واعتقد ان زيارته للمنطقة، ترتبط أكثر بالملف الايراني، وللتشديد على اسرائيل بضرورة التشاور قبل أية خطوة ذات طبيعة عسكرية تجاه ايران، وان يكف المسؤولون الاسرائيليون عن تصريحات الحرب، لان ذلك يضعف من قدرة واشنطن على اقناع بعض أعضاء مجلس الأمن بشأن العقوبات التي تقترحها واشنطن ضد ايران، هذا من جانب، ومن جانب آخر فان زيارة نائب الرئيس الأميركي، جاءت لتبدد ما جاء في احد التقارير الحكومية الاسرائيلية التي تم تسريبها إلى وسائل الاعلام الاسرائيلية، من ان ادارة أوباما، لم تعد تضع الملف الفلسطيني - الاسرائيلي والعملية التفاوضية بين الجانبين على أول قائمة اهتماماتها الدولية نظراً لانشغالها بالانتخابات النيابية القادمة في تشرين الثاني القادم، خاصة وان شعبية الرئيس وكذلك الحزب الديمقراطي في تراجع ما يدفع إلى ايلاء هذه المسألة كل الاهتمام على حساب الاهتمامات الأخرى التي تصبح ثانوية بالمقارنة معها. بايدن يريد ان يؤكد ان هذا تحليل غير صحيح، وجولته في المنطقة هي تأكيد على ايلاء ادارة أوباما أهمية قصوى للملف الفلسطيني - الاسرائيلي.
المبعوث الأميركي جورج ميتشل، وبعد عقده سلسلة لقاءات مع قيادات الجانبين، قال ان المفاوضات غير المباشرة ستبدأ خلال أيام قليلة من احد الفنادق حيث سيكون هو الوسيط بين غرفتين تضمان فريقي المفاوضات من الجانبين. صائب عريقات الذي أبدى اندهاشه من هذه الانباء اشار إلى ان الجانب الفلسطيني طالب بايضاحات اميركية قبل البدء في مفاوضات غير مباشرة تتعلق باستمرار الخطط الاستيطانية وطرح العطاءات وهدم البيوت وفرض الحقائق على الأرض، عريقات يضيف انه بدون هذه الايضاحات فان استئناف المفاوضات، وان بشكل غير مباشر، هي "عديمة الفائدة" ويلاحظ انه لم يقل انها لن تستأنف أو تبدأ، بل عديمة الفائدة، لكن سيتم خوضها على الرغم من ذلك!
وبعيداً عن التشكيك، فان مثل هذه الايضاحات المطلوبة من الادارة الأميركية، كان يجب ان تطلب وتلبى قبل اتخاذ قرار فلسطيني عربي، ببدء مفاوضات غير مباشرة، اذ لا معنى للمطالبة بمثل هذه المطالب بعد اتخاذ قرار بالموافقة على هذه المفاوضات والاستجابة للضغط الأميركي بهذا الصدد، وسبق للجانب الفلسطيني ان اشار إلى ان واشنطن تقدمت بضمانات حول اعلان الجانب الذي يقف حائلاً دون نجاح المفاوضات، الاّ ان الادارة الأميركية اشارت من جانبها، إلى انها لم تتقدم بأية ضمانة مكتوبة لاية جهة.. علماً ان اية ضمانات تتقدم بها الولايات المتحدة، ليست كافية، وقد علمتنا تجربة الشهور القليلة الماضية، ان ادارة أوباما لا تخجل من التراجع عن مواقفها، وكان درس تراجعها عن اشتراطها بدء واستئناف المفاوضات، مرتبطاً بوقف كامل وشامل للعملية الاستيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس، نموذجاً لادارة لا تتردد لحظة في تغيير مواقفها المعلنة، فما البال، اذا كانت هذه المواقف سرية أو غير معلنة وشفهية.
ورغم الدعوة الفلسطينية، بان تستأنف المفاوضات من حيث انتهت في عهد حكومة أولمرت، إلاّ ان الجانب الأميركي - وليس الاسرائيلي- يقول بأن المفاوضات ستبدأ من دون أي اعتبار لما تم التوصل اليه في المفاوضات السابقة، وهذا الموقف ليس فقط اعتراضاً على الموقف الفلسطيني، بل تنبه للرئيس الفلسطيني، بأن ما يتم تحقيقه في أي مفاوضات، يجب ان يكون كافياً للتوقيع عليه، قبل ان تأتي ادارة اسرائيلية جديدة، تضع سقفاً أقل من الحكومات السابقة، وعليه، فان الجانب الفلسطيني، سيتعاطى مع ما يتم التوصل اليه، مهما كان ضئيلاً وفي غير المصلحة الوطنية الفلسطينية باعتباره "أفضل ما يمكن الحصول عليه" وقد سمعنا مثل هذا الكلام منذ النكبة العام 1948، اذ قيل ان الفلسطينيين هم أفضل ما يضيع الفرص، وكأنما عرض عليهم ما هو مقبول كحد أدنى من مطالبهم وحقوقهم المهضومة طوال تلك السنوات!
ولعل تكثيف الزيارات الأميركية إلى المنطقة، ليس دليلاً على مجرد حراك باتجاه تشجيع الطرفين على استئناف العملية التفاوضية ولو من خلال وساطة، بل انه دليل على أزمة أميركية بالدرجة الأولى، اذ ان أكثر من عام على الادارة الجديدة، لم تحقق سوى الخيبات على كافة الأصعدة، وفي القلب منها تعثر العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني - الاسرائيلي، وتراجع شعبية الرئيس أوباما، في الداخل الأميركي، كما في العالم كله، خاصة في المنطقة العربية حيث تم الرهان على موقف أميركي جديد، يتعاطي مع ملفات الشرق الاوسط بطريقة مغايرة عما سلكته الادارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية على حد سواء من تساوق مواقفها والمصالح الاسرائيلية، كل ذلك تلاشى رغم ان ادارة أوباما نجحت في ضغوطها على الجانب الفلسطيني والعربي من أجل بدء مفاوضات غير مباشرة، وهي مساعدة فلسطينية وعربية لادارة تحاول البحث عن نجاح مهما كان ضئيلاً، الفلسطينيون والعرب عموماً يدركون ان لا جدوى من هكذا مفاوضات، رغم ذلك، فان استجابتها للمطالب الأميركية بهذا الصدد، يشكل عوناً، واشنطن هي بأمس الحاجة اليه!!