<تجمّع جل البحر> - صور تحت مقصلة خطر مياه البحر والأوتوستراد السريع

زيارتان قبل <التسونامي الصغير> وبعده·· مياه البحر تدخل إلى 56 مسكناً فتغرقها وتتلف المحتويات

كتب هيثم زعيتر: قبل 62 عاماً احتل العدو الإسرائيلي فلسطين، وطرد وهجّر أهلها الحقيقيين في منتصف العام 1948، حيث لجأ قسم منهم قسراً الى لبنان وعلى عدة دفعات· وتفاوتت طريقة تعاطي الدولة اللبنانية و<الأونروا> بين من يُعترف بهم من لاجئين نزحوا في العام 1948 وصولاً إلى العام 1958، ومن نزح بعد إحتلال قطاع غزة في العام 1967، وكذلك من عُرف بفاقدي الأوراق الثبوتية··

يتوزع الفلسطينيون في لبنان على مخيمات تسلمت <الأونروا> الإشراف عليها بعد إنشائها منتصف العام 1949، فبقي منها 12 مخيماً ودمرت 3 مخيمات، ووجدت تجمعات سكانية جديدة، مع عدم وجود إحصاء دقيق عن العدد الحقيقي، وإن كانت إحصاءات <الأونروا> تُشير إلى حوالى 450 ألف نسمة، بعضهم حصل على الجنسية اللبنانية أو جنسيات أجنبية وعلى عدة مراحل، والبعض الآخر لا يحمل أوراقاً ثبوتية أو هاجر إلى خارج لبنان··

الفلسطينيون في لبنان واقعون بين مطرقة مقولة ومشاريع التوطين المتعددة النغمات، وبين آمال العودة غير البادية في الأفق، ويعانون واقعاً معيشياً وإجتماعياً صعباً مع استمرار حرمانهم من الحقوق الإنسانية والإجتماعية والمدنية والسياسية في لبنان، ولم يعد لهم حق تملك شقة الذي كان معمولاً به الى ما قبل 10 سنوات، فضلاً عن الواقع الصحي والتعليمي المتردي، وتقليص <الأونروا> لخدماتها، وإكتظاظ ما يُسمى بمساكن بأهلها، وأيضاً في ظل إصرار البعض على التعاطي مع الملف الفلسطيني من الزاوية الأمنية، ووصف المخيمات بـ <الجزر الأمنية>··

يقع <تجمّع جل البحر> عند المدخل الشمالي لمدينة صور، وتم إنشاؤه في العام 1954، ويعتبر من أكثر التجمّعات الفلسطينية تهميشاً، فضلاً عن المعاناة المشتركة كغيره من التجمّعات الفلسطينية من عدم شموله بخدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين <الأونروا> إلا أنه يُعاني من خطرين داهمين:

- قربه من شاطئ البحر، مما يهدد مساكنه التي تتعرّض في فصل الشتاء لدخول المياه إليها والتأثير على القواعد الأساسية لهذه المساكن··

- وقوعه إلى جانب الشارع الرئيسي المؤدي الى مدينة صور، والذي أدّت سرعة السيارات الى دخول بعضها الى مساكن التجمّع، أو الى صدم عدد من الأطفال الذين توّفي منهم 8 وأصيب 17 آخرون بجروح جراء صدم السيارات لهم· فضلاً عن عدم وجود رصيف أو حاجز يفصل بين الشارع ومساكن اللاجئين الفلسطينيين القاطنين في التجمّع··

ولهذا، فإن <تجمّع جل البحر> واقع بين خطري البحر وعوامله الطبيعية والأوتوستراد وسرعة السيارات العابرة المميتة··

قبل أيام زرنا <تجمّع جل البحر> وأعددنا حلقة عن واقعه، وكنا نتساءل كيف يواجه أبناء التجمع فصل الشتاء ومخاطره، نظراً لقربه من شاطىء البحر، حيث وجدنا صعوبة بالإنتقال من مسكن الى آخر عبر المسلك الغربي الوحيد المؤدي اليها، وفوق الرمال التي لا تبعد 10 أمتار عن الشاطىء - على الرغم من صحو الطقس وارتفاع درجة الحرارة، حيث تأقلم أبناء تلك المساكن على سلوكها بإستمرار لأنها ممر إلزامي لأنه لا يُمكن الوصول إليها عبر الأزقة المؤدية من الشارع الرئيسي الذي يمر من الجهة الشرقية للتجمّع، بل بحاجة للعبور فوق الرمال للجهة الغربية ? أي على شاطئ البحر للوصول الى المسكن··

وصباح الإثنين الماضي استفقنا على أنباء عن أن <تسونامي صغير> قد ضرب فجراً التجمع، واقتحم 56 مسكناً من مساكنه، فحل ضيفاً ثقيلاً، محطماً الأسوار من حجارة الباطون أو ألواح <الزينكو> والخشب أو الحديد، أو من الإطارات المطاطية، وسحب الرمول من تحت بعض أساسات المساكن، مهدداً إياها بالسقوط، ومحطماً زجاجها، ومتلفاً محتويات المساكن، حيث دخلت إليها المياه ولم يتمكن الأهالي مواجهة الخطر الداهم، فوقفوا عاجزين عن وقف تدفق المياه، التي دخلت من دون استئذان··

ولكن من سيعوّض على الأضرار؟ وما هي السبل التي يُمكن اتخاذها لتجنب تكرار هذه المأساة التي تتكرر كل عام ولعدة مرات؟ وعلمنا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس <أبو مازن> قد أولى هذه المأساة كل اهتمامه، حيث أعطى تعليماته بتقديم المساعدة العاجلة لأهالي التجمّع، والإسراع بوضع كشف بالإضرار، ودراسة السبل الكفيلة بتجنب تكرار مثل هذه المأساة··

<اللــواء> تخصص الحلقة الحادية والثلاثين من الملف الفلسطيني، لإلقاء الضوء على واقع <تجمّع جل البحر>، وتنقل هواجس وهموم سكانه··

يبلغ عدد سكان التجمّع حوالى 1800 نسمة يقيمون على مساحة بطول 2 كلم وعرض يتراوح بين 75-300 متر وما زالت مساكنه من طبقة واحدة وغالبيتها بجوانب من <الزينكو> كما سقوفها، أو بعضها بحوائط من الباطون ومسقوفة بـ <الزينكو>، وهو ما يؤدي دائماً الى تآكل ألواح <الزينكو> جراء القرب من البحر، بحيث يضطر أصحاب هذه المساكن الى تغيير الألواح في كل عام بعد أن يأكلها الصدأ··

ويسعى عدد من المقيمين في <جل البحر> الى الإستعاضة عن هذه المساكن بإشادتها من ألواح وبقايا صناديق خشبية، ولكن يضطرون الى تغطيتها بالنايلون خلال فصل الشتاء··

غالبية سكان <تجمّع جل البحر> من العائلات الفقيرة جداً، وهم مسجلون في سجلات <الأونروا> ضمن حالات العسر الشديد، ولكن على الرغم من هذه المعاملات فإن <الأونروا> تزيد في بؤسهم، حيث لم تحرك ساكناً لتأمين أي نوع من الخدمات الصحية والإنسانية والاجتماعية والتربوية، فلا يوجد عيادة أو مدرسة أو أي ما يشير الى اهتمام <الأونروا> بهذا التجمّع الذي أنشئ في العام 1954، وتعرّض عدة مرات للإعتداءات الإسرائيلية كان آخرها خلال العدوان الإسرائيلي في تموز من العام 2006، حيث أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على مساكنه عدة مرات فدمّرتها، ومما زاد الطين بلّة أن إعادة إعمار أيّ من هذه المساكن قد تواجه بالمنع، نظراً لأن هذه الأرض تعتبر مشاعاً يتبع لبلدة العباسية، و<الأونروا> لم تستأجرها من قبل الدولة اللبنانية كما حصل مع المخيمات التي يُعترف بها رسمياً·

الواقع صعب، حيث لا مجاري للصرف الصحي، بل أن هناك <جوراً صحية> يتم حفرها لاستخدامها، أو يتم وصل بعض القساطل لتذهب المياه الآسنة الى الشاطئ الرملي·

في التجمّع لجنة شعبية تسعى جاهدة لتأمين بعض الخدمات، لكنها تواجه صعوبات كبيرة لعدم توفّر الإمكانيات، على الرغم من التجانس بين أعضائها المنتمين الى عدة فصائل·

ندخل الى التجمّع، وفي اللحظة الأولى نشعر بحجم المعاناة، فإلى شرقه هناك أبنية مرتفعة تتألف من 8 طوابق يتم اشادتها على عقارات تتبع الى بلدة العباسية، وفي المقابل مساكن من طبقة واحدة بأحسن حالها مسقوفة بباطون، بات حديده متآكل·

وأمام مدخل التجمع يهالك المنظر، مكب للنفايات بصورة عشوائية، عمد البعض الى البحث بين محتوياته عما يُمكن اعادة بيعه من بلاستيك0 أو حديد··

تنتصب وسط التجمّع وفي أكثر من مكان منه أعلام فلسطين لتقابل الشواطئ الفلسطينية، فيما رفعت العديد من الأعلام الرياضية·· بينما وضعت فوق سقوف <الزينكو> أو الباطون خزانات للمياه وعلى مقربة منها صحون لاقطة (دش) لمواكبة التطور والتكنولوجيا، وتنتشر مناشر الغسيل أمام المساكن، وتبدو إطارات السيارات القديمة وألواح خشب صناديق الخضار التي تشكل تصوينة للمساكن التي يخرج أطفالها للعب على الشاطئ الرملي المليء بالنفايات، بينما تمر أسلاك التيار الكهربائي لـ <مؤسسة كهرباء لبنان> على بعد أمتار قليلة من المساكن التي تتداخل في ما بينها خطوط أسلاك اشتراكات المولدات الخاصة، علماً بأن أبناء التجمّع يدفعون الإشتراكات الشهرية عن عدادات الكهرباء للدولة، ورسماً سنوياً لإشتراك المياه أيضاً للدولة·

مرعي أولى الزيارات كانت الى مسكن أمين سر اللجنة الشعبية في <تجمّع جل البحر> وليد مرعي، الذي تحدث عن واقع التجمع، مشيراً الى أنه <من التجمعات الفلسطينية التي تُعاني من إهمال تام من قبل وكالة <الأونروا>، وهو تجمّع صغير جداً محاصر بين البحر غرباً والطريق السريع شرقاً، وغالبية مساكنه من الطين و<الزينكو> وأخشاب صناديق الخضار، مساكن تأخذك بمناظرها وطريقة عيش ساكنيها الى العصور القديمة، حيث ما زالت بعض العائلات تستعمل الحطب في طهي الطعام وتسخين المياه>·

وقال: تفتقد مساكن التجمّع الى أبسط أنواع الحياة الكريمة، فلا تتوفّر فيه أبسط الشروط الصحية، فهي حريق ولهيب صيفاً وغريق شتاءً، والمساكن متداخلة فيما بينها وتسير أقنية المياه الآسنة بينها، ونحتاج الى المقومات الأساسية للبنى التحتية والى صيانة شبكة الكهرباء القديمة، حيث يُعاني سكان التجمّع من التقنين الكهربائي القاسي، مما يجبرهم على الإشتراك بمولدات خاصة مقابل إشتراكات شهرية·

وأشار الى <الكارثة التي حلت بأبناء التجمع، بعدما أقتحمت أمواج البحر مساكنهم، حيث تضرر 56 مسكناً، بين من سحبت الرمال من تحت أساساته، فأصبح مهدداً بالخطر، أو من سحبت الأمواج تصوينات هذه المساكن، أو من أتلفت محتوياتها، فكيف سيتمكن أبناء التجمع من اصلاح هذه الأضرار، في وقت هم يُعانون أصلاً من واقع صعب في ظل الظروف المعيشية المأساوية جداً>··

وحمل مرعي على وكالة <الأونروا> بالقول: لا يوجد مركز صحي أو مدرسة أو روضة في التجمّع، فالمرضى عليهم الإنتقال إلى عيادة البص التي لا يتواجد أصلاً فيها إلا طبيب واحد يُعالج أكثر من 300 مريض يومياً، بينما غالبية الأدوية غير متوفّرة، وهناك دواء وحيد يُعطى لجميع الأمراض، فضلاً عن عدم وجود مدرسة مما يضطر حوالى 300 طالب للتوجّه إلى مخيم البص للإلتحاق بمدارسها وهؤلاء يسيرون على الأقدام، مما أدى الى صدم السيارات لعدد منهم فهرس 8 أطفال وجرح 17 آخرون جراء الطريق السريع الذي يمر أمام التجمّع ويشكّل خطراً مميتاً، وبعد مراجعات مع مسؤولي منطقة صور، تم وضع مطبات لتخفيف سرعة السيارات لمدة بسيطة، قبل أن تتم إزالتها تحت عنوان الوضع الأمني في البلد·

وقال: هناك بيت يُقيم به أحد سكان التجمّع محاذٍ لأرض اشتراها الحاج معروف الساحلي، الذي قام بدفع مبلغ 85 ألف دولار أميركي ثمناً للمسكن، 15 ألف دولار لترميمه وتجهيزه حيث انتقلت هذه العائلة للسكن في الشقة التي أمّنها لها في منطقة البص·

وأوضح <أن قضية نهر السامر قد تم حلها وارتاح المقيمون الى جواره، بعدما قام الألمان بتأهيل مجرى نهر السامر وإنشاء حوائط دعم وسقف له فيما قامت بلدية العباسية بتعبيده>·

وألمح إلى <أن المعاناة بالنسبة الى التجمعات الفلسطينية صعبة جداً، ولكن في <جل البحر> تزيد المأساة، ففي السابق كنا نقوم في <اللجنة الشعبية> بمساعدة من يقع بمصيبة أو تكون لديه حالة وفاة، عبر تقديم بعض المساعدة له، أما اليوم، فلا يُمكننا القيام بشيء تجاهه حتى المرض نعجز عن مساعدته بعلاجه، علماً بأن <الأونروا> لا تُغطي كافة الأمراض، وإن ساعدت بشيء فبنسبة قليلة جداً لا تكفي>·

وطالب الدولة اللبنانية <بمساعدتنا بإعطاء حقوقنا في ممارسة حقنا في حياة كريمة في أن يُمارس الطبيب والمهندس مهنته، وأن يأخذ العامل حقه، فهو يتقاضى 20 ألف ليرة لبنانية في اليوم، هذا إن وجد عملاً، وبهذا الأجر لا يستطيع أن يقدّم أي من الحياة الكريمة لأبنائه، إن كان لجهة التعليم أو الطبابة أو المأكل والملبس· فهناك عائلات كبيرة أقلّها 6 أشخاص فضلاً عن أبوين كعائلتي التي بينها 4 توائم اخترت لهم أسماء تؤكد على الإنتماء إلى فلسطين وهم: دولة، ياسر، عرفات وسلطان، وبلغوا الـ 11 من العمر، واختيار أسماؤهم كان تأكيداً وتصميماً على العودة وقيام الدولة الفلسطينية التي أعلن استقلالها الرئيس الراحل ياسر عرفات>· ونادى وليد على التوائم الأربعة الذين يتابعون دراستهم في مدارس <الأونروا>، حيث أصطفّوا أمام مسكن ذويهم وهم يرفعون شارة النصر، مؤكدين النضال من أجل تحقيق حلم العودة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف·

كريّم على مقربة من مسكن وليد، يقيم محمود كريّم (في العقد الرابع من بلدة صفورية في فلسطين)، أشار الى <معاناة سكان جل البحر الكبيرة، فالمساكن غير صحية وهي من <الزينكو> والخشب وغير مؤهّلة لمواجهة العوامل الطبيعية مثل الشتاء والرياح· وقد أدت أول عاصفة تقع هذا الشتاء الى إلحاق أضرار فادحة بمساكن التجمّع ومحتوياته، مما أوقع الأهالي بأزمة جديدة، فمن سيعوّض عليهم؟>·

وقال: كما أنه هناك مشكلة كبيرة تتمثّل بالشارع الذي يمر أمام التجمّع، حيث تسير عليه السيارات بسرعة جنونية، فهو الخط السريع للمدخل الشمالي لمدينة صور ولا تتوفّر فيه الإنارة أو الحاجز النصفي ولا أرصفة للمشاة، مما أدى إلى <دهس> عدد من الأطفال والشبان، كما أن محاولة دخول السيارات إلى المساكن تكررت وتهدّم بعض هذه المساكن، مما شكّل خطراً على حياة الناس الذين يقتلون إلى جانب الطريق السريع ولم تجدِ مطالبة <اللجنة الشعبية> لبلدية العباسية بإضاءة الشارع بشكل سريع>·

واعتبر <أن <الأونروا> تخلّت عن واجباتها تجاه التجمّعات الفلسطينية، وهي لا تقدّم أي نوع من الخدمات حتى البسيطة التي تقدّمها مخيّمات أخرى>، مشيراً الى <أن المساكن في التجمّع غير صحية، وهي حارة صيفاً وتؤثر على الأطفال بشكل خاص وباردة شتاءً، مما يزيد من معاناة المرضى من سكان التجمّع، حيث تنتشر أمراض القلب، الشرايين، الضغط، السكري والأعصاب>·

وطالب كريّم <بأن يتم إعطاء الفلسطيني حقوقه الاجتماعية والإنسانية والمدنية وحق العمل في المهن الحرة>·

نحو مسكن فوق الرمال نترك محمود ونسير من الجهة الغربية فوق الرمال، حيث نصل إلى منزل أحمد محسن محمد (في العقد الخامس من عمره، من قرية ترشيحا في فلسطين المحتلة)، يقيم في منزل مع عائلته كل ما فيه آيل للسقوط، وحتى ألواح <الزينكو> صدئة فكان يقوم بوضع ما تمكّن من جمعه من أكياس نايلون فوقها، لأن لا إمكانية لديه لشراء حتى النايلون، فقال: أعمل في جمع الخردة من ألمنيوم وبلاستيك وكراسي مكسّرة، وهو عمل متعب جداً وغير صحي، فضلاً عن أن مردوده المالي قليل جداً ويتراوح بين 5 آلاف و20 ألف ليرة لبنانية، وهذا لا يكفي عائلتي المكوّنة من 11 شخصاً، بينهم 9 أطفال، حيث نعيش في 4 غرف صغيرة لا تتجاوز أي منهم 3 أمتار طول بعرض 3 أمتار، وهي مسقوفة بألواح <الزينكو>، وأصبحت حالتها سيئة جداً، بعدما أُصيبت بالإهتراء والتلف لقربها من البحر·

وأضاف: لقد داهمتنا أمواج البحر قبل أيام وحطمت التصوينة الصغيرة، ودخلت المياه إلى غرف المسكن وأتلفت المحتويات المتواضعة، وهو ما حصل معنا ايضا في فصل الشتاء الماضي، حيث إضطررنا للإنتقال والإقامة في كوخ لمدة 3 أشهر· وهذا المسكن يُمكن إطلاق عليه كوخ أكثر من المسكن، فتتسرّب المياه من خلال ألواح <الزينكو> المهترئة وتدلف علينا شتاءً، ولا بإستطاعتنا ترميم أي شيء· كما أن الغرفة الوحيدة التي سقفها من الباطون متصدعة، وبدأت قطع الباطون تتساقط فوق رؤوسنا وهو ما يشكّل خطراً علينا ولا أحد يُساعد في الترميم أو التأهيل·

وأشار الى أنه <لا توجد فرص عمل مما أدى إلى تردّي الحالة الإقتصادية التي انعكست على حياة الناس وعدم قدرتهم على تأمين الضروريات لعائلاتهم من تعليم وطبابة، وتأمين طعام ولباس، وترميم المساكن>·

وطالب محمد <وكالة <الأونروا> تقديم المساعدات والخدمات للناس و<منظّمة التحرير الفلسطينية> الإهتمام أكثر بأبناء الشعب الفلسطيني>·

وما تزيد معاناة محمد عما هو به من كبر للعائلة والواقع لمسكنه المتداعي أو المتآكلة ألواح <الزينكو> المسقوفة به، أن لديه (طفلاً معوّقاً وهو بحاجة إلى علاج وأدوية ولا أحد يقوم بالمساعدات)·

مُسنة تحلم بالعودة نغادر مسكن محمد عبر الشاطئ الرملي، وفي الطريق ننعطف يميناً فنجد عجوز مُسنّة تحاول الإستفادة من أشعة الشمس في الخريف، نسألها عن إسمها فيعرّفون بأنها الحاجة فاطمة عاطف القاضي، نسألها عن تاريخ ميلادها، فتقول: مسجّل في التذكرة مواليد العام 1925 ? أي 85 عاماً من قرية ترشيحا في فلسطين·

وقالت شارحةً وضعها: أنا إمرأة كبيرة في السن، أعاني آلام في قدمي، وكذلك في عيني، وقد أجريت عملية لها لكنها لم تنجح وأنا الآن لا أرى جيداً·

وأضافت: لا أستطيع السكن في بيتي لقدمه وتصدّعه، فقد بدأت قطع من السقف بالتساقط، وأصبح يشكّل خطراً عليّ، فأخذتني إبنتي للسكن معها بالقرب من مسكني الى أن يتم ترميمه ليصبح صالح للإستخدام إذا كتب الله لنا الحياة، بإنتظار العودة الى أرضنا في فلسطين··

وناشدت الحاجة فاطمة الإهتمام بها وتقديم الخدمات الضرورية، <فلا معين لديّ فأنا بحاجة الى علاج دائم وأدوية مرتفعة الثمن>·

بين المدرسة والمهام الصعبة نُغادر <تجمّع جل البحر>، حيث كان عدد من الفتية يتوجّهون الى المدرسة، ومنهم محمد ياسر الحسن، الذي كان يسير فوق الرمال حاملاً حقيبة كتبه الثقيلة، ومتوجهاً الى مدرسة <الأونروا> في مخيم البص، أو من عاد من المدرسة كما حصل مع محمد جمعة، الذي الحظ حليفه من خلال إحتفاظه بـ <دولاب مطاطي> استخدمه بالتنقل خلال وصول أمواج البحر الى أمام مسكنه، وذلك قبل أن تشتد وطأتها· ولكن بعد هدوء العاصفة قام بجمع ما قذفته أمواج البحر من بلاستيك وحديد لبيعه كخردة، أو من لم يُحالفه الحظ بالذهاب إلى المدرسة، أو غير ذلك كالطفلة المعاقة مايا درويش·

سكان التجمّع ما زالوا متمسكين بحق العودة المنشودة منذ 62 عاماً على صدور القرار الدولي الرقم 194 بعد النكبة، وحتى تحقيق ذلك، لديهم بعض من آمال بالعيش بأمان وطمأنينة، وأن لا يكونوا مجدداً ضحايا <هيجان> البحر وسرعة السيارات، حيث يزيد ذلك عن المعاناة الأخرى للاجئين الفلسطينيين في لبنان··

» أهالي مخيم الشاطئ لا يميزون مياه الشرب التي تصلهم عن مياه البحر
» غرق سائحة روسية في مياه البحر الميت
» «تجمّع المهنيين الفلسطينيين»: حق العمل يساوي الحق بالحياة
» مياه الأمطار تجتاح منازل اللاجئين في مخيم جل البحر
» <تجمّع المعشوق> - صور 3000 لاجئ نصفهم مجنّسون لا يتعرف عليهم المرشحون إلا في الإنتخابات