كشف أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة أن المجلس الوطني لمنظمة التحرير قرر عام 1971 فتح الحوار التي تعترف بحقوق شعبنا الوطنية في العام 1971, لكنه في ذات السياق شدد على أن اليسار الموجود في "إسرائيل" حاليا هو يسار صهيوني ضعيف وغير مؤثر, وأن معسكر السلام تراجع كثيراً.
وقال حواتمة: أن ظلم ذوي القربى والانقسام الفلسطيني انعكسا سلباً على القضية الفلسطينية مضيفاً أن خلل موازين القوى لعب دورا مهما في أضعاف الموقف الفلسطيني.
وشدد حواتمة على أن اليمين الصهيوني في "إسرائيل" واليمين الأمريكي ومنظمة الايباك في الولايات المتحدة تحاصر الرئيس الأمريكي باراك اوباما, وهذا ما اضطره إلى تغيير موقفه من حكومة نتنياهو لافتا كذلك إلى أن العرب والمسلمين لا يمارسون أي ضغط على البيت الأبيض.
وفيما يلي نص الحوار:
مراجعة المواقف
س1: كجبهة ديمقراطية هل قمتم بمراجعة مواقفكم خاصة وأنتم أصحاب البرنامج الوطني الموحد لمنظمة التحرير?
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومنذ انطلاقتها جمعت بين "سلاح السياسة وسياسة السلاح" حسب مقتضيات مرحلة التحرر الوطني كما فعلت ثورات جنوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في هذه المرحلة, لأن كل ثورة ومقاومة تناضل من أجل التحرر الوطني والاستقلال وبناء دولة مستقلة, تجمع بين المقاومة والسياسة وعليه فان جبهتنا بادرت إلى تقديم سلسلة من البرامج السياسية والائتلافية الوطنية من أجل حماية الوحدة الوطنية الفلسطينية, تحت سقف برنامج سياسي وطني موحد. بدأ من 1969 وحتى اليوم الحاضر, وبالتالي أقرت كافة الفصائل والقوى والاتحادات الشعبية الفلسطينية وبالإجماع, البرنامج الوطني الفلسطيني الموحد في عام 1974 وطرحناه للمناقشة الشاملة وصوت عليه بالإجماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في حينها بالقاهرة, وهذا هو البرنامج الموحد الذي يجمع عليه الجميع الآن بمن فيهم حماس والجهاد الإسلامي, بعد انجاز ثلاثة برامج وقعنا عليها جميعا وفي المقدمة محمود عباس وحواتمة وخالد مشعل ود. شلح ووقعنا على برنامج الإطار السياسي بالإجماع بإعلان القاهرة آذار عام 2005 وبالإجماع على "برنامج وثيقة الوفاق الوطني" من خلال الحوار الشامل في غزة في شهر حزيران 2006 وبالإجماع مرة ثالثة في القاهرة في حوار شباط آذار 2009.
ونحن في الجبهة الديمقراطية الذين قدمنا الحلول لإنهاء الانقسامات السياسية والانقسام العبثي المدمر الأخير الذي بدأ في شهر كانون ثاني 2006 ثم انتقل إلى ارتداد عن برامج الوحدة الوطنية بارتداد فتح وحماس وتوقيع اتفاق محاصصة ثنائي في شباط ـ آذار 2007 في مكة المكرمة بينهما لاقتسام السلطة والنفوذ, لكن ذلك تدمر جميعه وأدى إلى سلسلة من الانقلابات السياسية والعسكرية واستيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة بقوة السلاح, كما قدمنا أيضا برامج إعادة بناء الوحدة الوطنية على أساس قوانين التمثيل النسبي الكامل في عمليات انتخابية لكل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة.
تتم المراجعات بين فترة وأخرى على ضوء تطورات ما, سياسية أو انقسامية فلسطينية ـ فلسطينية أو عربية ـ عربية أو تطورات دولية تلحق أضرارا بقضيتنا وحقوقنا الوطنية تحت سقف المشروع الوطني الفلسطيني الموحد, وآخر مراجعة شاملة أنجزتها اللجنة المركزية قبل بضعة أسابيع, تضمنت طرح الحلول من اجل سياسة إستراتيجية جديدة للمقاومة ومنظمة التحرير, وتهدف هذه المراجعات إلى تصويب المسار السياسي ـ الفلسطيني ليشتق مهامه من المشروع الفلسطيني الموحد المجمع عليه من كافة الفصائل والقوى ومن كافة قوى التحرر والتقدم العربية والدول العربية بلا استثناء منذ قمة الرباط عام 1974 إضافة إلى إجماع قمم منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 57 دولة.
كما أصبح مجمعا عليه دوليا هذه الأيام باستثناء "إسرائيل" التوسعية التي لا تزال تعمل جاهدة على تخريب الحلول السياسية المطروحة وفق قرارات الشرعية الدولية, لأن هدفها إقامة "إسرائيل" كبرى تمتد لابتلاع القدس العربية الشرقية المحتلة عام 1967 وأجزاء واسعة من الضفة الفلسطينية.
لقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود ولذلك علينا جميعا العودة إلى المجلس الوطني وان تعذر ذلك فالمجلس المركزي لمنظمة التحرير, ونعود للحوار الوطني الشامل حتى يشمل من ليسوا أعضاء في منظمة التحرير لنبحث الخطوات القادمة على ضوء التجربة السابقة خاصة المراحل التي لم يلتزم بها بقرارات الإجماع الوطني والبرامج الثلاثة التي وقعنا عليها جميعا, وأدى ذلك إلى تعميق الانقسام.
ونطالب بتجاوز الانقسام فورا وإعادة بناء الوحدة الوطنية تحت سقف المشروع الوطني الفلسطيني الموحد, وقرارات الشرعية الدولية.
قوى اليسار الفلسطيني
س2: ما دور قوى اليسار الفلسطيني في إنهاء حالة الانقسام?
نحن في الجبهة الديمقراطية ومعنا كل القوى الديمقراطية والليبرالية الوطنية التي تناضل تحت رايات المشروع الوطني الفلسطيني الموحد, وتطالب بعدم الذهاب للمفاوضات ما لم يتوقف الاستيطان, ويتم تحديد مرجعية دولية للمفاوضات شكلنا الرافعة الرئيسية للقوى اليسارية والليبرالية الوطنية لإنهاء كافة أشكال الانقسامات السياسية والائتلافية المدمرة, ولولا هذا اليسار لما تم الوصول إلى برنامج الإجماع الوطني في الحوار الشامل بالقاهرة في آذار2005 ولما وصلنا إلى وثيقة الوفاق الوطني التي وقعنا عليها جميعنا في حزيران 2006 بغزة, كما انه لم يكن بالإمكان التوصل إلى وثيقة القاهرة عام 2009 لكن نظرية المحاصصة تعيق عملنا, وها نحن نعاني من تضييع الزمن, حيث 9 جولات طويلة بين فتح وحماس (6 في القاهرة، 3 في دمشق) ومع ذلك ما نزال ندور في حلقة مفرغة.
لقد أشارت قوى اليسار الفلسطيني على أن الحوار الوطني الفلسطيني هو الحل الوحيد لإنهاء الانقسام.
اليسار الإسرائيلي
س3: ما تقييمكم لوضع اليسار الإسرائيلي?
يوجد يسار صهيوني فقط في "إسرائيل", ولا يوجد يسار ليبرالي يرفض التوسع في القدس ويرفض الاستيطان بالكامل.
وقد تراجع هذا اليسار كثيراً جداً خلال السنوات الأخيرة وحاليا نراه على درجة من الضعف ويكاد يكون غير مؤثر في الشارع الإسرائيلي وغير مؤثر في السلطات التشريعية والتنفيذية الإسرائيلية, وبالتالي فان ضعف هذا المعسكر أدى إلى ضعف كبير لمعسكر السلام في إسرائيل الذي بات ضعيفا هو الآخر, ولم يعد حجمه يتجاوز عدد أصابع اليدين في الكنسيت الإسرائيلي, كما أن ما تبقى من حزب العمل فهو منقسم على نفسه, وتراجع ميرتس كثيرا جدا, وكل ذلك مرآة للتراجع في الشارع الإسرائيلي الصهيوني لأن الأطماع التوسعية هي التي تشكل أغلبية الرأي العام, ولذلك فان حكومة اليمين واليمين المتطرف الحالية بزعامة نتنياهو ـ ليبرمان تدمر كل ما له علاقة بإمكانية التوصل إلى حل سياسي تحت سقف قرارات الشرعية الدولية، وآخرها الإعلان الأمريكي الذي يفيد أن الإدارة الأمريكية عاجزة عن الضغط على "إسرائيل" ووصلت إلى طريق مسدود مع حكومة نتنياهو بفعل الابتزازات التي قدمتها هذه الحكومة.
ولا بد من الاعتراف بنزعة أوباما ورغبته في التغيير عكس نزعة بوش الابن العدوانية, وانه بالفعل رغب في الإصلاح الداخلي والخارجي على حد سواء بما في ذلك حل أزمة الصراع في الشرق الأوسط كما وعد في خطابه بالقاهرة 2009 وفي الأمم المتحدة قبل أشهر, وأمله بأن يرى العالم دولة فلسطينية مستقلة عضوا في الأمم المتحدة في نوفمبر 2011, لكن غياب اليسار الإسرائيلي الفاعل سمح لقوى اليمين بالسيطرة على مقاليد الأمور, وتمكن نتنياهو من تهشيم مشروع أوباما حيث تحالف اليمينان ... اليمين المتطرف الصهيوني في "إسرائيل" مع اليمين الأمريكي في الولايات المتحدة مع منظمة الايباك وحاصروا اوباما في ظل الانقسام الفلسطيني وانعدام الضغط العربي والمسلم على البيت الأبيض, كل ذلك بسبب ضعف معسكر السلام داخل "إسرائيل".
س4: هل ما تزال الاتصالات قائمة بينكم وبين اليسارالإسرائيلي?
كما قلت سابقا, لا يوجد يسار فاعل في "إسرائيل" يستجيب للحدود الدنيا من حقوق شعبنا. ربما باستثناء حزب ميرتس الذي تراجع كثيرا وتقلص حضوره في الكنيست الإسرائيلي إلى ثلاثة نواب مع عناصر في حزب العمل الذي تقلص كثيرا هو الآخر في الكنيست إلى 13 نائبا منقسمين أيضا ومعظمهم ضد سياسة زعيم الحزب ايهود باراك الذي يقال عنه في "إسرائيل" أنه يلعب دور " الليكود ب " وبالتالي نحن نتابع باهتمام ما يجري داخل الرأي العام الإسرائيلي فالعديد من كتاب الأعمدة يطرحون الأمور بحس واقعي ضد سياسة حكومة نتنياهو - ليبرمان, أما ما يتعلق بعلاقات منتظمة مع قوى داخل "إسرائيل" ذات اتجاه يساري مضاد للتوسع اليميني الصهيوني في القدس الشرقية والضفة الفلسطينية, فإنها غير قائمة, لضعف وجودها على الساحة.
س5: متى بدأت اتصالاتكم مع اليسار الإسرائيلي ومن المبادر وكيف ولدت الفكرة وأين تم أول لقاء وكيف كانت أجواء اللقاء ومن شارك فيه من الإسرائيليين?
هذه الاتصالات لم تبدأ خارج إطار الإجماع الوطني فالمجلس الوطني منذ عام 1971 قرر بالإجماع ضرورة البحث مع أي قوى داخل "إسرائيل" تتبنى الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية ولديها جاهزية للعمل في الشارع الإسرائيلي لدفع حكوماته نحو الانفتاح للحوار مع منظمة التحرير باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني
ونحن في الجبهة الديمقراطية شأننا شأن حركة فتح التي بدأت قبلنا بالحوار مع الإسرائيليين الميالين لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني, بدأنا هذا المشوار الذي شهد انعطافة قوية بعد عام 1974 عندما أقر المجلس الوطني بالإجماع محاولة التأثير على الأوضاع الداخلية الإسرائيلية بتوسيع الحوار ما أمكن ذلك, وبالتالي فان هذا الاتصال تم في الإطار الوطني العام ولم تكن عملية خاصة بهذا الفصيل أو ذاك.
بعد عام 1974 التقينا مع القوى اليسارية الإسرائيلية للمرة الأولى في براغ, وكانت أغلبية الوفد الذي التقينا به من العرب الإسرائيليين يتقدمه توفيق طوبي واميل توما واميل حبيبي صاحب كتاب المتشائل، إضافة إلى يهودي إسرائيلي اسمه مائير فيلنر وهو من أصول بولندية وكان منسجما مع رفاقنا العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي, وعبر الوفد الذي ترأسه أمين عام الحزب فيلنر, والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة فيما بعد والتي يرأسها حاليا محمد بركة عن حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وحقه في الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال وتنفيذ القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين.
كانت الأجواء سليمة, وكان ذلك نتيجة صراع طويل أيضا نشب في صفوف اليسار الإسرائيلي, وكما تعلم فان الحزب الشيوعي الإسرائيلي انشق على نفسه, وخرج الجناح الصهيوني تحت زعامة ميكونس فيما أصبح الجناح اليهودي الإسرائيلي الذي يقر بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية تحت زعامة كل من توفيق طوبي ومائير فيلنر.
س6: كامب ديفيد... أوسلو... وادي عربة... التطبيع العربي مع إسرائيل, ألم يقنع ذلك إسرائيل برغبة العرب الملحة في السلام ?
لا يمكن النظر إلى الجانب الإسرائيلي على انه لون واحد, بل هو مجموعة ألوان سياسية, بمعنى أن الأمر ليس محكوماً بلغة اليمين واليمين المتطرف, بل هناك تلاوين سياسية متعددة وآراء مختلفة, ومعروف أن اليمين واليمين المتطرف بقيا خارج السلطة حتى عام 1977 ولأول مرة وصل إلى السلطة آنذاك بيغين, وذلك لأن اليمين عدواني توسعي يرى في القدس الشرقية جزءا لا يتجزأ من "إسرائيل", ويريد ضم أجزاء واسعة من الضفة الفلسطينية وغور الأردن, في حين كانت الجهات الأخرى تمتلك وجهات نظر متفاوتة حول حقوق الشعب الفلسطيني.
عندما عاد رابين وبيرز 1992 إلى الحكم مرة أخرى أبديا استعداد حزب العمل لفتح حوار مع المنظمة للمرة الأولى علما أن من كان يقوم بذلك في "إسرائيل" يتعرض للعقاب ودخول السجن, وعليه بدأ جس النبض والحوار الذي انتهى بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقيات أوسلو الجزئية والمجزوءة؛ بحضور شيمون بيريز على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد خمس سنوات, لكن الأمور لم تجر كما كان مخططاً لها. نحن عارضناها وأعلنا أنها لن توصل إلى حل شامل متوازن يضمن لشعبنا حقوقه الوطنية بتقرير المصير والدولة عاصمتها القدس المحتلة وحق العودة.
كما أن ايهود باراك أيضا لم يستطع دفع الأمور إلى الأفضل رغم أن بيريز نفسه أجرى مراجعته الخاصة النقدية عندما أعلن أمام الكنيست انه لو عرض عليه اتفاق أوسلو مجددا لما وقعه, لأنه مستعد للتوقيع على اتفاق يقوم على الاستقلال الكامل للشعب الفلسطيني!!
لكن ايهود باراك نحى منحى اليمين آنذاك وانتهت الأمور إلى طريق مسدود.
وما أود قوله أن اختلال ميزان القوى على الأرض وفي الميدان, جعل الابتزاز الإسرائيلي يتمدد ليس في الساحة الفلسطينية, بل بات يستهدف جميع الدول العربية, لذلك ندعو الدول العربية إلى تبني إستراتيجية جديدة متعددة الخيارات, بدلا من اعتماد خيار يتيم هو المفاوضات, وطالبنا بضرورة تطوير القدرات والطاقات الدفاعية والاقتصادية للدول العربية المحيطة بفلسطين. بما يعيد التوازن الاستراتيجي في القدرات الدفاعية بين العرب و"إسرائيل", لأن ذلك هو الوحيد القادر على خلق التوازن المطلوب ويؤدي إلى التوصل إلى حلول شاملة تستند على الشرعية الدولية.
التغول الإسرائيلي
س7: ما تفسيركم لتغول إسرائيل على الفلسطينيين بعد التهافت الرسمي العربي على السلام معها ?
الانقسام الفلسطيني والانقسامات والمحاور الإقليمية العربية في الشرق الأوسط هي التي تعزز العجرفة والعربدة لدى حكومة نتنياهو ـ ليبرمان ـ شاس على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى وحقوقها في أراضيها المحتلة.
ومعروف أن الإسرائيليين هذه الأيام أكثر قسوة من ذي قبل, وقد قام شارون بإعادة احتلال ست مدن فلسطينية ردا على مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 بعد 48 ساعة من إقرارها.
وكان على الدول العربية أن تدرك وجوب وضع آليات محددة لتنفيذ مبادرة السلام العربية.وهذا بطبيعة الحال أدى بالتغول الإسرائيلي لأن يزداد شراسة يوما بعد يوم ضد الشعب الفلسطيني.
وآخر الجرائم العدوان الأخير على غزة ومن ثم حصار القطاع المستمر منذ أواخر عام 2008 حتى يومنا هذا.
وما لم يضع الفلسطينيون والعرب استراتيجيات دفاعية جديدة فان "إسرائيل" ستزيد من هجمتها ضد الشعب الفلسطيني, وسوف تتسع أطماعها التوسعية.
س8: لماذا رفضت إسرائيل مبادرة السلام العربية مع أنها أعطتها ما لم يكن عتاة الصهيونية يحلمون به?
"إسرائيل" وضعت مبادرة السلام العربية في جيبها لأن هذه المبادرة تقدم إقراراً عربياً جماعياً باستعداد كافة الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل" وترفرف الأعلام الإسرائيلية فوق العواصم العربية والإسلامية على حد سواء لأن قمم دول منظمة المؤتمر الإسلامي أقرت مبادرة السلام العربية ووافقت عليها.
وهي مستعدة بأكملها للاعتراف "بإسرائيل" وإقامة علاقات طبيعية معها, لكن "إسرائيل" وضعت هذا القرار في جيبها كواحدة من نتائج المساومات الجارية لكنها تعترف أن الجانب الآخر في مبادرة السلام العربية غير مقبول خاصة ما يتعلق بالقدس والأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة, وقد أخذت "إسرائيل" من هذه المبادرة ما يناسبها ورفضت ما لا يناسبها, كما عززت طاقاتها وقدراتها الدفاعية وآخرها صفقة الأسلحة الأمريكية ?
س9: لماذا لم تحقق المقاومة الفلسطينية انجازا على غرار الثورة الفيتنامية والجزائرية?
الثورتان في فيتنام والجزائر كانتا على أرض شاسعة تشبه القارات فمساحة الجزائر ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا ومساحة فيتنام عظمى, وكذلك فان أغلبية السكان الساحقة في فيتنام الشمالية والجنوبية فيتنامية, ولم يزرع الاستعمار مستوطنين هناك بعشرات الملايين وجاء فقط بنصف مليون جندي, بمعنى أن الاستعماريين الفرنسي والأمريكي في فيتنام لم يكونا إحلاليين كما هي الحال في فلسطين وكذلك الأمر في الجزائر التي غزتها فرنسا بنصف مليون جندي ولم تطرد سكانها من بلادهم, ولم يتجاوز عدد المستوطنين الفرنسيين في الجزائر 1.6 مليون مستوطن, بينما كان عدد الجزائريين آنذاك 8 ملايين نسمة, وهذه عوامل يجب ملاحظتها بوضوح, أما ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية, فان الأمر مختلف, حيث أن الشعب الفلسطيني يجابه عدوا يسيطر على معظم أرض فلسطين الانتدابية وأقام دولته على 77% منها, وبقي بيد الفلسطينيين والعرب 23% كم فقط.
كما أن التكوين الديمغرافي لا يزال راجحا لصالح الإسرائيليين والمهاجرين بشكل عال حيث يبلغ عدد سكان إسرائيل حاليا 7.8 مليون نسمة منهم 6.5 مليون يهودي غالبيتهم بنزعة صهيونية توسعية فيما يبلغ عدد الفلسطينيين 1.25 مليون نسمة داخل الخط الأخضر.
وبجانب ذلك كله فان الثورة الفلسطينية تعرضت إلى سلسلة من حروب الإبادة والتطويق على يد "إسرائيل" وذوي القربى على حد سواء ناهيك عن اعتراف المجتمع الدولي بحق الفيتناميين في الوحدة والتحرير كما أيد حق الجزائريين في التحرير أيضاً بينما تأخر الاعتراف الدولي بالثورة الفلسطينية واقتصر على دول بعينها ولم يتحدث الأوروبيون معنا إلا في أواخر الثمانينيات في حين أن أمريكا فتحت الحوار بعد أيلول1993 بعد توقيع أوسلو في واشنطن بناء على طلب كل من احمد قريع وشيمون بيريز اللذين طلبا من وزير خارجية أمريكا وارين كريستوفر, وكان معه السفير دينيس روس, أن تتبنى أمريكا أوسلو كانجاز لها وان تحتضن ذلك الاتفاق وقد تلقفت واشنطن ذلك.
أما الحالة العربية فحدث عنها ولا حرج خاصة في تضييع الفرص الهائلة بعد حرب رمضان المجيدة.
حيث الانقسام العربي ـ العربي والعربي ـ الفلسطيني والفلسطيني ـ الفلسطيني، ثم ذهب السادات نحو حل ثنائي عكس ما أعلنه في خطابه بالكنيست ما انعكس سلبا على الثورة الفلسطينية.