إطلاق سراح واحد من 3 عمّال مصريين اختطفوا الشهر الماضي في لبنان: التحقيقات تكشف عن «شبكة» محترفة وعدد المخطوفين الفعلي مجهول

تم أمس إطلاق سراح واحد من ثلاثة عمّال مصريين اختطفهم الشهر الماضي في لبنان، مجهولون اتصلوا من رقم خلوي سوري بذوي المخطوفين تباعاً، مطالبين بمبالغ مالية كبيرة لقاء إطلاق سراحهم، إلى أن انقطعت الاتصالات في الثامن والعشرين من كانون الأول الماضي.
وقد أطلق سراح هشام مبروك عوض (24 عاماً)، بعدما دفع شقيقه حسام للجهة الخاطفة مبلغ ثلاثة آلاف دولار، وهو موجود حالياً في السفارة المصرية في دمشق، فيما ما زال مصير كل من علي توكل راغب (مواليد 1985) وحمدي الصفطي مجهولاً. وتبين أن المتصل المجهول هو نفسه الذي تحدث الى ذوي المخطوفين الثلاثة، مستخدما الرقم الخلوي السوري ذاته في كل مرة، ومطالبا بإرسال «الفدية» إلى عنوان واحد وإلى الشخص ذاته.
وأفاد مصدر أمني واسع الاطلاع «السفير» أن «جهات الأمن السورية تمكنت من إلقاء القبض، في سوريا، على أحد المتورطين الرئيسيين في عمليات الخطف وهو ينتمي إلى شبكة مؤلفة من أشخاص عرب، بينهم سوريون ولبنانيون، تعمل على تهريب العمّال المصريين وغيرهم من سوريا والأردن إلى لبنان، لقاء مبالغ مادية. كما ألقت القوى الأمنية اللبنانية القبض، في لبنان، على شخص آخر يشتبه في مشاركته في عملية الاختطاف».
وفي حين أوضح المسؤول الأمني أن «عمليات الاختطاف التي جرت تباعاً، وقعت عند الحدود السورية اللبنانية، وتحديداً عند نقطة التهريب، ولم يكن القصد منها دفع فدية لقاء إطلاق سراح المخطوفين، بل جرت لأسباب تتعلّق برسوم التهريب التي لم تدفع كاملةً للمهرّبين»، وأكد ذوو المخطوفين الثلاثة أن الاختطاف تم داخل الأراضي اللبنانية وأن العمّال الثلاثة سددوا بدل تهريبهم إلى لبنان قبل أعوام، وفور وصولهم.
إلى ذلك، أشار المصدر الأمني إلى أن السفارة المصرية أبلغت عن اختطاف كل من عوض وراغب فقط، لأنهما يملكان أوراق إقامة شرعية، فيما أن الصفطي قد دخل البلاد خلسة ولا يملك أوراقا شرعية بعد.
ولفتت المصادر إلى احتمال «أن تكون عمليات اختطاف إضافية قد نفذت وطالت شخصين إضافيين لا يملكان أوراقا شرعية، ولم يتم الإبلاغ عن اختطافهما رسميا، لذلك لم تعرف هويتاهما بعد».
وأكد المصدر الأمني ان جهات الأمن اللبنانية تتعاون مع الشرطة الجنائية السورية، التي نجحت في الحصول على معلومات وافرة عن الخاطفين.
وفي السياق نفسه، أشار السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي لـ«السفير» إلى أن «جهات الأمن السورية تعمل بالتنسيق مع القوى الأمنية اللبنانية، وثمة خيوط إيجابية»، في حين رفضت السفارة المصرية في بيروت الكشف عن تفاصيل تتعلّق بالمستجدات الأمنية، مكتفية بالقول إنها تتابع الموضوع عن كثب.
«أنا في لبنان!»
كان علي توكل علي راغب (مواليد 1985)، متوجهاً من الكسليك، حيث يعمل في إحدى صالات السينما، إلى منزل شقيقه محمد في جونيه عند الثانية عشرة من ليل السادس والعشرين من الشهر الفائت، عندما اختفى.
يقول محمد، الذي يعمل في دير للراهبات، إن شقيقه المقيم في لبنان منذ سبع سنوات، اختطف فيما كان يستقل «فان». وبعد اختطافه بيوم واحد، اتصل مجهول من رقم خلوي سوري بمحمد، وأبلغه أن «شقيقك مخطوف، نريد مبلغ 2500 دولار لقاء إطلاق سراحه».
خلال المكالمة، كان محمد يسمع صراخ شقيقه. وطالبه الخاطف بإرسال «المبلغ عبر شركة تحويل الأموال «ويسترن يونيون» إلى طرطوس، باسم عامر علي رضا، وإلا أرسلنا لك شقيقك جثة هامدة».
لم يتجرأ محمد على إبلاغ القوى الأمنية، امتثالاً لطلب الخاطف، فعمد إلى جمع المبلغ من أصدقائه العمّال «كل منهم دفع حوالى مئة دولار، ومنهم من كان ينوي إرسالها لذويه في مصر»، ثم أرسلها إلى رضا في اليوم نفسه.
انتظر شقيق المخطوف أن يتصل به الخاطف، وهكذا كان: «لقد وصل المبلغ، لكننا نريد 1500 دولار إضافية». ثم سمح لعلي بأن يحادث شقيقه، وكانت المفاجأة أنه أبلغه «أنا في لبنان، ولست في سوريا!»، قالها علي قبل أن تنهال عليه الكدمات، وتنتهي المكالمة بسماع محمد لصوت شقيقه وهو يبكي.
يقول محمد إنه بعد المكالمة الهاتفية، وعندما تيقّن أنه لن يستطيع تأمين المبلغ، أبلغ كل الأجهزة الأمنية اللبنانية، من قوى الأمن الداخلي ومخابرات الجيش والأمن العام وأمن الدولة، بالإضافة إلى السفارة المصرية في بيروت، التي طلبت من محمد عدم دفع الأموال وقيل له «نحن سنتابع الموضوع، لا تخف».
خاف محمد أكثر وأكثر، عندما انقطع اتصاله بشقيقه منذ الثامن والعشرين من الشهر الفائت، وازداد توجسه عندما «صرت اتصل بالسفارة، ولا يردّون على مكالماتي في معظم الأحيان»، كما يقول، مشيراً إلى أن «الغريب هو صوت التسجيل الآلي، الذي يصدر عند الاتصال برقم الخاطف، حيث يسمع الصوت الرسمي لشبكة «أم تي سي» حيناً، وصوت تسجيل شبكة «أم تي أم» السورية حيناً آخر».
ويلفت محمد، بصوت متوجس، الى أن «كل ما أريده هو معرفة إن كان شقيقي حياً، أم إنه قتل، خصوصاً أن تهديدات الخاطفين جدّية»، مشيراً إلى أنه احتفظ بتسجيل صوتي للخاطف المجهول، وتبيّن أنه الصوت نفسه الذي اتصل بشقيق هشام عوض وقريب حمد الصفطي، كما «انني أسمعت القوى الأمنية التسجيل، لكنهم لم يأخذوه، فقط استمعوا إليه».
ويؤكد محمد، الذي أصبح مديوناً ولا يملك ثمن تعبئة هاتفه الخلوي كما يقول، أنه قبل سبع سنوات دفع للمهرّبين الذين أدخلوا شقيقه إلى لبنان من الأردن مبلغ 1300 دولار كما طلبوا، وبعدها حصل علي على إقامة وأصبحت كل أوراق إقامته قانونية، مستبعداً بذلك أن تكون عملية الخطف قد وقعت لقاء مستحقات التهريب، قائلاً: «الآن، بعد سبع سنوات؟ ولو أن ذلك صحيح، لكانوا خطفوني أنا، لا شقيقي. بالإضافة إلى أنهم نسوا وجهه طبعاً! إنها عملية خطف لقاء فدية».
رسالة نصية: «ابنك مخطوف»
يقول حسام عوض، شقيق هشام (24 عاماً) الذي أطلق سراحه أمس في سوريا، ان هشام كان متوجهاً، مساء الثالث والعشرين من الشهر الفائت، إلى منزل ابن عمه الواقع في جبيل من مقر عمله في محطة الوقود التي يعمل فيها في المدينة. وفي اليوم التالي، تلقى والد هشام المقيم في مصر، رسالة نصية على هاتفه الخلوي تقول «ابنك مخطوف. نريد أموالاً لإطلاق سراحه».
اتصل والد هشام بحسام، مطلعاً إياه على تفاصيل الرسالة والرقم الخلوي السوري. وعلى الفور، اتصل حسام بالشخص الخاطف، فطلب منه الأخير إرسال مبلغ ثلاثة آلاف دولار عبر شركة تحويل الأموال نفسها، أي «وسترن يونيون»، إلى رضا، أي الاسم نفسه، في طرطوس.
جال حسام على أصدقائه العمّال، الذين تبرّعوا له بالمبلغ، وأرسله كما تم الاتفاق مع الخاطف، في اليوم التالي للمكالمة الهاتفية. وفي اليوم الثاني، اتصل حسام بالخاطف قائلاً له ان هشام لم يصل إلى لبنان بعد، فردّ عليه بصوت حازم «كيف ذلك؟ لقد أعطيته مبلغ خمسين ألف ليرة لبنانية، وأوصلته إلى سيارة أجرة لتقله إلى بيروت!»، ثم أقفل الخط.
اضطرب حسام من رد فعل المجهول، فعمد، برغم تهديداته، إلى إبلاغ كل الأجهزة اللبنانية المعنية، بالإضافة إلى السفارة المصرية في بيروت، وأخبرهم بالتفاصيل كافة وبالرقم السوري، الذي تبيّن أنه الرقم نفسه الذي كان يتصل منه المجهول بذوي المخطوفين الآخرين.
في الثامن والعشرين من الشهر الفائت، أي بعد مرور خمسة أيام على اختطاف هشام، اتصل المجهول من الرقم الخلوي نفسه بحسام، وقال له: «شقيقك ما زال هنا. ونحن نريد 1500 دولار إضافية»، فردّ عليه حسام قائلا «سأعطيك كل ما تريده من أموال، لكن ما هي الضمانة بأنك ستطلق سراح شقيقي؟ أطلق سراحه أولا، وأرسل إليك كل ما تريده». إلا أنه لم يكد يكمل عبارته، حتى أُقفل الهاتف، وكان ذلك هو الاتصال الأخير، حتى جاءته مكالمة أمس من هشام وليس من الخاطفين.
يقول حسام ان شقيقه موجود الآن في السفارة المصرية في دمشق، وقد اتصل السفير المصري بوالد هشام ليؤكد له أن ابنه بخير. ويؤكد حسام أن شقيقه دفع مبلغ ألف وسبعمئة دولار قبل سبع سنوات، كرسم للمهرّبين الذين أدخلوه إلى لبنان، «مثله مثل كل العمّال المصريين. لكنه حصل لاحقا على إقامة وأصبحت كل أوراقه شرعية».
عائلة حمدي تنتظر عودته
إلى ذلك، يشير ع.، وهو قريب المخطوف حمدي حسن الصفطي (48 عاماً) الذي يعمل في إحدى المطابع في جونيه، إلى أن حمدي اختطف في الرابع والعشرين من الشهر الفائت، و«تلقينا اتصالاً من الخاطف في اليوم نفسه، يقول إنه يريد مبلغ ألف وخمسمئة دولار لقاء إطلاق سراحه».
وفي اليوم الثاني، أرسل ع. المبلغ المطلوب، بعدما استدانه من أصدقائه العمّال، وتحدّث مع حمدي «الذي كان يبكي ويصرخ من الوجع، قائلاً لي عبارة واحدة: «أرسل لهم ما يريدون. سأموت». وتبينّ، كما يقول ع.، أن الرقم الخلوي هو نفسه الذي اتصل بحسام وعلي، كما أن الصوت هو أيضاً نفسه.
ويشير ع. إلى أن الاتصال انقطع مع الخاطف منذ الثامن والعشرين من الشهر الفائت، وهو التاريخ نفسه الذي انقطع اتصال علي بالجهة الخاطفة، مؤكداً أن «حمدي دفع كل الرسوم للجهة التي هرّبته إلى لبنان قبل عامين، لكنه لم ينته من إجراء الأوراق القانونية لإقامته، أي ان إقامته غير شرعية، وقد اختطف من الأراضي اللبنانية، وليس من سوريا، كما تقول بعض الجهات والوسائل الإعلامية».
ويقول ع. إن عائلة حمدي، المقيمة في مصر، والمؤلفة من زوجة وولدين، متوجسة كثيراً من الأخبار التي انقطعت، خصوصاً ان مكالمة حمدي الأخيرة «بثّت في نفوسنا الرعب، وكل ما نتمناه الآن هو أن يكون حمدي على قيد الحياة».