حلقـة نقـاش لـ «الـزيتـونـة» عـن القضيـة الفلسطينيـة: لا تغييـرات استـراتيجيـة فـي ظـل العجـز والانقسـام

كثيرة هي التغييرات التي شهدها العالم العربي خلال العام 2010، بتداعياتها التي ستطبع الحياة السياسية والاجتماعية في بلداننا، بدءاً بإعادة رسم خريطة السودان مع ولادة «دولة» جديدة في الجنوب، مروراً بتكريس الانتقال الدراماتيكي لمركز الثقل السياسي في المنطقة إلى تركيا وإيران، وصولاً إلى تحركات الشارع التي بدأت تهز عروش الحكام في شمال افريقيا.
وبرغم ذلك، تبدو التغييرات الاستراتيجية المرتبطة بالقضية الفلسطينية شبه هامشية مقارنة بغيرها، وإن كان العام المنصرم قد شهد سلسلة تطورات كسرت تلك الحركة النمطية الذي اتسم بها الملف الفلسطيني خلال السنوات الماضية.
ولعل أبرز هذه التطورات، إقرار «فريق التفاوض» في السلطة الفلسطينية بعقم العملية السياسية مع إسرائيل، ما أوجب البحث عن خيارات بديلة، من بينها التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لانتزاع اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، فضلاً عن الانتصار الذي حققه قطاع غزة بعدما حاصر محاصريه بقوافل التضامن الدولية.
في المقابل، استقر الوضع الداخلي الفلسطيني على حال من الركود يبدو أن فريقي السلطة، فتح وحماس، قد ألفاها، وهو ما تبدّى في عدم قدرتهما - أو على الأصح رغبتهما ـ على إنهاء الانقسام الداخلي المدمّر.
وانطلاقاً من تلك التطورات، أقام مركز «الزيتونة» للدراسات، أمس، حلقة نقاش حول القضية الفلسطينية في العامين 2010 و2011 بمقاربتين «تقييمية» و»تقديرية» على المستوى الاستراتيجي تناولت محاور مختلفة من بينها: الوضع الفلسطيني الداخلي، والمشهد الإسرائيلي، الموقف العربي، والأوضاع الدولية.
الوضع الفلسطيني
وفي الجلسة الأولى، التي خصصت لمناقشة الوضع الفلسطيني الداخلي، وترأسها محمود سويد، اعتبر الزميل صقر ابو فخر أن «الوضع في فلسطين الآن، وبالتحديد في غزة، بات يشبه الوضع في جنوب لبنان، حيث لا سلم ولا حرب ولا مقاومة، في حين تحولت قوى المقاومة إلى قوة ردع في حال وقوع أي عدوان، ما يعني أن الجبهة الفلسطينية باتت كالجبهتين اللبنانية والسورية، مواقع مهمة للردع والممانعة، ولكنها ما عادت مواقع للمقاومة الناشطة والفاعلة».
أما الباحث ماجد أبو دياك، فأشار إلى أنّ العام 2010 مرّ من دون أي تغيير على تركيبة الوضع الداخلي الفلسطيني، الذي استمر وفق رؤيتين سياسيتين مختلفتين تتحكم كل منهما برقعة جغرافية محددة، فيما تضاعفت المعاناة الفلسطينية بتداعيات الانقسام، في حين واجهت حركة فتح بوادر أزمة داخلية جديدة.
بدوره، لفت الباحث سهيل الناطور، إلى استمرار عناوين الصراع والمعضلات التي تتراكم منذ سنوات، بين محاولات لتجاوز الانقسام الفلسطيني، وجولات صراع سياسي بين فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية حول قضايا المفاوضات وبناء مؤسسات الدولة، وفك الحصار عن غزة، وغموض مآل قضية اللاجئين.
المشهد الإسرائيلي
أما الجلسة الثانية، التي أدارها الدكتور مجدي حمّاد، فتناولت المشهد الإسرائيلي والموقف العربي، وتحدث فيها الباحثان عبد الحميد الكيالي ومحمد جمعة، والمحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري.
وأشار الكيالي إلى أن المشهد السياسي الإسرائيلي استمر في الانزياح أكثر فأكثر نحو اليمين العنصري المتشدد، وما نتج من ذلك من قوانين عنصرية استهدفت فلسطينيي العام 1948. ولفت إلى أنّ إسرائيل ما زالت مستمرة على تطبيق سياستها القائمة على ثلاثة أسس: إبقاء الاحتلال، وإعادة تشكيل المجتمع الفلسطيني، وإعاقة التنمية الاقتصادية.
من جهته، رأى المصري أن أهم ما يميز المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية هو أنها بدأت وهي محكوم عليها بالفشل، لأنها تتم في ظل اختلال فادح بميزان القوى، وغياب الاستعداد لدى الاحتلال للتسوية، وغياب الإرادة الدولية الكافية لإنجاحها، وعدم استخدام العرب أوراق ضغط لفرضها، ومعاناة الفلسطينيين من انقسام مدمر.
وحول الوضع العربي، لفت جمعة إلى استمرار العجز العربي إزاء الوضع الفلسطيني، وفشل الأطراف العربية مجدداً في الضغط على الطرف الأميركي لتحسين شروط العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، معتبراً أن تاريخ الاستجابات العربية في السنوات العشر الأخيرة لا يشي بوجود أي تغير في العام 2011.
الأوضاع الدولية
أما الجلسة الثالثة، التي أدارها صلاح الدين الدباغ، فناقشت موقف العالم الإسلامي والمواقف الدولية من القضية الفلسطينية، وتحدّث خلالها كل من الدكتور طلال عتريسي، والزميل محمد نور الدين، والباحث وليد عبد الحي.
واعتبر عتريسي أن انكفاء الدول الإسلامية على ذاتها بات يؤثر سلباً في اهتمامها بالقضية الفلسطينية، لافتاً إلى أن الأولويات باتت متعددة في العالم الإسلامي، ولم تعد فلسطين عملياً هي القضية المركزية.
أما نور الدين فأشار إلى أن سنة 2010 كانت شاهدة على بلوغ التوتر في العلاقات التركية - الإسرائيلية ذروة غير مسبوقة نتيجة الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية»، لكنه لفت إلى أنه بالرغم من الخطاب التركي العالي النبرة، وبعض الإجراءات التي اتخذتها تركيا تجاه إسرائيل، إلا أن رد الفعل التركي على الاعتداء على «أسطول الحرية» لم يرتفع إلى حجم الاعتداء ذاته.
من جهته، رجّح عبد الحي أن يتم، في ضوء المعطيات الراهنة، دفع الجهود الدبلوماسية الدولية في العام 2011 باتجاه دعم مشروع سلام فياض «دولة الأمر الواقع»، بوصفه الحل الأكثر تحقيقاً للجهود الدولية.