الجـيـش والشـارع يطـاردان عصـابـات بـن علـي

واجهت مرحلة ما بعد إطاحة زين العابدين بن علي، استحقاقات حساسة خلال اليومين الأخيرين، مع انطلاق عملية تشاورية للإعلان اليوم عن حكومة وحدة وطنية، وتصدي القوات العسكرية بدعم من المواطنين لعصابات أطلقها النظام السابق لتبثّ الفوضى في أنحاء البلاد، فيما لا يزال الشارع التونسي يعرب عن حذره من وجود حزب التجمع الدستوري الموالي للرئيس السابق في السلطة، ويلوّح بمزيد من الاحتجاجات في حال تبيّنت صحة ذلك (تفاصيل ص 13)، لا سيما بعد ترجيح بقاء رموز من السلطة السابقة في الحكم.
وقال مصدران مقربان من مفاوضات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة إن ثلاثة من زعماء المعارضة التونسية سيتولون مناصب وزارية في التشكيل الحكومي وسيبقى وزيرا الخارجية والداخلية في موقعيهما. وقالت المصادر إن مؤسس الحزب الديموقراطي التقدمي نجيب الشابي، سيكون وزير التنمية الجهوية، وسيشغل زعيم حزب التجديد أحمد إبراهيم منصب وزير التعليم العالي وسيشغل رئيس حزب الاتحاد من أجل الحرية والعمل مصطفى بن جعفر منصب وزير الصحة. واضافت المصادر إن أحمد فريعة الذي عين وزيراً للداخلية الأسبوع الماضي ووزير الخارجية في الحكومة السابقة كمال مرجان باقيان في موقعيهما.
وبعدما أدى رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع اليمين الدستورية رئيساً موقتاً للبلاد، وطلب من رئيس
الوزراء محمد الغنوشي تشكيل حكومة وحدة وطنية وقالت السلطات الدستورية إنه يجب اجراء انتخابات رئاسية في غضون 60 يوماً. وأجرى الغنوشي المزيد من المشاورات لمحاولة ملء الفراغ الذي خلفه فرار بن علي الى السعودية بعد 23 عاماً في الحكم. وقال الشابي بعد محادثات مع الغنوشي امس الاول إن الانتخابات يمكن ان تجرى تحت اشراف دولي خلال ستة أو سبعة أشهر.
وصرحت الامينة العامة للحزب الديموقراطي التقدمي (معارضة) ميا الجريبي ان «تشكيلة الحكومة الجديدة ستعلن غداً (اليوم الإثنين)»، وقالت «اتخذ قرار بالتوافق على استبعاد الاحزاب المناصرة للحكومة. وستتشكل الحكومة الجديدة من ممثلين لحركة التجديد والحزب الديموقراطي التقدمي والجبهة الديموقراطية للعمل والحريات ومن شخصيات مستقلة». وهذه الاحزاب الثلاثة كانت من ضمن المعارضة المعترف بها في البلاد. وتابعت الجريبي «الانتخابات المقبلة ستراقبها لجنة مستقلة ومراقبون دوليون من أجل انتخابات حرة وشفافة»، موضحة ان الاحزاب الثلاثة طلبت عفواً عاماً عن جميع السجناء السياسيين. وفي لندن أعلن رئيس حزب النهضة الاسلامي راشد الغنوشي أنه «يستعد» للعودة الى تونس وهو مستعد للمشاركة في حكومة وحدة وطنية.
أما ميدانياً، وفيما اعتقل الجيش التونسي المدير السابق لأمن بن علي الجنرال علي السرياطي، بتهمة «التآمر على أمن البلاد» لضلوعه في توجيه عمليات الاعتداء على المواطنين وأملاكهم من قبل عصابات ميليشيوية موالية للنظام السابق، دارت معركة بين القوات العسكرية والأمن الرئاسي في محيط القصر الرئاسي قرب تونس العاصمة.
وأعلن التلفزيون الحكومي في وقت سابق عن وقوع معركتين مسلحتين إحداهما بالقرب من مبنى البنك المركزي والأخرى خارج مقر حزب معارض على بعد نحو كيلومتر واحد من المعركة الأولى في كسر للهدوء النسبي الذي فرضه الجيش. وقال مراسل التلفزيون من موقع الاشتباكات نقلاً عن مصادر في الجيش والشرطة إن قوات الأمن قتلت اثنين من المسلحين كانا فوق سطح قرب البنك المركزي.
من جهتها، أجرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اتصالاً هاتفياً بنظيرها التونسي كمال مرجان أعربت فيه عن «دعم الولايات المتحدة للشعب التونسي»، و«حثت كلينتون الحكومة التونسية على العمل على إعادة النظام في البلاد بطريقة مسؤولة في أقرب وقت ممكن»، وشددت أيضاً «على أهمية معالجة المخاوف الشعبية إزاء انعدام الحريات المدنية، والفرص الاقتصادية، والحاجة إلى المضي قدماً في إجراء انتخابات ديموقراطية ذات مصداقية».
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة «تنظر بإيجابية للتصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء محمد الغنوشي والرئيس الموقت فؤاد المبزع التي تشير إلى استعدادهما للعمل مع التونسيين من مختلف الأطياف السياسية داخل المجتمع المدني لتشكيل حكومة تمثل الجميع على نحو حقيقي». كما عرضت كلينتون مساعدة الولايات المتحدة للتونسيين لمواجهة هذه التحديات، وطمأنت وزير الخارجية التونسي أن «الولايات المتحدة ستقف مع تونس وهي تتقدم إلى الأمام لمواجهة هذه التحديات».