تراجع الحياة الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية وأثر الانقسام عليها
شهدت الأراضي الفلسطينية تراجعا ملحوظا فيما يتعلق بممارسة المواطن الفلسطيني لحقه في حرية التعبير والذي يعتبر بدوره حق من حقوق الإنسان الأساسية وذلك نتيجة الانقسام الداخلي في النظام السياسي وعلى الرغم من ما جاء في القانون الأساسي الفلسطيني بأنه لا مساس بحرية الرأي وان لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشرة بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون إلا أن هذا الحق تعرض للانتهاك سواء في الضفة الغربية أوفي قطاع غزة من قبل الأجهزة الأمنية وذلك من خلال الاعتقالات التعسفية التي تتم نتيجة ممارسة المواطنين لهذا الحق ناهيك عن انتهاكات الحريات الإعلامية اعتقال للصحفيين والتضييق والتقييد على حرية الصحافة بشكل عام.
وفي هذا السياق يشير مراسل النهارالاخبارية نزار المزين وبعد التنقيب في العديد من الدراسات الحقوقية والسياسية إلى الانتهاكات الواردة على القانون الأساسي فيما يتعلق بحرية تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام أليها وقد شهدت الضفة وغزة ولغاية الآن اعتقالات تعسفية وغير قانونية فيما بات يعرف بمصطلح الاعتقال السياسي لحماس في الضفة الغربية ولفتح في قطاع غزة مما شكل عنوانا سيئا للمرحلة وكان احد أهم معالم الانقسام وتداعياته الخطيرة على أبناء شعبنا وقضيتنا.
لقد كان لتعطيل عمل المجلس التشريعي الأثر الكبير على تراجع الحياة الديمقراطية للشعب الفلسطيني نتيجة الانقسام السياسي الذي حصل في عام2007 والمستمر لغاية الآن وعلى الرغم من أن أعضاء المجلس التشريعي الحالي تم انتخابهم من قبل الشعب ولم تنتهي مدة ولايتهم إلا أن المقصود هنا عدم تمكين المجلس التشريعي من أداء دوره المنوط به حسب القانون وهو إصدار التشريعات والقوانين والرقابة على عمل الحكومة مما أدى إلى تعطيل إحدى السلطات الثلاث المهمة في الدولة والتي يقوم على أساسها النظام السياسي الفلسطيني بموجب القانون الأساسي المعدل والجديد ذكره في هذا الإطار أن المجلس التشريعي الحالي ومنذ انتخابه لم يصادق على أي قانون وبالتالي أصبحت العملية التشريعية معطلة وفتحت المجال أمام الاجتهادات التي تم من خلالها استخدام الرئيس لصلاحياته الواردة في المادة(43)من القانون الأساس والتي من خلالها اصدر بعض القوانين التي رأى بأنها ضرورية وأيضا دفع بأعضاء كتلة التغير والإصلاح في المجلس التشريعي بغزة إلى إصدار بعض التشريعات والذي بدوره ساهم في تعزيز حالة الانقسام.
أما بنسبة للسلطة التنفيذية (الحكومة)وللأسف ونحن نتحدث بمرارة كبيرة عن هذه القضية فإننا أصبحنا وبحكم الواقع أمام حكومتين واحدة بضفة والأخرى بغزة الأولى شكلها الرئيس وأعطاها الثقة ولكنها لم تحصل على ثقة المجلس التشريعي حسب القانون واعتبرت نفسها حكومة تسير أعمال والثانية حصلت على ثقة الرئيس والمجلس التشريعي ولكن أقالها الرئيس بعد أحداث غزة واعتبرت نفسها حكومة مقالة و حكومة تصريف أعمال ولكن المهم في هذا الإطار أن كلا الحكومتين تعملان في ظل غياب الرقابة البرلمانية حسب القانون الأساسي الذي أعطى هذه الصلاحية لأعضاء المجلس التشريعي في مناقشة واستجواب الوزراء بصفتهم ممثلين عن الشعب.
وانطلاقا من حق المواطن في المشاركة في الحياة العامة والحياة السياسية وتداول السلطة التي أكد عليها القانون الفلسطيني المعدل بان للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات وحقهم في التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقا للقانون وبناء على ذلك نظم القانون الخاص لإجراء الانتخابات المحلية آلية تنفيذها من خلال النصوص واضحة المعالم.
وعلى الرغم من إصدار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في كانون أول في عام 1996قانون رقم (5)لسنة1996بشان قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية ونشر القانون وأصبح نافذا في شهر كانون ثاني لعام 1997الا انه مرت ثماني سنوات قبل أن تجري السلطة أي انتخابات محلية على الرغم من الإعلانات غير الرسمية الكثيرة في هذا الصدد ومطالبة مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بضرورة إجراء هذه الانتخابات.
وبتاريخ10-5-2004بدأ عهد جديد يؤسس لحياة ديمقراطية وإلى مشاركة المواطنين في الحياة العامة وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء الفلسطيني الشروع في إجراء انتخابات الهيئات المحلية ورغم صدور هذا القرار إلا انه حدد إجراء الانتخابات على أربع مراحل التي يؤخذ عليها أنها لم تجري في آن واحد وغياب الأسس والمعايير التي تم على أساسها تحديد الهيئات المحلية المشمولة بتلك المراحل وبرر وزير الحكم المحلي آنذاك ذلك بعدم وجود خبرة فلسطينية في مجال الانتخابات وان إجراء انتخاب الهيئات المحلية كافة دفعة واحدة كان من شانه أن يؤدي إلى فشلها .
لقد انطلقت بداية هذه الانتخابات من خلال مرحلتها الأولى بتاريخ 23-12-2004وضمت(26)هيئة محلية في الضفة الغربية و(10)هيئات محلية في قطاع غزة وجريت هذه الانتخابات بتاريخ 27-1-2005وفقا للتعديل الذي جرى على القانون رقم (5)لسنة1996من قبل رئيس السلطة الوطنية ونشر بتاريخ5-12-2004واصبح نافذا من تاريخ نشره،
كما جريت الانتخابات المحلية بتاريخ 5-5-2005والتي شملت (84)هيئة محلية(76)في الضفة الغربية(
في قطاع غزة بعد أن تم تأجيلها في موقعين لتاريخ19-5-2005وجرت هذه الانتخابات على نفس المرجعية القانونية التي تمت على أساسها المرحلة الأولى،
وعلى الرغم من ذلك لم تجر المراحل الأخرى وحتى المراحل التي تمت انتهاء فترة ولايتها ولم تجري انتخابات فيها وأعلن وزير الحكم المحلي عن عدم إجرائها حتى أخر سنة2009وتم التمديد للمجالس المحلية بشكل مخالف للقانون.
والسؤال المطروح الآن هل ستعتمد سياسة التعيينات بدلا من الانتخابات؟؟ أم عمل الانتخابات في ظل الانقسام السياسي ووجود حكومتين أصبح مستحيلا حتى يلتئم الجرح وينتهي الانقسام؟؟
وأخيرا وفي إطار العمل على ترسيخ مفهوم الحق في المشاركة في الحياة العامة وتداول السلطة فانه من الضروري اتخاذ إجراءات فاعلة وحقيقية من اجل ضرورة إنهاء حالة الانقسام التي أصبحت تهدد الحياة الديمقراطية برمتها وأدت إلى تراجع في منظومة حقوق الإنسان والى تراجع كبير في الحياة الديمقراطية التي ناضل شعبنا من اجل تحقيقها جنبا إلى جنب مع نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي فان المطلب الرئيسي هو الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال وإنهاء حالة الانقسام وضرورة انعقاد المجلس التشريعي وممارسة مهامه وإعادة فتح الجمعيات التي تم إغلاقها وكف يد الأجهزة الأمنية من التدخل في شؤونها وضرورة العمل على إجراء الانتخابات المحلية وفي النقابات المهنية التي لم تجري فيها الانتخابات من اجل العودة إلى الحياة الديمقراطية وسيادة القانون.