لهذه الأسباب انشق باراك عن "العمل"/غازي السعدي

لهذه الأسباب انشق باراك عن "العمل"/غازي السعدي

تحليل أسبوعي
1-2
جاء انشقاق وزير الحرب "ايهود باراك" عن حزب "العمل"، وإعلانه عن تشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم "عتصمؤوت" – الاستقلال- على خلفية اقتراب انعقاد مؤتمر حزب "العمل"، في جلسة غير عادية، وبطلب من قبل معظم أعضاء مؤتمر هذا الحزب، الذين وضعوا على جدول أعمال المؤتمر، انسحاب الحزب من الائتلاف الوزاري الذي يقوده "بنيامين نتنياهو"، بسبب تعطل العملية السياسية، والتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، "فباراك" الذي يريد التمسك بكرسي الوزارة بأي ثمن، كوزير للحرب، تآمر مع "نتنياهو" في التخطيط لما قام به، بشق حزب "العمل" والخروج منه مع أربعة من نواب ووزراء الحزب، في أعقاب اشتداد المطالبة من قبل عدد من وزراء ونواب وكوادر الحزب بالانسحاب من حكومة "نتنياهو" – قبل انسحاب باراك ولفيفه-على خلفية انهيار العملية السياسية، فقبل موعد انعقاد مؤتمر الحزب المقرر، استبق "باراك" الاجتماع ليقرر الانسحاب وتشكيل حزبه الجديد، ويشارك في هذا الانشقاق "متان فلنائي" الذي كان نائباً لوزير الحرب "باراك"، فأصبح بعد الانشقاق، وزيراً في وزارة الحرب للجبهة الداخلية إضافة إلى منصبه السابق، و"شالوم سمحون" الذي كان وزيراً للزراعة، ترقى ليصبح وزيراً للصناعة والتجارة، ونائبة وزير الصناعة والتجارة "نوريت نوكيد" لتصبح وزيرة للزراعة، ونائبة خامسة، وكانت قد دخلت الكنيست قبل أشهر في أعقاب استقالة أحد النواب المعارضين لسياسة "باراك"، أسند إليها رئاسة لجنة في الكنيست، مما يتبين أن لا مبادئ ولا قيم في السياسة ولدى السياسيين في إسرائيل، فالإهداف والمصالح الشخصية تتقدم على البرامج والمبادئ، وكل شيء معروض للبيع والشراء.
المحلل السياسي في جريدة "هآرتس"، "آريه شبيط" كتب يقول بأن "باراك" قام بخطوة بشعة للغاية، وأن ما قام به لا يمنح إسرائيل أملاً في المستقبل، ولا يرفع من مكانتها دولياً، وأظهر "باراك" في صورة الانتهازي الوقح، وبدلا من أن يقود سفينة حزبه "العمل" إلى شاطئ الأمان، اختار أن يُحطمها على الصخور الهائجة، والفرار منها قبل غرقها، وكتبت جريدة "يديعوت احرونوت" بأن "باراك" تحول من شريك إلى عميل، كما كتبت جريدة "معاريف" بأن "باراك" رمز للفشل، ووصف سياسيون ومعلقون وقادة في حزب "العمل" ما قام به "باراك" بالنذالة السياسية والانتهازية، وأن هدفه الوحيد الحفاظ على كرسي وزارة الحرب، مما يدل على أنه دون أيديولوجية أو قيم، ولا يمكن الغفران لهذا الرجل عن فعلته، وقالوا أن مواقفه متقلبة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الحزب، من خلال تصرفاته التي تقتضيها مصلحته الشخصية، فهو فاقد للمصداقية، فأثناء التصويت في الكنيست للمصادقة على التعديلات والمناصب الوزارية الجديدة ثار الكثير من اللغط، وقام نواب حزب "كديما" برش قاعة الكنيست بمطهرات في الهواء، بدعوى أنهم يريدون تطهير الجو من العفونة السياسية، من قبل كل من "باراك"و"نتنياهو"، الأمر الذي دفع برئيس الكنيست إلى إخراج النواب الذين قاموا برش المطهر من الجلسة.
"باراك" في محاولته تبرير هذا الانشقاق ادعى بأن الكثيرين من القيادات الإسرائيلية قاموا بما قام به، "فأرئيل شارون" انشق عن حزب "الليكود"، وأقام حزب "كديما"، و"شمعون بيرس" الذي كان رئيساً لحزب "العمل" وعندما لم يُنتخب من جديد، انسحب من الحزب مع عدد من نواب الحزب، وانضموا إلى حزب "كديما"، ومن خلال تأييد هذا الحزب له أصبح رئيساً للدولة، ويذكر أيضاً أن مؤسس دولة إسرائيل، "دافيد بن غوريون"، انشق عن حزب "مباي" الذي أصبح فيما بعد حزب "العمل"، وأقام حزب "رافي" وكان معه في هذا الانشقاق "موشيه ديان"، و"شمعون بيرس"، وآخرون، مما يؤكد أن المصالح الشخصية هي الغالبة، وأن الخارطة السياسية – الحزبية في إسرائيل متذبذبة وتتغير بين حين وآخر، فحصول حزب "باراك" الجديد الذي له خمسة نواب في الكنيست على أربعة حقائب وزارية، أثار تململاً داخل حزب "الليكود" الذي يرأسه "نتنياهو"، وهو أمر غير مسبوق.
"باراك" الذي اعتبر أن حزب "العمل" أصبح أكثر يسارية وانتقل إلى مرحلة ما بعد الصهيونية فإن موقع حزبه الجديد يقع الى يسار "الليكود، ويمين حزب "كديما"، وفي الخارطة السياسية لا مستقبل لهذا الحزب، فالمعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية. بأن اتفاق "باراك" مسبق مع "نتنياهو"، يقضي بمنح "باراك والمنشقين معه أماكن مضمونة في قائمة "الليكود" لانتخابات الكنيست القادمة، "فنتنياهو" كان شريكاً مع "باراك" في هذا الانشقاق، الذي يهدف إلى تدمير حزب "العمل" نهائياً، والمعلوم أن باراك هو المسؤول عن تراجع حزب "العمل" في انتخابات الكنيست عام 2001، على خلفية فشل قمة "كامب ديفيد" للسلام في شهر تموز من عام 2000، هذه القمة التي رعاها الرئيس الأميركي السابق "بيل كلينتون" وبمشاركة الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات"، فهذا الفشل كلفه هزيمة انتخابية في انتخابات عام 2001، فحزب "العمل" الذي حصل في انتخابات عام 1992 برئاسة "اسحاق رابين" على (44) مقعداً في الكنيست أخذ بالتراجع، إلى أن حصل في انتخابات عام 2008 برئاسة "ايهود باراك" على (13) مقعداً فقط.
أما "نتنياهو" فيظن خاطئاً بأن هذا الانشقاق سيؤدي إلى تعزيز قوة حكومته في ممارسة حكمها وزيادة قوة استقرارها، موجها رسالة إلى العالم وإلى الفلسطينيين بأن يعلموا بأن هذه الحكومة ستستمر بالحكم للسنوات المقبلة، وعلى الفلسطينيين أن يعرفوا بأن مفاوضاتهم ستكون مع هذه الحكومة، وأن لا يتوقعوا سقوطها وإجراء انتخابات جديدة قبل أوانها، ليتفاوضوا مع حكومة أخرى، وأن أمامهم عنواناً واحداً، وجدول أعمال واحداً، عليهم أن يدركوا ذلك، لكن المثير للضحك قول "نتنياهو" بأن المسيرة السياسية الآن أصبحت أقوى، وما يقصده "نتنياهو" هو أن اشتراطاته للسلام هي عنوان المفاوضات القادمة إذا ما جرى استئنافها، مع أن الائتلاف الوزاري الذي كان يضم "74" نائباً، انخفض ليصبح "66" نائباً، وأن أكثر الرابحين من خارطة الائتلاف الحالية، هو حزب "إسرائيل بيتنا"، برئاسة افيغدور ليبرمان" والذي له (15) نائباً في الكنيست، ويستطيع ابتزاز الحكومة بالمزيد من القوانين العنصرية ضد العرب، وفرض برنامج حزبه على الحكومة، إذ أن حكومة "نتنياهو" الذي يدعي استقرارها، باتت مهددة بالسقوط من قبل "ليبرمان" إذا لم تتبن تطلعاته المتطرفة.
على صعيد آخر، فإن حزب "العمل" وبعد خروج "باراك" وأتباعه منه -الذي يضم ثمانية نواب بعد الانشقاق- يقال أنه سيتعزز ويقوى، إذ أن الكثيرين ممن تركوا هذا الحزب بسبب معارضتهم لسياسة "باراك"، اخذوا يعودون إليه، فقسم الشبيبة في حزب "العمل" بدأوا يتحركون بقوة، وقرروا أن يثبتوا "لباراك" أنهم لن يذرفوا عليه دمعة بعد ما فعله بالحزب، حتى أنهم قاموا بتمزيق صوره من مركز وفروع الحزب، موجهين الدعوة، لكل من ابتعد عن الحزب بسبب سلوك "باراك" العودة إليه الآن.
وخلاصة القول، فإن الانشقاقات والخلافات لا تقع في صفوفنا فحسب، بل أنها تقع في صفوفهم أيضاً، وأن الاغتيالات والتصفيات التي تقع في صفوفنا، وقعت في صفوفهم أيضاً وفيما بينهم، إلا أن الفارق بأنهم يجلسون على الأرض، على عكس وضعنا المبعثر، وما يجري في إسرائيل من خلافات ليس على الجوهر، مع أن هناك هوامش محدودة بينهم اتجاهنا، وطالما أن هذه تبجحات "نتنياهو" الذي يسعى لفرض حله على الفلسطينيين، بدعم وحماية أميركية، فإن الخيار الفلسطيني يجب أن يكون بحل السلطة الفلسطينية وتحميل الاحتلال الأعباء.

تحليل أسبوعي ..
من هو ايهود باراك؟
2-2-
من مواليد عام 1942، ولد في أحد الكيبوتسات في فلسطين، أب لثلاثة أبناء من زوجته الأولى وبعد الطلاق منها تزوج من سيدة أعمال تدعى "نيلي بارئيل"، درس الرياضيات والفيزياء عام 1968 في الجامعة العبرية في القدس، وحصل على شهادة البكالوريوس، ثم درس موضوع تحليل الأنظمة في جامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا الأميركية، وحصل على شهادة الماجستير.
تجند في الجيش الإسرائيلي عام 1959، وأدى خدمته العسكرية في سلاح المدرعات، وفي حرب عام 1967 حارب كقائد طاقم استطلاع، وبين أعوام 1971-1973 خدم في وحدة هيئة الأركان النخبوية "سييرت متكال" وتم تعيينه قائداً لها، وفي شهر أيار 1972 قاد اقتحام طائرة "سابينا" لإنقاذ المحتجزين من قبل منظمة "أيلول الأسود" التي أرغمت على الهبوط في مطار اللد، وفي عام 1974 قاد عملية "الفردان" في بيروت، حين كان يرتدي ثياب امرأة، مع باروكة شقراء، وعمل على مغازلة حراس البناية قبل اقتحامها واستشهد في هذه العملية كما هو معروف كل من القادة الثلاث: أبو يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر.
في عام 1973، قاد كتيبة دبابات في سيناء في حرب تشرين، وخاض بدباباته معركة المزرعة الصينية، وفي حزيران 1976 ترأس طاقم التخطيط لعملية "عنتيبا" في أوغندا، لإنقاذ ركاب طائرة "ايرفرانس" التي اختطفت من قبل المقاومة الفلسطينية، وفي هذه المغامرة قتل قائد العملية شقيق رئيس الوزراء نتنياهو مع آخرين، وفي عام 1981 رقي إلى رتبة جنرال، وتم تعيينه رئيساً لقسم التخطيط في هيئة الأركان العامة، وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، التي أطلق عليها عملية "سلامة الجليل"، خدم في كتائب القوة التي حاربت في البقاع اللبناني، وفي عام 1983 تم تعيينه رئيساً لشعبة الاستخبارات في القيادة العامة للجيش، وفي عام 1986 عين قائداً عسكرياً للمنطقة الوسطى، وفي عام 1987 عين نائباً لرئيس الأركان، وبين أعوام 1991-1995، عين رئيساً لهيئة الأركان العامة للجيش، وفي تموز 1993 إثر التصعيد الحاصل في الوضع الأمني على امتداد الحدود اللبنانية، بادر مع رئيس الحكومة ووزير الحرب إلى عملية عسكرية في لبنان، أطلق عليها عملية "تصفية الحساب"، وفي عام 1977 شارك "باراك" في التصدي لمجموعة فتح التي دخلت عن طريق البحر، وسيطرت على منطقة الساحل لتل أبيب بقيادة الشهيدة دلال المغربي التي قادت هذه العملية، وشارك باراك في قتلها، وداس بقدمه على رأسها بعد استشهادها.
أما في أيلول من عام 1993 إثر توقيع اتفاقية إعلان المبادئ بين إسرائيل والفلسطينيين، كلف بتطبيق التدابير الأمنية، وإعادة انتشار القوات العسكرية الإسرائيلية في منطقتي غزة وأريحا، اللتين أحيلت السيطرة عليهما إلى الجانب الفلسطيني بموجب اتفاقية المبادئ.
قبل اعتزاله الخدمة العسكرية الفعلية، وفي إطار المحادثات بين إسرائيل وسوريا، التقى مرتين بنظيره السوري في واشنطن، وخلال (35) عاماً من خدمته العسكرية، حصل باراك على أكبر عدد من الأوسمة، وفي إسرائيل يعتبرون أن من إنجازات "باراك أثناء توليه رئاسة الحكومة عام 1999، سحب الجيش الإسرائيلي من المستنقع اللبناني في شهر أيار من عام 2000، غير أن العدوان على لبنان عام 2006 ضد حزب الله، ألقى بظلاله على هذا الانجاز، ويعتبر "باراك" بنظر الإسرائيليين، من الخبراء الإستراتيجيين العسكريين اللامعين.
انضم "باراك" إلى حزب العمل، وفي عام 1995 عين وزيراً للداخلية، وفي عام 1996 وزيراً للخارجية، وفي عام 1996 انتخب نائباً في الكنيست، وفي عام 1999 فاز بالانتخابات العامة لرئاسة الحكومة التي شكلت مع حزبي "ميرتس" و"شاس" الديني، مع أن "باراك" كان يصف الأحزاب الدينية بالفاسدة، وبقي في هذا المنصب لغاية 7 من شهر آذار عام 2001، حين هزم في الانتخابات مقابل "أرئيل شارون" زعيم حزب الليكود آنذاك.
عشية انتفاضة الأقصى عام 2000، وبعد إعلان "شارون" عن نيته اقتحام مسجد الأقصى، توسل إليه الرئيس الفلسطيني "ياسر عرفات" بمنع شارون من هذا الاقتحام، لأن "عرفات" كان يدرك النتائج، لكن "باراك" لم يقم بمنعه مما أدى لوقوع الانتفاضة، التي استشهد وجرح فيها الآلاف إضافة إلى (13) شهيداً من مواطني عرب 1948 على يد الشرطة الإسرائيلية، مما دفع عرب الداخل لمقاطعة "باراك" وحجب أصواتهم عنه، فساهموا في إخفاقه في انتخابات عام 2001، وبعد هذا الفشل استقال من رئاسة حزب العمل، وتفرغ لحياته الخاصة، وعمل على إلقاء المحاضرات وتقديم الاستشارات لشركات دولية، وكسب الكثير من المال من هذا العمل، ثم انضم إلى مجموعة "وولكن" التابعة لشركة "كبيتال" وفي 7/7/2005 عين رئيساً لشركة "غيليت ساتكوم" من مجموعة "وورد غروب"، وبتاريخ 12/6/2007، عاد "باراك" إلى العمل الحزبي، وانتخب بنسبة 51% زعيماً لحزب العمل، مقابل منافسه "عامي ايلون".
حزب العمل كان في الائتلاف الوزاري مع حزب الليكود، في عهد رئيس الوزراء "ايهود اولمرت"، الذي قامت حكومته عام 2006 بالعدوان الفاشل على لبنان، مما أدى إلى استقالة وزير الحرب آنذاك "عمير بيرتس"، فعين "باراك" لهذا المنصب، فتعززت شعبيته لفترة ما، في أعقاب العدوان على قطاع غزة عام 2008، مع أن أوساط اليمين أخذت عليه وقفه للعدوان قبل الأوان، ودون تحقيق نتائج إستراتيجية لهذه الحرب، فيما انتقده اليسار الإسرائيلي لهذه الحرب التي أدت إلى سقوط عدد هائل من القتلى والجرحى الفلسطينيين.
بتاريخ 17/1/2011 انشق عن حزب العمل، وأقام حزبه الجديد، وبقي في منصب وزير الحرب، ويروجون بأن من أسباب ما أقدم عليه "باراك"، مصالح إسرائيل العليا، مثل عملية السلام والتهديد العسكري لإسرائيل من قبل إيران وحزب الله، أما في الموضوع السياسي، وفي موضوع الصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، فليس هناك خلاف في مواقف كل من "باراك" و"نتنياهو" وكلاهما يكرسان الاحتلال.

» شعث: لهذه الأسباب ترفض حماس المصالحة
» لهذه الأسباب.. انقسم الفلسطينيون حتى على "دولتهم"!
» لهذه الأسباب وافق نتنياهو على «ساعة الإغلاق»
» لا جديد في المفاوضات المباشرة والعقبات على حالها / غازي السعدي
» رفاهية باراك تهدد رئاسته لحزب العمل