الجزيرة التضليل وتضليل الآخر

الجزيرة التضليل وتضليل الآخر
بهاء رحال
بهاء رحال / متفقين أن الجزيرة تحظى بنسبة مشاهدة عالية ليس فقط في فلسطين بل في عالمنا العربي وعلى مستوى العرب في العالم ، وقد ساهمت في تطور الإعلام العربي بشكل كبير وكان لها دور متميز فيما شهدته بعض البلدان العربية من نهضة إعلاميه وحققت نقلة نوعيه في مستوى العمل الصحفي الذي كان يعاني من الكثير من القيود الحكومية التي كانت مفروضة عليه (الإعلام ذو الرأي الواحد) ، هذا الأمر الذي لا ننكره لهذه الفضائية التي ساهمت في رفع مستوى المهنية الصحفية والاعلامية مما كان له الاثر المباشر في جوانب عديدة يساهم الإعلام في تطورها داخل المجتمعات ، أقول ذلك حتى نكون منصفين للجزيرة التي كانت انطلاقتها بمثابة أول ثورة إعلاميه عربية يشهدها العالم العربي ، وحتى لا يقال أننا ننكر لها دورها الذي لعبته في رفعة الإعلام وتطور العمل الصحفي بمهنية حتى وصل الى الاحتراف والعالمية .
ومتفقين أيضاً أن الجزيرة القطرية لا تزال تحظى بنسبة مشاهدة عالية وكبيرة وتتمتع بحضور قوي وفعال ، حتى في صفوف من يختلفون معها ومن يمتعظون من توجهاتها التي تقوم بتسويقها ومن تستفزهم برامجها وطريقة عرضها للأحداث وتسلسلها للمواقف والتصريحات ، ومتفقين على أنها تمتلك كادراً إعلامياً مختصاً يتميز بإدائه العالي ومهنيته وقوة حضورة وقبوله لدى المشاهد الأمر الذي يعطيها زخماً واسعاً ونسبه عالية من المشاهدة لهذه الفضائية يميزها عن غيرها حتى لدى من يعارضها الافكار ومن يختلف معها بالنهج ومن يستفزة الاسلوب الذي تتبعه في انتقائها للمواضيع والقضايا التي في الغالب لا تتخذ موقف الحياد بل تتجه نحو الموقف الواحد الذي تسخر كل امكانياتها لتسويقه تحت شعار الرأي والرأي الآخر.
إن فضائية الجزيرة إتخذت منذ نشأتها في تسعينات القرن الماضي موقفاً معلناً من القيادة الفلسطينية ، القيادة التاريخية للشعب الفلسطيني وأخذت منحى آخر في القضية الفلسطينية على وجه الخصوص لم تظهر معالمه في البداية وظننا بأنها تقوم بمهنيتها وان هذا الاختلاف هو جزء من حرية الصحافة والاعلام التي جاءت تنادي اليه ، وظللنا مضللين بهذا حتى بدا واضحاً في مطلع القرن الحالي توجهات هذه القناة والمنطلقات التي تنطلق منها وعدائها المفرط للقيادة التاريخية للشعب الفلسطيني ، حيث لم تتوانى بمحاولاتها في ضرب اللحمة الداخلية والوحدة الوطنية بين القيادة والشعب والفصائل حتى وصل تماديها لضرب النسيج الاجتماعي في كثير من المواقف عبر تسويقها واتخاذها مواقفاً بعيداً عن الحيادية والمهنية والرأي والرأي الآخر ، بل أخذت الرأي الواحد والرأي الحاقد كنهج دائم ومستمر لا يتغير في كل الظروف وكل المواقف والمراحل .
العدائية التي تتخذها الجزيرة القطرية من القيادة الفلسطينية حالياً تذكرنا بتلك العدائية التي كانت تتخذها في بداية القرن الحالي من الشهيد ياسر عرفات ، حين عاد من كامب ديفيد وبدأت ببث إشاعات وأكاذيب انه قدم تنازلات عن القدس والقضية الفلسطينية ، لا زلنا نذكر تلك الاتهامات الكاذبة والاشاعات المسمومة التي بثتها سواء تلك المتعلقة بالمسجد الأٌقصى وحائط البراق او تلك المتلعقة بقضايا اللاجئين والمستوطنات والحل الدائم والحدود ، وكلنا يذكر سيل الاتهامات الطويل الذي ساقته جزيرة قطر في تلك المرحلة ، ولم تسكت ولم تتوقف ولم تتراجع الا بعدما فضح أمرها وكانت الدبابات الاسرائيلية التي حاصرت الشهيد ياسر عرفات ودكت مكتبه بكل انواع القذائف والاسلحة وحدها تكشف وجه الحقيقة ، وكان الدم الفلسطيني وحدة الذي فضح اشاعات وتقارير الجزيرة الكاذبة فسقطت حينها كل الدسائس وعلا صوت الفلسطيني الثائر شهيداً شهيداً شهيداً من أرض المعركة بينما تخاذل الجميع وتراجع الجميع وبقي الفلسطيني وحدة في ساحات المعركة والتف كل الشعب حول قيادته التاريخية .
وهاهو الموقف يتكرر بنفس المنهجية ونفس الاسلوب والشخوص والوجوه ونفس الحبكة ، للتشهير بالقيادة الفلسطينية ، وبث معلومات وتقارير كاذبة من اجل سحب انظار الناس بشكل ملفت وعبر مسلسل درامي طويل يستمر عدة حلقات ، حيث يقوم باعداده مهنيين واعلاميين مهرة ، يتقنون فن التصوير والدبلجة واختيار النصوص بعناية فائقة ، واجتزاء الحقائق وذلك من اجل الاقناع قدر الامكان ، مع إختيار الزمن المناسب ، وهذا هو الذي يضع تساؤلاً كبيراً هو لماذا ان الجزيرة دائماً تبدأ بهجومها على القيادة الفلسطينية متزامنة مع كل هجوم تشنه حكومة اسرائيل على القيادة ، لماذا هذا التوافق في التوقيت وزمن الهجوم ، ولماذا لم تفتح هذه الملفات في السابق حيث ان كلها تركز على سنوات قبل عام 2008 وهذا يعزز قناعتنا الكاملة بأن ورائها جهات معادية نشم منها رائحة الموساد الاسرائيلي الذي يسعى لحصار القيادة الفلسطينية في الفترة الحالية بشكل مختلف هذه المرة وذلك من اجل وقف انتصارات الدبلوماسية الفلسطينية سواء في انها فضحت اسرائيل وانتزعت منها كل الحجج التي كانت تسوقها وفضحت نواياها المعادية للسلام ، وأيضاً مساعي اسرائيل لوقف اعترافات دول العالم بالدولة الفلسطينية وفق قرارات مجلس الامن 242 و 338 ، فما هذا التوافق في المواقف ولماذا يشتركون في الهجوم في زمن واحد لولا أن هناك أهداف مشتركة وأشياء أخرى على الجزيرة أن تجيب عليها .
لم يعد الشعب الفلسطيني مضللاً ولم تعد الجزيرة تتمتع بالمصداقية الاعلامية التي كان الشعب الفلسطيني وشعوباص أخرى في المنطقة تراها فيها ، فسياساتها بدأت تتكشف شيئاص فشيئاً وبدا واضحاً التزامها بخط له أهدافه الخاصة في المنطقة العربية بشكل عام وفلسطين على وجه الخصوص ، وما هذه الوثائق التي تقوم بسردها يوماً بعد يوم في هذه المرحلة الزمنية الحساسة والحرجة من عمر الشعب الفلسطيني الذي يعاني الاحتلال وهجمته الشرسة على القيادة الفلسطينية من جهة والانقسام والفرقة من جهة اخرى الا دليلاً على أن الجزيرة لم تعد تتمتع بمصادقية الرأي والرأي الآخر بل استحقت بامتياز أن تكون صاحبة الرأي الواحد ، الرأي الحاقد.