قبائل الغرب تحدد مصير طرابلس جحيم النازحين على الحدود اللـيـبـيـة ـ التـونسـيـة

راس اجدير (الحدود التونسية ـ الليبية):
لا شيء سيهدئ من غضب العمال المصريين. عدوى ميدان التحرير القاهري أصابت البقعة الصحراوية في أقصى الشرق التونسي . أكثر من 15 ألف عامل مصري طووا ليلتهم الرابعة، وربما الخامسة، منذ أن عبروا المركز الحدودي الليبي باتجاه تونس، ودونما أمل قريب بالرحيل إلى مصر.
ووسط الريح التي ملأت رئتيها برمل الشاطئ القريب، كان يسمع هتاف مصري «عايزين نروح». وبدا الموظف القنصلي المصري الحليق، في بدلته الرمادية الضيقة ضئيلا ومغامرا وسط جلابيب مئات المصريين، الذين يغمرهم عرق أسبوع من السير على الطرقات، وقد حولوا ساحة المعبر إلى عنبر نوم هائل، فيما كانت السيارات تشق طريقها وسط أغطيتهم المطروحة أرضا وحقائبهم المكدسة.
ولكي تتضح وجهة غضب الآلاف المسوقة إلى هجرة جماعية في قافلة واحدة لم تنقطع منذ أيام، واصلة بين الداخل الليبي والمدن التونسية، رفع المصريون أعلام تونس، التي تستضيفهم، وهجوا بمفردات الفلاحين الغاضبين «زين العابدين الساقط» واحمد أبو الغيط: «فين كيان الدولة؟». والكيان الذي يبتغيه الغاضبون هو الطائرات المصرية التي لم تصل لترحيلهم والسفن لنقلهم. وتبرع الدبلوماسي ليتخلص من محاصريه بأربع سفن تصل أولاها اليوم إلى ميناء جرجيس، تنقل كل واحدة 1200 منهم، وبـ14 طائرة عسكرية... لكن لا حل .
وفي السباق بين الآلاف الذين يتدفقون من دون انقطاع من الجانب الليبي حتى بلغوا 55 الفا في الساعات الماضية، وبين المئات منهم فقط، الذين اتسعت لهم الطائرات العسكرية المصرية في مطار «جربة» القريب، يحل الآلاف من المصريين في المدارس ودور الثقافة والجمعيات. وبانتظار جسر جوي أو بحري ينقل المصريين، يكاد التونسيون يفقدون صبرهم وكرمهم. ففي العراء الذي التحفه المئات اضطر التونسيون، من جمعيات اهلية وجيش وهيئات إغاثة إلى إعادة النظر بسياستهم. وتخشى تونس خلال أزمة ليبية مفتوحة أن تفلت الأمور، وتتحول من مجرد معبر للهاربين نحو اوطانهم إلى ملجأ، لا تقوى السلطات التونسية وحدها على تمويله وادارته، ولو شاءت، كما لا تقوى على تحمل تعكر المزاج الشعبي الذي بدأ يطل برأسه في الأزمة، مدينة بن غردان نموذجا.
«كنا نظن اننا سنكتفي ببعض المدارس وبعض الدور لإستضافة العابرين لكن الأمور بدأت تخرج من ايدينا، كما أن طاقة استيعابنا، تجاوزتها القوافل الألفية التي لا تتوقف. اننا نوجه نداء استغاثة إلى الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لكي ترسل طائراتها لترحيل اللاجئين»، قال رئيس لجنة المبادرة الأهلية لاستقبال اللاجئين. ومن دون انقطاع تنقل الحافلات المصريين إلى مدارس بن غردان وجرجيس وجربة والقرى والبلدات المجاورة. المدارس التي ستغلق الأسبوع، فضلها التونسيون على مخيم تقيمه الأمم المتحدة على اراضيهم. واضطر المتحدث باسم وكالة غوث اللاجئين فراس إلى القول إن طائرة تحمل معدات وخيما لإيواء 10 الاف لاجئ وصلت، لكنها لن تنصب .
ومنذ ان نشر الجيش التونسي وحدات في المنطقة، تعطلت حركة التهريب على جانبي الحدود. وكانت دكاكين الصفيح تجاور بالمئات معظم الطرق المؤدية من راس اجدير حتى بن غردان على بعد 35 كيلومتراً، وتعرض براميل المحروقات المهربة من ليبيا لبيعها باقل من 70 في المئة على التونسيين. كما ان تجارة التهريب جعلت اكثر قرى المنطقة مرتبطة اقتصاديا بليبيا، حتى المدن التونسية المحاذية لليبيا، لا تقبل التعامل إلا بالدينار الليبي، وحده دون التونسي .
وجاءت هجرة المصريين الجماعية من ليبيا لتعطل اقتصاد التهريب. ودفعت الشرطة التونسية هجوما بالعصي قام به «الأهالي « ضد تجمع لكاميرات البث الفضائي والصحافيين الذين يحملهم البعض في المدن القريبة المسؤولية عن خراب اقتصادهم بالتركيز على ما يجري في راس اجدير .
«لقد تلقينا أوامر من قيادتنا انه لا يجب أن يبقى مصري واحد على الأرض من دون ترحيل»، قال العقيد التونسي، وهو يلقي نظرة أخيرة على سيارة تنقل شبانا تونسيين إلى مدينة بن غردان القريبة، للتأكد من أن ليس بينهم احد من المصريين. «لا نريدهم ان يحولوا تونس إلى ارض انتظار للعودة إلى ليبيا، لقد اعددنا انفسنا لإيواء مئات، فوجدنا الالاف يتدفقون، وهناك مشكلة على السلطات المصرية أن تساعدنا على حلها». وخلال النهار ألقت حافلة ليبية بأكثر من160 تونسيا عند المعبر. «قضينا اربعة ايام في معسكر للجان الثورية»، قال منجي، «بعضنا الذي عمل اكثر من عشرة اعوام في ليبيا وجاء بتحويشة العمر سرقها منه الجنود قبل اطلاقهم ودفعت للجنود 10 آلاف دينار لكي اصعد إلى حافلة العودة إلى تونس».
في راس اجدير، لا يجادل المعارضون الليبيون في راس اجدير باتفاقهم، لمرة، والرئيس القذافي، في هذه المرحلة من المعركة، ان مصير العاصمة، ومستقبل «الجماهيرية يتحدد في الغرب الليبي طرابلس بانتظار الغرب او بالاحرى قبائله. المنطقة التي اعاد تسميتها القذافي «النقاط الخمس» تيمنا بخطاب شهير القاه فيها في العام 1977 اودع فيها الليبيين افكاره لانقاذ بلادهم من لائحة الشرور الخمسة من تخلف ورجعية وعبادة السلطة وغيرها .
«ان تنضم القبائل البربرية في الغرب الليبي إلى الثورة يعني أن النظام يعيش ايامه الأخيرة»، هكذا يرى خالد الساسي مدرّس المدرسة الليبي في مدينة الزاوية، انضمام قبائل البربر في مدينة الزوارة، التي تبعد 130 كيلومتراً عن طرابلس. البربر الذين لا يلتحقون إلا بالمنتصرين «وقد شعروا برياح التاريخ والانقلاب تهب لكي يثوروا في الزوارة، افرحني ان ينضم البربر إلى الثورة، وأحزنني أن يرفعوا فوقها العلم االبربري بدلا من علم الإستقلال الملكي».
وتتنافس الثورة والقذافي على خطب ود القبائل على الحدود الغربية، الأولى لفتح قريب إلى العاصمة، والثاني لمنع محاصرتها، وتدفق السلاح إلى داخلها عبر المناطق الغربية. «خميس القذافي افرغ المصرف المركزي من ودائعه. وزع القذافي ملايين الدنانير على شيوخ القبائل لتنظيم مسيرات مؤيدة. قبضوها من دون ان يتظاهروا لكنهم لم ينضموا للثورة». ورفضت القبائل في الغرب المساس بالمراكز الحدودية حتى الان، وارسل الجيش وحدة خاصة للسيطرة على ممر الذهيـبة في اقـصى الجنـوب التونسي بعدما حاول الثوار اقناع اهالي «وازن» بالإنضمام اليهم وفتح المعبر امام مجموعات منهم».