في يوم المرأة العالمي: من يوقف عذابات المرأة الفلسطينية في لبنان؟

حياة المرأة الفلسطينية اللاجئة في لبنان ليست حياة عادية، ففيها المعاناة وقسوة الزمن، وجراح النكبة والحرمان، والحسرة على رجل مضطهد وابن معذب وأخ مشرد، وفيها الحنين لوطن محتل.

والمرأة الفلسطينية في لبنان ليست ككل النساء، فإرادتها مختلفة حيث التصميم والتغلب على صعاب الحياة، والعمل إلى جانب الرجل في كافة ميادين عمله، وهي غير عادية لأن ما تعيشه غير عادي، حيث تواجه تحديات مركّبة بين الفقر والخوف، بين الحسرة والألم، بين الحرمان والحصار والحنين للوطن.

والمرأة الفلسطينية في يوم المرأة العالمي، تستذكر عذابات مخيمات اللجوء وآلامها، وربما لا تفارقها دمعات العين، لكنها تقف صلبة كالفولاذ، تجدد فيه إرادتها بمزيد من العطاء والإبداع.

وتجوّلت 'وفا' في مخيمات لبنان، ودخلت المنازل والمؤسسات والجمعيات، حيث نماذج عطاءات وإبداعات المرأة خدمة لقضيتها الوطنية، ووقفت على معاناتها وآمالها وهواجسها.

في معرض التراث الفلسطيني بمخيم عين الحلوة، قالت العاملة سلوى وهبي 'أم نضال'، التي كانت تستعد للمشاركة في المهرجان المرتقب احتفالا بيوم المرأة العالمي: 'معاناتنا كبيرة ولها أشكال متعددة، وكان لنكبتنا أثر كبير، حيث القهر والحرمان والموت والمجازر، كلها معاناة تعرض لها شعبنا، وكان للمرأة النصيب الأكبر، خاصة من فقدت منهن الزوج أو الابن أو الشقيق أو خسرت بيتها' .

وأضافت: 'أمام المرأة الفلسطينية في لبنان مهام كثيرة، تبدأ من البيت حيث التربية الصالحة للأبناء، مرورا بالعمل والإنتاج، انتهاء بالانخراط في العمل الوطني.

وتابعت أم نضال: 'لقد لعبت المرأة اللاجئة دورا كبيرا إلى جانب الرجل، وتحملت مسؤولية المحافظة على الأسرة، والقضية، لذلك كان ميدان عملها متنوعا، ووفق ما سمحت به الظروف والقوانين' .

وختمت قائلة: 'تحلم المرأة بالعودة إلى وطنها، وبانتظار ذلك المطلب العادل تحلم بحياة مستقرة، بعيدا عن الخوف والقلق'.

تركنا أم نضال وفي عيونها حسرة لكن إرادتها قوية، والتقينا سيدة ترتدي الثوب الفلسطيني، لم نسألها، بل بادرت هي بالقول: 'نحن الأقوى رغم المعاناة، نحن الأقوى لأننا أصحاب حق، ولأننا لم نتخل عن دورنا ووقفنا جنبا إلى جنب مع الرجل، فنحن نعاني معا، ويجب أن نواجه التحديات معا، فقد كتب علينا العذاب، ولكن إرادتنا ستبقى قوية وسنحقق أهدافنا في الحرية والعودة والاستقلال، وسنعمل من أجل نيل حقوقنا الاجتماعية'.

والتقينا الحاجة عليا عبد الله، مسؤولة مكتب المرأة الحركي، وعضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، التي علّقت تحدثت عن وضع المرأة الفلسطينية اللاجئة في لبنان قائلة: 'يختلف وضع المرأة الفلسطينية في لبنان عن وضع المرأة في كل العالم، بسبب طبيعة المعاناة التي تتعرض لها ودورها الريادي إلى جانب الرجل' .

وتابعت: 'لقد عاشت حياة قاسية وتحملت أعباء اللجوء والتشرد، فكانت الزوجة والأم وربة المنزل، وما زاد الأوضاع صعوبة هو الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني' .

وقالت: 'أمام هذا الواقع الصعب وقفت المرأة إلى جانب الرجل في العمل ورعاية العائلة، وانخرطت معه في صفوف الثورة، لكن الحقيقة لا يمكن تجاوزها فحالة الفقر الشديد والحرمان تنعكس سلبا على حياة المرأة، فهي تحمل هموما ومسؤوليات لا تحملها امرأة في العالم.

وحول حقوق المرأة الفلسطينية قالت: 'المرأة جزء من شعب فقد حقوقه ويتعرض للظلم والقهر، وحقنا ليس عند رجالنا، بل حقنا عند قوى وقوانين مجحفة نتعرض لها جميعا، حقّنا عند عدو يحتل أرضنا ويرفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية' .

وختمت: 'حق المرأة الفلسطينية، يكون بتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته للضغط على الاحتلال العنصري بالانسحاب من أرضنا وإقامة دولتنا المستقلة'.

وفي مخيم شاتيلا، تجولنا بين منازل البؤس والأزقة التي لم تخف الفقر والحرمان، وكم هي حياة المرأة صعبة في هذا المخيم العظيم، وكم هي المهام صعبة على امرأة واجهت الحروب والمجازر والفقر والحصار، وتقول إحدى السيدات: 'إرادة المرأة الفلسطينية في شاتيلا كما هي في كل المخيمات، إرادة صلبة وتصنع الحياة، لكن الظروف والحصار والقوانين المجحفة تحد من أحلامها وطموحاتها، لكن المرأة الفلسطينية دائما تحلم بغد أفضل وتحلم بتحقيق آمالها وآمال زوجها وأولادها، لذلك فهي تعمل إلى جانب الرجل لتخفف عنه، وقد عملت في البناء والزراعة والأفران والإبداع التراثي، وحملت السلاح ودافعت عن قضيتها الوطنية, ولذلك من حقنا الحرية والأمان ومن حقنا العيش الكريم' .

تركنا هذه السيدة وانطلقنا إلى مخيم الرشيدية جنوب لبنان، حيث لا يختلف وضع المرأة هناك عنه في باقي المخيمات، ربما تشبه العبارات والكلمات بعضها، فالمعاناة واحدة والجرح واحد، ينزف في شاتيلا أو البدّاوي أو برج الشمالي أو عين الحلوة والجليل، لكنه ينفجر إبداعا وعطاء وحلما بالعودة إلى وطن مستقل.

وقالت لنا سيدة في مخيم الرشيدية جنوب لبنان جلست أمام منزلها: 'نعاني من مرارة الحياة التي نعيشها ولا أحد يسأل عنا، نحمل الهم جيلا بعد جيل، لكننا أيضا نحمل التصميم على الحياة وتحقيق الأهداف، وأول هذه المعاناة التي نتعرض لها هي إخراجنا من وطننا، والتعامل معنا كلاجئين نحرم من حقنا بالحياة في الوطن' .

وأضافت: 'تعاني المرأة من ظروف حياتية صعبة، فالحصار والفقر والحرمان والقوانين المجحفة بحق شعبنا كلها تشكل منبعا للمعاناة، وتشكل سببا للقلق والخوف وعدم الاستقرار، وقد تعرضت المرأة الفلسطينية إلى الكثير من الاعتداءات والمجازر، ثم تعرضت مع شعبها لحالة الحصار والحرمان، وعلى عاتق المرأة هناك مسؤولية كبيرة، خاصة في ظل قوانين تحرم الرجل الفلسطيني من العمل والتنفس' .

غادرنا مخيم الرشيدية، وفيه كما في كل مخيمات شعبنا عيون تدمع، وقلوب تنبض حسرة، وقبضات فيها إرادة الحياة، وأحلام بوطن حر توقف عذابات المرأة الفلسطينية في لبنان، ويضع حدا لخوفها وقلقها وعذاباتها.