حرب أهلية على «فايسبوك»

مع انطلاق حملة «لأ» الخاصة بفريق «14 آذار»، برزت على الشبكة ردود فعل مختلفة: ابتكر مناصرو 8 آذار حملتهم المدافعة عن السلاح، ودعوا إلى تظاهرة شعبيّة تتجه إلى «بيت الوسط»

للشوارع طاقة محدودة لاستيعاب الإعلانات، بغضّ النظر عمّا إذا كانت لشامبو يزيل القشرة، أو لحملة سياسية ضد سلاح المقاومة. لكن الأمر يختلف على الشبكة العنكبوتية، وتحديداً على «فايسبوك». هنا، يبدو الفضاء رحباً بما يكفي لإعلانات تبدأ برفض السلاح أو تأييده، ولا تنتهي عند إقحام شخصية «الأسد الملك» الكرتونية وابنه الشبل «سيمبا» في الصراع السياسي اللبناني. طبعاً، ليس جديداً أن يتحوّل موقع التواصل الاجتماعي الشهير إلى ساحة لتراشق الاتهامات والشتائم، لكن التصعيد الذي شهدته الشبكة العنكبوتية أخيراً على الصعيد اللبناني يستحقّ التوقّف عنده.

البداية من موقع «أيّ وطن؟» الذي قارن بطريقة فجّة ومباشرة وعنصريّة بين لبنانَين: ذاك الذي يعيش فيه مواطنون يحبّون السلام، والسهر، والعلم، وبراءة الأطفال، ووطن آخر يعشق سكانه الموت، ويعطون الأطفال السلاح، ويجرّون البلد إلى الدمار. وترافق إطلاق هذا الموقع، مع حملة «لأ» التي روّجت لها قوى 14 آذار. في المقابل ردّ جمهور «حزب الله» على حملة «14 آذار» الموجّهة ضدّه بالأسلوب نفسه: استعمل الألوان ذاتها وردّ بشعار «كلنا لأيّ وطن؟».
وبين هذه الحملة وتلك، اشتعل النقاش على «فايسبوك»، لكن على الطريقة اللبنانية: سباب، وشتائم متبادلة، واتهامات بالعمالة تارةً، وبالارتهان للخارج طوراً. كما ابتكر الفريقان صوراً تعكس موقفهما من التطورات الراهنة. هكذا شاهدنا مثلاً صورة لطفل، وعلى بطنه مسدس في إشارة إلى التعلق بالسلاح... في مقابل صورة أخرى لطفل يلهو ويلعب في حديقة خضراء كدليل على «حب الحياة». ولمواجهة التحرك الشعبي الذي تعدّ له قوى «14 آذار» غداً في ساحة الشهداء، دعا مناصرون لـ«حزب الله» إلى تنظيم تحرك شعبي مشابه، في 20 آذار (مارس) المقبل، أمام... «بيت الوسط» أي مقرّ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. وإن كان كل ما سبق يبدو تقليدياً في عالم الحملات الإعلانية السياسية، فإن شريط lion king يبقى مختلفاً، وخصوصاً إذا نظرنا إلى ردود الفعل التي أثارها. يصور الفيلم، ومدته دقيقتان، شخصية الأسد الملك بصفته الرئيس الراحل رفيق الحريري، أما ابنه سيمبا فهو (طبعاً) سعد الحريري. يبدأ الشريط بحديث بين الأب وابنه عن حكم لبنان، وصعوبة التحكم بمن هم «ضمن المربّع، ويأتمرون من جهات خارجية»، مترافقاً مع صورة لعناصر من المقاومة. في المقلب الآخر من الفيلم، يظهر السيد حسن نصر الله بشخصية الأسد الشرير المناوئ للأسد الملك، وهو يقول لمجموعة ضباع (يعتبرهم الفيلم حلفاءه) إنّه «لا بد من قتل الحريري». وبالفعل هذا ما يحصل، إذ ينتهي الفيلم على مشهد يظهر كيف أن الأسد الشرير يخون الأسد الملك ويقتله.
يستطيع أي شخص أن يقول: لا أحد تبنّى هذا الفيلم، وإنّه عمل فردي. لكن، لا يمكن أحداً التغاضي عن معطى بالغ الوضوح: ما كان الفيلم لينشر لولا أن الحملة السياسية التي بدأتها قوى 14 آذار، تحت عنوان «لأ»، قامت بدور تحريضيّ لا يعترف بأي حدود، ولو كان السلم الأهلي الذي يتشدّقون به ليل نهار.