الشعب يريد إنهاء الانقسام

فيما يسود الضياع شباب المخيمات في لبنان، يعتصم ناشطون لبنانيون وفلسطينيون أمام ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت. بعد ثورتَي مصر وتونس، وبروز فعاليّة الفايسبوك في الحشد والتأييد، اقتنع فلسطينيّو الضفة والقطاع ولبنان بأن التغيير ممكن إذا قرروا ذلك. هكذا، أنشأ الشباب في فلسطين والشتات مجموعات تطالب بإنهاء الانقسام بين حركتَي فتح وحماس
قاسم س. قاسم

«إحنا بساحة الجندي من الصبح وأعلنّا اعتصامنا ونظّفنا مكاناً وجهّزنا الفرشات، أصدقائي بشوفكم هناك». بهذه العبارة، نقل الناشط خالد قرموط على حائط مجموعة «الشعب يريد إنهاء الانقسام - الموقع الرسمي» على الفايسبوك، ما بدأ شباب قطاع غزة تنفيذه ميدانياً أمس. الشباب لم ينتظروا الموعد الذي حددوه في 15 آذار (اليوم) لبدء اعتصامهم المطالب بإنهاء الانقسام الفلسطيني. فقرروا التوجه الى ساحات قطاع غزة باكراً.
نزلوا الى الشارع في 14 آذار، وفي اعتقادهم أن ما يقومون به هو «بروفة لتحرك اليوم»، كما قال أبو يزن أحد منظمي الاعتصام في القطاع لـ«الأخبار». هكذا، انطلقت مسيرات شبابية «عفوية» كما يصفها أبو يزن في غزة، أما الهدف منها فكان جسّ نبض تفاعل الشارع مع مطالبهم. فإذا بدقائق «تحولت المسيرة من مئات المشاركين الى الآلاف»، كما يقول الشاب. أما في الضفة الغربية فقد تلقف الشباب هناك المبادرة أيضاً وتوافدوا الى دوّار المنارة قبل الموعد المقرر، لينضمّوا بذلك الى تحركات شباب غزة. «البروفة» لم تعد كذلك، والشارع كان على ما يبدو متلهفاً لنزول الشباب، فأعلنوا رسمياً بدء التحركات الشعبية المطالبة بإنهاء الانقسام أمس. نقطة انطلاق المسيرات كانت جامعات القطاع المحاصر. طلاب جامعة الأزهر التابعة للسلطة الفلسطينية توجهوا الى الجامعة الإسلامية التابعة لحركة حماس، ومن هناك انطلقوا باتجاه ساحة الجندي المجهول. ورأى بعض الشباب المشاركين في المسيرات أن انضمام طلاب الجامعتين بادرة طيبة، إذ من المعروف حجم الحساسية الموجودة بينهما. هكذا، ومع بدء التحركات لم يعد بالإمكان الانسحاب من الساحات، كما أنه لا يضرّ أن تبدأ الفعاليات المطالبة بإنهاء الانقسام أبكر من الوقت الذي حدد له. أعداد المنضمين الى المسيرات التي جابت قطاع غزة ازدادت تدريجاً، وإقبال الغزيّين على الاعتصام فاجأ المنظّمين. فقرر المعتصمون أن ينصبوا خيمهم في ساحة الجندي المجهول في القطاع بدءاً من أمس. أكياس نومهم ولحفهم أصبحت جاهزة هي الأخرى. الأعلام الفلسطينية التي سترفع بدلاً من أعلام الفصائل، والورود التي ستوزع على عناصر الأمن الداخلي جهزت.
لكن، أين هم شباب المخيمات في لبنان من هذه التحركات المطالبة بإنهاء الانقسام؟ في مخيّم برج البراجنة، كان معظم الشباب على اطلاع على ما يجري على مجموعات الفايسبوك في الداخل الفلسطيني. لكن المشكلة بالنسبة إليهم أنهم لا يعرفون الى أين سيتوجهون وإلى أين سيعتصمون وممن سيطلبون إنهاء الانقسام، إذا قرروا التحرك بدورهم. في أحد مقاهي الإنترنت في مخيم البرج، تجلس مجموعة شبان. يفتح مصطفى الشولي صفحة مجموعة «الشعب يريد إنهاء الانقسام»، يتابع عبرها ما يجري في الداخل الفلسطيني والحراك الذي يقوم به الشباب. يرسل الشولي عنوان الموقع لأصدقائه الموجودين في المحل. يطلب منهم متابعة الصفحة. تبدأ الاقتراحات عن النشاطات التي بإمكانهم القيام بها «لنكون سنداً لما يجري في الداخل»، يقول الشاب العشريني. يسأل أحدهم: «لماذا لا نعتصم في ساحات المخيم؟». بينما يقترح آخر التوجه إلى «السفارة الفلسطينية، إذ إن دعوات بذلك للاعتصام أمامها»، يقول عبد يوسف. الضياع الذي يعيشه شباب المخيمات كان بسبب الانقسام الذي يريدون إنهاءه. إذ يتهم مناصرو كلّ من الفصيلين الأكبر في المخيمات، فتح وحماس، الآخر بأنه يقف وراء إنشاء هذه المجموعة. وبالنسبة إلى الفصيلين المتناحرين، فإن هذه المجموعات أنشئت لتضرب الفصيل الآخر. هكذا، يدلّ أبناء فتح على أن هذه المجموعة حمساوية بسبب نشيد «إنهاء الانقسام» الذي أطلقه شباب المجموعة. «اسمع صوت الدفّ، هادا الدفّ إسلامي وحماس تستعمله كثيراً في أناشيدها»، يقول إبراهيم ابن حركة فتح في مخيم شاتيلا وهو يستمع للنشيد. أما بالنسبة إلى أبناء حماس فهم يؤيدون هذه المطالب، لكن «أغلب الشباب الذين أسسوا هذه المجموعة فهم أبناء حركة فتح أو مؤيدون لها ويريدون الضغط على حكومة إسماعيل هنية»، يقول محمد ظاهر المؤيد لحماس. هكذا، وللتضامن مع المعتصمين في الداخل الفلسطيني، قررت حملة التضامن مع الثورات الشعبية توجيه دعوة للاعتصام اليوم أمام ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في الجناح، مطالبين بإنهاء الانقسام وإسقاط اتفاق أوسلو.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين دعت الى المشاركة في هذا الاعتصام، وخصوصاً بعد دعوة أمينها العام أحمد سعدات، إذ تصادف اليوم ذكرى اعتقاله، تأييد مطالب الشباب.
لكن، ما هو رأي مؤسّسي هذه المجموعة عما يقال بأنهم يتبعون أجندات أجنبية؟ يجيب أبو يزن: «عندما نتحدث عن مطلب واحد هو إنهاء الانقسام، فعن أي أجندات خارجية نحن نتكلم؟ فتح وحماس تقولان إنهما تريدان إنهاء الانقسام، إلا أنهما لا تملكان القرار السياسي بذلك، ونحن سنكون حالة ضغط لكي تنهيا حالة الانقسام التي أثّرت اجتماعياً علينا». لكن، الى متى ستبقى هذه التحركات؟ يجيب الشاب سريعاً: «سنبقى الى أن تتم المصالحة، حتى ولو طال ذلك لخمسين سنة، ولن نترك الساحات حتى يقوم الرئيس محمود عباس وخالد مشعل بتقبيل أحدهما الآخر والخروج بقرار سياسي واحد». لكن، ألم يفعلا ذلك مسبقاً في مكة؟ يجيب أبو يزن: «نحن نملك ما يكفي من الوعي السياسي. سننتظر الى أن يتفقوا ويعرضوا علينا ما اتفقوا عليه وسنقوّم ما قرروه. حينها سنرى إن كنا نبقى معتصمين أو نفكّ اعتصامنا». يضيف الشاب: «نحن الآن في ساحة الجندي المجهول، الشارع تقبّل فكرّتنا بشكل مشّ طبيعي، ومؤسسات المجتمع المدني ستكون معنا غداً (اليوم)».