الغرب يتفق على توسيع الحرب ... ويختلف على استهداف القذافي

واصلت قوات التحالف الدولي هجماتها الجوية والصاروخية على ليبيا، التي انتقلت، أمس، إلى مرحلة متقدمة، باستهداف خطوط الإمداد الرئيسية لقوات الرئيس معمر القذافي، وقاعدة بحرية بالقرب من طرابلس العاصمة، بعد نجاحها في فرض منطقة حظر جوي، من دون أن تكشف عن نواياها المستقبلية المتعلقة بسير العمليات العسكرية بين الثوار الليبيين، الذين بدأوا التقدم غرباً باتجاه مدينة إجدابيا، وبين الكتائب الأمنية التابعة للنظام، التي بدا أنها تكبدت خلال الأيام الثلاثة الماضية خسائر فادحة، أبرزها فقدان الغطاء الجوي، في وقت برزت خلافات حادة بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي حول قيادة العمليات خلال الفترة المقبلة، لا سيما بعد تلويح واشنطن بالتخلي عن دورها القيادي.
واستأنفت القوات الدولية، صباح أمس، عملياتها الجوية. وفي أعقاب موجة الضربات الأولى يومي السبت والأحد ضد أنظمة الدفاع الجوي والمدرعات التابعة لقوات القذافي قرب خطوط الثوار، انتقل الغربيون إلى المرحلة الثانية المتمثلة في مهاجمة خطوط الإمداد هذه لشلّ قدرات تحرك القوات الحكومية.
وقال المتحدث باسم الحكومة الليبية موسى ابراهيم إنه «منذ السبت شنت قوات الائتلاف المعادية غارات جوية وقصفت بالصواريخ طرابلس والزوارة ومصراتة وسرت مستهدفة بشكل خاص المطارات»، مشيراً إلى أن مدينة سبها، الواقعة على بعد 750 كيلومتراً إلى الجنوب من طرابلس، والتي تعد معقل قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها الرئيس الليبي، تعرّضت للقصف الغربي يوم أمس.
وأضاف «مرفأ صيد صغير يقع على بعد 27 كيلومتراً غربي طرابلس تعرض أيضاً للقصف»، مشيراً إلى أن غارات أخرى استهدفت مطار سرت المدني ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، بينهم مدنيون.
وكان التلفزيون الليبي ذكر أن مواقع في طرابلس تعرضت لهجمات جديدة على أيدي ما وصفه «بالعدو الصليبي»، وذلك بعد غارات ليلية مماثلة استهدفت مقر القذافي في باب العزيزية، حيث تردّد أن ابنه خميس، الذي يقود إحدى الكتائب الأمنية، قد أصيب، فيما أشارت مصادر في المعارضة إلى احتمال مقتله.
وليلاً، أفاد شهود ان قصف قوات الائتلاف الدولية أصاب قاعدة للبحرية الليبية تقع على بعد عشرة كيلومترات إلى الشرق طرابلس، وقد شوهدت السنة النار تندلع منها.
وأعلنت الولايات المتحدة أن تقدماً كبيراً قد تحقق وسط مؤشرات على أن الدول الغربية وسعت من نطاق تلك الهجمات. وقال قائد القوات الأميركية في أفريقيا الجنرال كارتر هام إن التحالف الغربي شن ما بين 70 و80 طلعة، يوم أمس، نفذت قوات غير أميركية أكثر من نصفها، مشيراً إلى أنه يتوقع تراجعاً في وتيرة الهجمات على ليبيا خلال الأيام المقبلة.
وأشار هام إلى أن القوات الأميركية تركز على أهداف عسكرية بحتة في ليبيا ولا تشمل مهمتها دعم هجوم بري للثوار. وأوضح أن المهمة الأميركية تتضمن فرض منطقة حظر جوي في ليبيا، مشدداً على أنه «ليس من مهمتنا دعم قوات المعارضة إذا أرادت شن عمليات هجومية»، لكنه لفت، برغم ذلك، إلى أن قوات القذافي تظهر «قليلاً من الإرادة أو القدرة على استئناف الهجوم».
وأضاف هام أنه سيتم قريباً توسيع منطقة الحظر الجوي التي وافقت عليها الأمم المتحدة فوق ليبيا، بحيث تغطي منطقة تصل إلى ألف كيلومتر مع وصول طائرات من دول حليفة أخرى إلى المنطقة.
من جهته، قال المتحدث باسم الجيش الفرنسي تييري بيركار إن باريس أرسلت 20 طائرة عسكرية فوق ليبيا، أمس، ولكنها لم تنفذ أي ضربة جوية، مشيراً إلى أن حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» ستصل إلى موقعها، وستكون مستعدة للمشاركة في العملية في ليبيا بدءاً من اليوم، فيما شدّد مستشار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، هنري جوينو، على أن الغارات الجوية على ليبيا ستستمرّ «لفترة أخرى» على الأرجح، لكنه أوضح أن الليبيين، وليس المجتمع الدولي، هم الذين سيحدّدون المسار الذي ستسلكه البلاد.
بدوره، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن التحالف الدولي «عطّل بدرجة كبيرة» الدفاعات الجوية الليبية. وأوضح كاميرون أن فرنسا والولايات المتحدة ودولاً أخرى أحرزت تقدماً جيداً في تحقيق أهداف العملية العسكرية، وهي تدمير الدفاعات الجوية الليبية وحماية المدنيين من هجمات القوات الموالية للعقيد معمر القذافي.
وقال وزير الدفاع الكندي بيتر ماكاي إن أربع طائرات من طراز «سي إف 18» وطائرتين للوقود نفذت دورية قبالة القطاع الشمالي من ليبيا، لكنها لم تطلق النار على أي أهداف، فيما قال مسؤول في وزارة الدفاع اليونانية إن أثينا تتوقع وصول أربع مقاتلات وطائرة شحن من قطر إلى قاعدة عسكرية في جزيرة كريت اليوم.
الثوار
وتزامناً مع الغارات الغربية، واصل الثوار الليبيون في المناطق الشرقية تقدمهم غرباً. وتجمع مئات الثوار صباحاً على بعد بضعة كيلومترات من اجدابيا، التي قد تشهد معركة جديدة تسعى المعارضة من خلالها إلى استعادة السيطرة على المدينة.
وأكد مقاتلو المعارضة أنهم ينتظرون المزيد من الضربات الجوية الغربية، على أمل ان تضعف قوات القذافي أكثر، قبل ان يتحركوا إلى داخل اجدابيا. وبدا أن المقاتلين استردوا حماسهم بعد الغارات الجوية الغربية التي دمّرت دبابات وناقلات جند مدرعة وقاذفات صواريخ متعددة الفوهات للقذافي وهي أسلحة لا تقدر أسلحتهم الخفيفة نسبياً على منع تقدمها.
في المقابل، قال شهود عيان إن القوات الموالية للقذافي فتحت النار على حشد من المدنيين العزل في مدينة مصراتة، الواقعة على مسافة 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، مشيرين إلى أن القوات الحكومية تستخدم المدنيين دروعاً بشرية ضد الضربات الجوية، فيما أكد الثوار الليبيون أن أكثر من 40 شخصاً قتلوا في الهجمات التي تشنها قوات القذافي على هذه المدينة التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة، بالرغم من إعلان التلفزيون الليبي استعادة السيطرة عليها.
وأشار شهود عيان آخرون إلى أن قوات القذافي واصلت قصفها على منطقة الجبل الغربي في جنوبي غربي طرابلس، خصوصاً مدينتي الزنتان ويفرن، اللتين يسيطر عليهما الثوار، موضحين أن «المواجهات كانت عنيفة جداً».
«مسيرة خضراء»
وكان القذافي دعا القبائل الليبية إلى تنظيم مسيرة من كل أنحاء ليبيا في اتجاه بنغازي، يحمل المشاركون فيها «أغصان الزيتون» لحل الأزمة الراهنة سلمياً. وذكرت وكالة الأنباء الليبية إن القذافي «وجّه دعوة إلى القبائل الليبية لتنظيم مسيرة خضراء تضمّ عشرات القبائل تنطلق من كل مناطق ليبيا إلى بنغازي حاملة أغصان الزيتون لحل مشاكلها في ما بينها بطريقة سلمية ولتفويت الفرصة على الأعداء الذين يسعون لتفتيت ليبيا وسلب ثرواتها».
وأشارت الوكالة إلى أن القذافي تعهد بالإفراج عن ثوار من أبناء بنغازي اعتقلتهم الكتائب الأمنية التابعة له، موضحة «هذه المسيرة سيرافقها أبناء قبائل موجودة في بنغازي تحفظت عليهم وحدات من الشعب المسلح بسبب قيامهم برفع السلاح في وجهها»، من دون أن تحدّد موعداً للمسيرة.
استهداف القذافي
وأثارت الغارات على باب العزيزية، ليل أمس الأول، تساؤلات حول ما إذا كانت القوات الغربية قد قررت استهداف القذافي.
وقال الجنرال كارتر هام «لا اعرف أين يوجد الزعيم الليبي، ونحن لم نقم بجهود لمعرفة ذلك»، مضيفاً «ليست مهمتي التعرض لهذا الشخص، نحن لا نهاجمه ولا نسعى لمعرفة مكان تواجده». واقر الجنرال هام بان التدخل العسكري كما هو محدد في قرار مجلس الأمن يمكن ان ينتهي مع بقاء القذافي في السلطة، قائلاً «اعتقد أن أحداً لا يعتبر هذا الأمر مثالياً، لكن يمكنني تصور ان هذا الاحتمال وارد، على الأقل في اطار المهمة التي كلفت بها».
من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إن إسقاط معمر القذافي قرار عائد إلى الشعب الليبي. وقال «اعتقد انه من الواضح للجميع ان ليبيا ستكون أفضل من دون القذافي... ولكن على الليبيين ان يقرروا هذا الشأن»، معتبراً أنه «سيكون من الخطأ تحديد قتل القذافي هدفاً للقوات المسلحة في اطار العملية العسكرية»، في وقت أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن «رحيل القذافي يبقى الهدف النهائي للولايات المتحدة في اليوم الثالث من العمليات العسكرية في ليبيا».
وفي لندن قال قائد الجيش البريطاني الجنرال ديفيد ريتشاردز إن القذافي «ليس على الإطلاق» هدفاً للتحرك العسكري الدائر في ليبيا الآن، مشيراً إلى ان المهمة محصورة في حماية المدنيين. لكن وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ رفض استبعاد استهداف القذافي في الضربات الجوية، قائلاً إن ذلك «يعتمد على الظروف»، فيما أشار وزير الدفاع ليام فوكس إلى ان الرئيس الليبي قد يكون هدفاً شرعياً للحملة العسكرية الدولية.
وفي سانتياغو، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن الولايات المتحدة تؤمن بأن الزعيم الليبي معمر القذافي «يجب أن يرحل»، وذلك بالرغم من أنه ليس هدفاً للعمليات العسكرية.
وأوضح أوباما أن «سياسة الولايات المتحدة هي أن القذافي يجب أن يرحل.. لدينا مجموعة كبيرة من الأدوات، إضافة إلى جهودنا العسكرية لدعم تلك السياسة»، موضحاً «هناك مجموعة كبيرة من السياسات التي نضعها والتي خلقت واحداً من أكثر أشكال الإجماع الدولي قوة حول عزل السيد القذافي... سنواصل إتباعها... لكن في ما يتعلق بتحركنا العسكري، نحن نقوم به دعماً لـقرار الأمم المتحدة الذي يتحدث بالتحديد عن الجهود الإنسانية وسنؤكد أننا نلتزم بهذا التفويض».
وأضاف «نحن نعمل مع شركائنا الدوليين بعد الخطوة الأولية بتعطيل دفاعات القذافي الجوية التي حددت قدرته على تهديد مراكز سكنية كبيرة مثل بنغازي، وستكون هناك مرحلة انتقالية، حيث أن مجموعة من شركاء التحالف سيشاركون بعدها في إقامة منطقة الحظر الجوي هناك».
الأطلسي
في هذا الوقت، أخفق حلف شمال الأطلسي في حل الخلافات حول ما إذا كان يتعين عليه تولي مهمة تطبيق الحظر الجوي فوق ليبيا إذا تراجعت الولايات المتحدة عن قيادة العملية، وهو أمر كان غيتس قد ألمح إليه خلال زيارته لروسيا.
وقال دبلوماسي في الحلف «لم تكن هناك أي نتائج للاجتماع»، مشيراً إلى أن المناقشات ستتواصل.
وعارضت تركيا، العضو في الناتو، التدخل في ليبيا، إذ قال رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان إن أنقرة تضع شروطاً لا بد من الوفاء بها كي يكون للحلف دور، من بينها أن تنتهي العملية العسكرية الدولية ضد قوات القذافي في أقرب وقت ممكن حتى يتسنى لليبيين تقرير مصيرهم بأنفسهم، وألا ينتهي التدخل العسكري باحتلال.
ورفضت فرنسا أن يتولى الحلف دور القيادة، إذ قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن الدول العربية لا تريد تدخلاً بقيادة حلف شمال الأطلسي. وقال جوبيه إن «الولايات المتحدة تقوم حالياً بتنسيق عمليات التدخل من خلال التنسيق عن كثب مع فرنسا وبريطانيا. وإذا انسحبت الولايات المتحدة من العملية خلال بضعة أيام فإن الحلف سيكون مستعداً للتدخل بدعمه».
كذلك، حذرت إيطاليا من أنها ستستعيد السيطرة على القواعد الجوية التي أجازت لقوات التحالف استخدامها من أجل العمليات فوق ليبيا ما لم يتم الاتفاق على هيكل تنسيق للحلف. وقال رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني إنه «من المهم أن تمرر القيادة إلى حلف الأطلسي وأن يكون لديها هيكل تنسيق مختلف عن الموجود لدينا الآن».
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أشار إلى ان هناك نيات لانتقال قيادة القوة الدولية التي تفرض الحظر الجوي فوق ليييا إلى الحلف شمال الأطلسي، مشيراً إلى أن «هذا سيعني ان كل دول الحلف التي تريد المساهمة في المهمة ستكون قادرة على ذلك. وسيفيد ذلك المهمة بكل تأكيد، بالإضافة إلى الاستفادة من استخدام آلية الحلف الفعالة في القيادة والتحكم».
وفي نيويورك، أعلن دبلوماسي في مقر الأمم المتحدة ان مجلس الأمن سيعقد الخميس اجتماعاً بناء على طلب ليبيا لبحث آخر التطورات في هذا البلد. وأوضح أن المجلس تلقى نهاية الأسبوع رسالة من وزير الخارجية الليبي موسى كوسا يطلب فيها عقد اجتماع عاجل للمجلس، مشيراً إلى ان أعضاء مجلس الأمن درسوا هذا الطلب خلال اجتماع مغــلق الاثنين ووافقوا عليه.
كذلك، يعقد مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين للدول الأعضاء اجتماعاً تشاورياً لهم اليوم في مقر الأمانة العامة للجامعة في القاهرة.