يا مشير عليك تختار بين الظلمة والأحرار: في غياب الاخوان المسلمين: ميدان التحرير يعود إلى الواجهة بهتاف 'الشعب يريد إسقاط النظام

ارتفعت درجة حرارة الطقس في القاهرة، وكذلك ارتفعت حرارة ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية وأيقونتها في وسائل الإعلام، وعاد الميدان إلى واجهة الأحداث بعد هدنة لم تكن طويلة، في مظاهرة قال الداعون لها إنها 'ستكون مليونية'، وكانت كذلك في المعنى والدلالة وإن لم تكن كذلك في العدد والإحصاء، وسط غياب واضح لرموز جماعة 'الإخوان المسلمين'، مع عودة لافتة لشعار 'الشعب يريد إسقاط النظام'.

عاد جزء لا يستهان به من زخم الثورة المصرية ليعلن المتظاهرون في التحرير مطالب، ليست بعيدة عما نادت به الثورة قبل تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، في 11 فبراير الماضي، ولكنها أصبحت أكثر تركيزا بعد تحقق عدة مطالب.

محاكمة الرئيس السابق ورموز نظامه كانت إحدى مطالب الثورة، منذ اندلاعها وبالرغم من نجاح المصريين في إزاحة رئيس جثم على صدورهم ثلاثة عقود إلا أن مطالب محاكمته لم تخفت وإن ظلت بعيدة نوعا ما في ظل حالة من البطء في الاستجابة لمطالب الثورة التي لا يعرف لها قادة، سوى من يشكلون مزاجها العام من المتظاهرين في ميدان التحرير.

تختلف مظاهرة اليوم في عدة أمور يمكن رصدها وانعكاساتها على المشهد السياسي العام:

أولا: هذه أول مظاهرة في ميدان التحرير منذ انتهاء اعتصام التحرير، عقب إسقاط نظام مبارك، تتم وسط غياب لافت لرموز جماعة الإخوان، كبرى الجماعات السياسية التي عارضت النظام السابق، ويبدو أن هذا الغياب للرموز كان مقصودا في ظل حالة يمكن وصفها بالانسجام بين المجلس العسكري، والجماعة التي تأسست سنة 1928 على يد الشيخ حسن البنا.

ولعل أبرز ملامح هذا الانسجام كانت اختيار أحد نواب الجماعة في مجلس الشعب الأسبق للمشاركة في لجنة صياغة التعديلات الدستورية، لتكون الجماعة، دون أي قوة سياسية أخرى، حاضرة بالتمثيل في لجنة تعديل الدستور.

امتناع الرموز عن المشاركة لم يقف حائلا أمام عدد من شباب الجماعة للمشاركة في المظاهرة للتعبير عن قلقهم مما سموه 'هدوء وتيرة الإصلاحات'.

ثانيا: غاب لأول مرة هتاف: 'الجيش والشعب.. إيد واحدة' وعلت هتافات تنتقد ما يراه المتظاهرون بطء المجلس العسكري في تنفيذ مطالب الثورة التي اندلعت شرارتها في 25 يناير الماضي، وردد المتظاهرون: 'يا مشير يا مشير.. خد أوامرك من التحرير' و ' يا مشير يامشير..الشرعية من التحرير' و 'يا مشير عليك تختار بين الظلمة والأحرار'.. و'أنت ياجيشنا عليك تختار بين الظلمة والأحرار' والمثير أن الهتافات لم تتوقف عند هذا الحد حيث هتف عدد من المتظاهرين وهو يجوبون الميدان.

ثالثا: يمكن القول بوضوح إن المتظاهرين في ميدان التحرير اليوم هم النواة الصلبة أو النواة الأولى التي شكلت قلب المظاهرات التي اندلعت في 25 يناير الماضي لتصبح دون تخطيط مسبق شرارة الثورة الشعبية التي تجلت في مظاهرات 28 يناير أو ماعرف بـ'جمعة الغضب'، والتي أدت إلى نزول الجيش للشارع في مساء هذا اليوم.

وهذا معناه أن المظاهرة وإن لم تصل اليوم لاجتذاب رقم المليون، إلا أن هذا لا يعني أنها لن تجتذب الأسبوع المقبل، أعدادا أكبر لتصبح مليونية، إن لم تتم الاستجابة للمطالب، التي تأتي على رأسها محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك.

الشرائح التي شاركت اليوم تبدو من شعاراتها المرفوعة ومن هتافاتها أن حساباتها السياسية أقل وتطلعها للإصلاح أكبر، وسقفها في المطالب بدون حدود.

رابعا: عصام شرف رئيس الوزراء، الذي يوصف بأنه 'أتى من الميدان' لم يسلم من الانتقادات باعتباره الآن في موضع مسئولية، حيث طالبته هتافات المتظاهرين بما سموه 'العودة إلى الميدان'، وأنه لن يكون بمنأى عن مطالب الإقالة إن لم يستجب للثوار.

خامسا: تلفت الأنظار عودة هتاف: 'الشعب يريد إسقاط النظام' وهو الشعار الذي استخدمته الثورة الشعبية المصرية، نسخا من ثورة الشعب التونسي، وزحفا للدول العربية التي تشهد مطالب بتغيير النظم الحاكمة فيها.

ويشير ذلك إلى قناعة المتظاهرين بأن النظام لم يسقط بعد، حتى وإن اعترفوا بأن ما أنجزته الثورة من رحيل رأس النظام وعدد كبير من رموزه، هو مكسب مهم، لكنهم يرون أن مطلب إسقاط النظام لم يتحقق وأن النظام وإن تمت إزاحته إلا أنه لم يسقط، وأن بنيته التحتية في مؤسسات الدولة مازالت تحاول لعب دور والقفز إلى المشهد، وادعاء أنها مع الثورة، وهو ما تجلى في حوار صحفي - انتقدته لافتات التحرير- مع أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب السابق يظهر فيه وكأنه مفجر الثورة.

سادسا: المشهد العربي لم يكن غائبا فالعلم الليبي القديم كان مرفوعا بأعداد كبيرة في ميدان التحرير والدعوات على المنبر لإنقاذ الشعب الليبي، وصلاة الغائب على أرواح الشهداء في ليبيا وسوريا واليمن، جعلت ميدان التحرير يوجه بوصلته في جزء منها إلى الدول العربية، ليعلن المتظاهرون أن مصر ليست منفصلة عما يحدث في العالم العربي، خاصة عندما هتفوا لسوريا مطالبين السوريين بالتحرك لإسقاط النظام.

الزخم الذي بدأ في العودة تدريجيا لميدان التحرير، سيكون أمامه أسبوع واحد على الأرجح ليدفع نحو تحرك شعبي استجابة لمطالب نشطاء الثورة، ونواتها الصلبة أو أن يتم نزع فتيل التوتر بتسريع الإجراءات، سواء فيما يتعلق بمحاكمات رأس النظام السابق، ورموزه، أو التخلص من بنيته التحتية، في مؤسسات الدولة المصرية.