الـ«ناتو» يقترب من الاستجابة للانتقادات الأوروبية أميركا تحسم موقفها من ليبيا: لن نعـود إلى دورنـا الأول

على الأوروبيين والأطلسي أن يتدبروا أنفسهم بأنفسهم في ليبيا. الرسالة التي حملتها، رغماً عنها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل وصولها إلى اجتماع الـ«ناتو»، في العاصمة الألمانية، وصلت حتى قبل إلقائها خطابها في قاعة المؤتمرات، في وزارة الخارجية الألمانية.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه أن «الولايات المتحدة لن تعود إلى دورها الاول في الضربات الجوية»، مضيفاً في المقابل أنه حصل «على ضمانات بأن يكثف الناتو ضرباته وقصفه لقوات معمر القذافي».
وتولّت تسريبات الوفد الأميركي المرافق لكلينتون الردّ على الانتقادات الفرنسية والبريطانية واتهامها الحلف بأنه لا يقوم بدوره. كما طالبت بعودة الطائرات الأميركية إلى مطاردة الدبابات الليبية وأرتال الكتائب الأمنية التي تحاصر المدن الثائرة في الزنتان ومصراتة بشكل خاص، وتحريك الجبهة الشرقية باتجاه الغرب وتخفيف الضغوط على بنغازي، بتكثيف الهجمات على الأهداف الأرضية، وعلى ارتفاعات لا تستطيع الطائرات الغربية الأخرى القيام بها.
وبرر الأميركيون انكفاءهم عن الإغارة على جبهات القتال، واكتفاءهم بالحد الأدنى من القرار 1973، ومراقبة تنفيذ حظر الطيران، ومنع تهريب الأسلحة إلى ليبيا، بأن الأطلسي الذي يسيطرون على قيادته، وقواعده، وقراراته، لم يطلب منهم أي مساعدة حتى الآن. وتحدثت مصادر الوفد المرافق لكلينتون، بأن الولايات المتحدة، لا تزال تقوم بدورها القتالي وعبر تزويد الأطلسي بلوائح الأهداف، ومدّ القوات الغربية بالمساعدة اللوجستية.
وأقرّ الأطلسيون في برلين، تداخل الأجندة الانتخابية الأميركية للرئيس باراك اوباما من اليوم فصاعداً مع العمليات العسكرية في ليبيا. وبات مؤكداً ان اجندة الرئيس الأميركي، ستحدد سقف انخراط لا يزيد من هواجس الرئيس، وخوفه كما تقول المصادر الأميركية من اتهامه بمواصلة سياسة سلفه جورج بوش رغماً عنه، وفتح جبهة اميركية ضد ثالث بلد مسلم في ليبيا، بعد افغانستان والعراق.
واستجابة للهواجس نفسها افتتح الأمين العام للأطلسي اندرس فوغ راسموسن النقاش، بإعلان أن الحلف قاد أكثر من الفي غارة منذ ان تولى قيادة العمليات قبل أسبوعين. واعلن أن 900 غارة جوية استهدفت قوات للقذافي كانت تهدد المدنيين في مصراته والزنتان واجدابيا وغيرها. وعن التلكؤ في تصعيد العمليات ضد قوات القذافي ومدافعه الثقيلة التي تهدّد المدنيين، كما اتهمه وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه، اجاب راسموسن بأن وتيرة الغارات تتزايد يومياً، وقد بلغت قبل يومين 155 غارة.
لكن قيادة الأطلسي العسكرية في تقريرها امام الوزراء في برلين، كانت أكثر قرباً من المطالب الفرنسية والبريطانية في التركيز ليس على عدد الغارات وانما على نوعية الأهداف التي يجب ضربها، والحاجة إلى صائدات الدبابات الاميركية، لوقف تقدم قوات القذافي داخل المدن المحاصرة وأقر راسموسن «بالحاجة إلى بعض» الطائرات لتطوير العمليات ضد قوات القذافي.
واستخلص الأمين العام للأطلسي انه لا حل عسكرياً في ليبيا «وان العمليات العسكرية ليست سوى جزء من الحل الذي يجب ان يكون سياسياً».
ولان الحل يجب ان يكون سياسياً، فقد تبادل الفرنسيون والبريطانيون مع راسموسن تحديد خريطة طريق سياسية واضحة، إلى جانب العمل العسكري. وتتقاطع الرهانات على تفاعل الضربات العسكريات وتهافت القدرات العسكرية للقذافي والعقوبات الاقتصادية وحرمان النظام الليبي من 120 مليار دولار مجمدة في البنوك الغربية، لن يستطيع استخدامها لإعادة ترميم خسائره الكثيرة. وينتظر الغربيون ان يؤدي الحصار المفروض إلى تهافت دائرة المخلصين المحيطة بالرئيس القذافي. وكانت بريطانيا قد ذهبت بعيداً في المراهنة على تعرية النظام من المخلصين وعزله إلى حد التخلي عن ملاحقة وزير الخارجية المنشق موسى كوسا في قضية لوكربي وجرائم اخرى اتهم بارتكابها خلال قيادته خمسة عشر عاماً للاستخبارات الليبية، وتشجيع المجلس الإنتقالي في بنغازي على ضمه إلى صفوفه مكافأة له على انقلابه على القذافي، وتشجيعا لمترددين حول العقيد قد يفكرون بالتخلي عنه.
وتقاطعت المواقف الأميركية مع الأوروبيين والأمين العام للأطلسي، في ان الحل السياسي لا يتضمن اي مفاوضات مع القذافي، وان الامر يعود إلى الليبيين انفسهم لتقرير ذلك في النهاية. وكان وزير الخارجية الفرنسية اكثرهم وضوحاً في عرض خريطة الطريق الذي سيوكل إلى عبد الإله الخطيب تسويقها. ويجمع الوزير الأردني السابق إلى جانب تمثيله الأمين العام للأمم المتحدة في الملف الليبي، مهمة المنسق لمجموعة الاتصال حول ليبيا. وقال جوبيه «ينبغي أن يبدأ الحل بوقف لإطلاق النار، وانسحاب قوات القذافي إلى ثكناتها، وفتح ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة أو تلك التي كانت قوات القذافي قد دخلتها بالقوة». ويلوح شبح ارسال قوات دولية في خريطة الطريق المقترحة، من دون ان تتحدد طبيعتها. وقال جوبيه «إن اي وقف لإطلاق النار، ينبغي أن يتضمّن آلية دولية لمراقبته على الارض»، اما التقسيم فقد بدأ يدس أنفه إذ قال جوبيه «إن بقاء القوات المقاتلة على خطوط القتال الحالية، وعدم انسحابها الفوري إلى ثكناتها، قد يؤدي إلى التقسيم».