في يوم الـ7000 أسير فلسطيني ..عوائل في انتظار طويل

على مدخل معتقل عوفر غربي رام الله تجمع العشرات من ذوي الأسرى الفلسطينيين، في اعتصام سلمي يطالب قوات الاحتلال بالإفراج فورا عن ابنائهم. لم تمر دقائق على الاعتصام حتى انهمرت قنابل الغاز على الحاضرين كالمطر، فيما هاجم عشرات من الجنود المدججين بالسلاح الحشد بالهراوات فأوقعوا عددا منهم جرحى. هكذا كانت حال يوم الأسير الفلسطيني في عديد من المدن الفلسطينية المحتلة التي شهدت اعتصامات مماثلة. مر اليوم كعادته ثقيلا على ذوي أكثر من 7000 أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال.
الحاجة انعام أم مؤيد كانت بين الحاضرين عند حاجز عوفر. حملت صورة ابنها المعتقل منذ 6 سنوات، بكت كثيرا، صرخت استنجدت بكل من فيه «نخوة» قالت بصوت متحشرج: «أريد ابني، اعيدوا مؤيد». ظلت تصرخ حتى اغمي عليها بعد استنشاق الغاز وعادت إلى منزلها لتنتظر يوم ينتهي «جحيم الاعتقال».
لم يختلف حال «عميدة النساء زوجات الأسرى» سميرة البرغوثي (50 عاماً)، التي دأبت منذ 33 عاماً، على زيارة زوجها فخري البرغوثي، المعتقل منذ 3 حزيران 1978، بتهمة قتل 10 اسرائيليين ومحكوم بعشرة مؤبدات (200 عام) وهو أقدم أسير فلسطيني حي.
تقول سميرة لـ«السفير»: «أريده أن يرى سماء الحرية مرة قبل أن يمر عليه الدهر أكثر، ويهرم أكثر، ويموت هناك ويعود لنا جثة»، وأضافت «لقد رحل عني وكان عمره 24 عاما واليوم صار عمره 57 عاما، ولا أعلم كم سيحتمل بعد». تؤكد بيأس «ليس عندي أمل أنه سيخرج، رغم أنني اقول لنفسي منذ 33 عاما، ان هذه السنة الأخيرة، وغدا سيخرج».
يأس سميرة، وإحباط انعام، يعكسان حال ذوي الأسرى الفلسطينيين، فالكل يدرك أن لا أمل في الأفق يلوح بشأن امكانية خروج من لم تنته محكوميتاهم، لا سيما اولئك الذين امضوا أكثر من عشرين عاما وأعدادهم بالمئات.
في جنين كانت الحاجة فتحية العارضة على موعد مع «نفحة أمل» حين قررت أن تعتصم وتطلق صرخة «وامعتصماه» علّ ذلك يفيد في اطلاق سراح أولادها الأربعة ( احمد، محمود، رداد، وهدى) المعتقلين في سجون الاحتلال ومحكوم عليهم بفترات سجن 15 عاما لكل منهم.
وتقول الحاجة أم محمد التي تجاوز عمرها 70 عاما إنها لم تزر ابنها محمود منذ 4 سنوات كونه معاقبا ومعزولا في الزنازين.
ولا تعكس قصة أم محمود سوى مشهد يتكرر عند أكثر من 2000 أسير فلسطيني وفق احصاءات وزارة الأسرى الفلسطينية، كلهم محرومون من الزيارات لأسباب تصفها إسرائيل بالأمنية. وكثير من هؤلاء الأسرى فقدوا ذويهم خارج المعتقل ولم يتمكنوا من معرفة ذلك إلا بعد مرور سنوات نظرا لصعوبة الوصول إليهم.
هكذا كانت الحال في الأرض الفلسطينية أمس، وهكذا ومنذ احتلت فلسطين في العام 1948 اعتقل الاحتلال أكثر من 750 ألف فلسطيني يشكلون نحو ثلث السكان ليخلق لهم آلاف القصص المؤلمة. ولغاية اليوم ووفق نادي الأسير ما زال يحتجز 7000 فلسطيني، لكل منهم « قصة وقصة وقصة».
وأفادت احصائية صدرت عن وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية أن الاحتلال ما زال يعتقل 7000 فلسطيني بينهم نحو 350 طفلا وقرابة 50 امرأة. وبحسب الاحصائية، هناك 302 «عميد أسرى فلسطيني» بينهم 136 أسيرا امضوا داخل السجن أكثر من 20 عاما، و41 امضوا أكثر من 25 عاما، و4 امضوا أكثر من 30 عاما في المعتقلات.
وتؤكد الاحصائية أيضا أن 202 أسير فلسطيني استشهدوا داخل المعتقلات، 74 منهم قتلوا بالرصاص بعد اعتقالهم مباشرة، و70 اثناء التحقيق، و51 نتيجة الاهمال الطبي، و7 قتلوا بالرصاص داخل الزنازين.
حكايات كثيرة يخبئها المعتقل، بعضها تنقله وسائل الإعلام، وبعضها يتناقله الأسرى، لكن الكثير منها يبقى مخفيا في داخل كل أسير، لا يمكن نقله أو تصويره. يروي الأسير المحرر أنس رفيق لـ«السفير»: «لقد تحررت قبل 3 أعوام، لكنني في داخلي ما زلت معتقلا، ورائحة الزنزانة، وأزيز الرصاص الذي كان يطلق علينا لحظات اقتحام السجن، والتعذيب، والشبح، وقلة النوم، كلها أمراض وكوابيس تبقى تلاحقنا للأبد». وأضاف «الأمرّ من كل هذا أن رفاقنا الذين تركناهم ما زالوا هناك، إن مجرد التفكير في استمرار اعتقالهم، أكبر من أين يوصف بكابوس».