هل يحكم مصر خمينيون إخوانيون سلفيون؟

هل وقعت مصر فريسة لإيران، للإخوان، للسلفيين؟ هل تتحول لدولة يحكمها خمينيون إخوانيون سلفيون؟، أقوالهم وتصرفاتهم تشير إلى ذلك وتؤكده.

فعلى مستوى الشارع بدأت قوافل السلفيين والإخوان النصح والإرشاد وتوزيع قوائم الحرام والحلال بالتهديد والوعيد.

أما على المستوى الرسمي لشيوخهم وقادتهم، فالتصريحات التي خرجت من أفواههم منذ بداية الثورة وحتى الآن مفزعة وخطيرة.

فالأمين العام لحزب العمل الإسلامي مجدي أحمد حسين قال 'إن مصر استلهمت ثورتها من الثورة الإسلامية في إيران'، والإخوان المسلمون صرحوا بحق الترشح للرئاسة، وبالفعل أعلن أكثر من عضو بمكتب الإرشاد أنه يفكر بالترشح، وطالب نائب المرشد العام محمود عزت بحكم إسلامي في مصر.

وأما السلفيون فتصريحاتهم وحركته على أرض الواقع تحمل إصراراً على الدولة الدينية والصدام مع الصوفية والأقباط، والآن هناك علامات تحمل نذيراً على ما يمكن أن تؤول إليه مصر، منها التظاهرات السلفية التي تطالب بإزاحة محافظ قنا كونه قبطياً وليس لكونه شارك في قمع ثورة 25 يناير، وعزل البابا..والأمور تزداد اتساعاً.

في هذا التحقيق طرحنا كل هذه الأمور على الكتاب والمثقفين المصرية، وتساءلنا في النهاية: هل وقعت مصر فريسة لإيران، للإخوان، للسلفيين؟ هل تتحول لدولة يحكمها خمينيون إخوانيون سلفيون؟ وكانت هذه الآراء التي نبدأها بثلاث رؤى تتابع الموقف عن كثب.

في البداية أكد الكاتب الروائي سعد القرش أن هذه التصريحات 'استحمار للشعب' وخطف لثورته، وأضاف 'في شهادته على عصر صديقه الملك عبد العزيز بن سعود يسجل محمد أسد في كتابه 'الطريق إلى مكة' خطورة 'تحضير العفريت' السلفي إذا كنت تنوي بناء دولة. العفريت عفريت يصعب استئناسه، سيخلص لطبائعه، وسرعان ما يتسلل من الثياب ويسمم الجسد، أو يحرق الثياب، ويكون خطراً على أي تسامح'.

يقول الرجل 'تحول الحماس الديني للإخوان، وميلهم لخوض الحروب، إلى قوة جديدة في يد ابن سعود، وبدأت حروبه منذ ذلك الوقت تكتسب شكلاً جديداً..اكتسبت وجه الحماس الديني الذي يخوض المعارك لا من أجل مكاسب دنيوية، بل من أجل إعلاء شأن العقيدة. أما بالنسبة للإخوان، فقد كانت الولادة الجديدة للإيمان تحتوي، على الأقل، على مضمون أشمل من المضامين الشخصية الذاتية، وكانوا يلتزمون بالعقيدة وتعاليمها، بلا تهاون أو تحريف...كانت مفاهيم أغلبهم مفاهيم بدائية، وكان حماسهم يتسم بالتعصب الزائد. ولسوء الحظ، ظل ابن سعود قانعاً وراضياً بما هم عليه من مظاهر بدائية، وفهم سطحي للدين، وابتعادهم عن المعارف الدنيوية. لم ير ابن سعود في حركة الإخوان إلا قوة في يد السلطة، وفي الأعوام الأخيرة قدر لهذا التصور أن ينقلب، ويصبح قوة مضادة تهدد المملكة التي شيدها بجهده'.

ويضيف القرش 'العفريت الذي استعان به ابن سعود، أكاد أرى خطوات تحضيره في مصر، وقد تابعت طوال أيام ثورة 25 يناير منحنى الحضور السلفي والإخواني، وأبديت خوفي بعد موقعة الجمل (2 فبراير)، وقلت لأصدقاء 'شكلها هتقلب إخوان'، ثم لاحظت تراجع الحضور الإخواني، حين لوح لهم عمر سليمان نائب الرئيس بالحوار، وشطب لقب 'المحظورة'، وخشينا من فراغ ينتج عن سحب كوادرهم من الميدان. (سيكون هذا الرصد ضمن كتاب أعده حاليا عن الثورة)، وبلغ المنحنى السلفي ذروته بعد تنحي مبارك يوم 11 فبراير، حيث ارتفع شعار 'الله وحده أسقط النظام'، بديلاً لشعار 'الشعب يريد إسقاط النظام'، وكدت أتعرض لأذى، في تلك الليلة بالميدان، بسبب اعتراضي على بروز هذه النزعة السلفية العنصرية'.

ويقول القرش 'لا يعلم الذين أطلقوا شعار 'الله وحده أسقط النظام' حقيقة أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين ماتوا قتلاً، وهم يصلون أو يقرأون القرآن، وأن العشرة المبشرين بالجنة قاتل بعضهم بعضاً، وسقط قتلى في موقعة الجمل الأولى بقيادة أم المؤمنين عائشة، وبسيوف المبشرين بالجنان، ولا أحد ينكر وقوع تمثيل بجثث أشرف خلق الله، أحفاد الرسول من ابنته السيدة فاطمة، ولم يكونوا أقل إيماناً من الثوار بميدان التحرير'.

ويتابع 'ضع شعار 'الله وحد أسقط النظام'، بجوار صيحة 'إسلامية إسلامية'، بجوار حضور أو استدعاء أو دعوة الشيخ القطري يوسف القرضاوي لخطبة الجمعة في ميدان التحرير، بجوار اقتراح عبود الزمر لجنة للتكفير، بجوار تصريح مهووس ـ بعد الاستفتاء على تعديل الدستور ـ عنوانه 'غزوة الصناديق'، وستكون النتيجة قص شعر فتاة بقاطع حديدي 'كاتر لم يصنعه المسلمون' وسط الركاب في ميكروباص، وقطع أذن مواطن مسيحي، واستنكار واعظ صغير السن أن يقول كلمة 'مسيحيين'، خشية أن يتلوث المنبر!'

ويؤكد القرش أنه مع صعود النفاق السياسي تتراجع هيبة الدولة، ويميع مفهوم المواطنة، ويضيع الدين نفسه، وما يضمن إقامة الدين وممارسة شعائره هو الدولة المدنية والدستور الذي لا ينص على أن للدولة ديناً، الدستور المدني يحترم جميع الأديان، ولن يلاحق مسلماً أو يجعل له في 'أمن الدولة' ملفا لأنه يطلق لحيته أو يواظب علي صلاة الفجر.

ويشدد القرش على أن 'المستنقع الوهابي الذي حال دون قيام 'دولة' في الجزيرة زحف إلى مصر، منذ نحو 35 عاماً، ويكاد ينجح، بنص الدستور هذه المرة، وساعتها سيقول كثيرون: دولة فاسدة يقودها أهوج مثل جمال مبارك أفضل ألف مرة من دولة دينية، سيكون الخروج عليها كفراً. بعد ما تصورته نجاحاً للثورة، أكاد لا أفهم شيئاً، فمن يصنع هذا التحالف الشيطاني بين السلفيين ومؤسسات دولة يريد مواطنوها الشرفاء أن تخرج إلى النور؟ أرجوكم لا تسهموا في تحضير العفريت! لنكن فاعلين وشهوداً على ولادة دولة مدنية، لا شهداء في دولة دينية ستأكل المخالفين لها، بمن فيهم الإخوان المسلمون'.

ويقرأ الكاتب والروائي د.السيد نجم واقع الحال والمأمول، ويقول 'لنعد النظر إلى واقع حركة الشارع السياسي فى مصر، ولن أقول 'في مصر الآن'، لأن هذا الواقع ملموس وواضح منذ أكثر من عقد من الزمان، منذ ضرب الإرهاب أو حركات الإسلام السياسي الذي يتسم بالعنف فى الثمانينيات وأوائل التسعينيات، تحول النشاط العنيف للتيار السياسي إلى توظيف القوى اللينة في المجتمع لاحتواء الشارع، وأعتقد جازماً أن هذا التوجه أثمر عن نجاح وعبر عن نجاحاته بشيوع تنقيب المرأة، وانتشار الجمعيات والمستشفيات والمراكز التجارية والخدمات تحت عنوان ينتهي بتعبير 'الإسلامي''.

ويضيف 'فى المقابل ودون أن يدرى النظام السابق، قام بحصر الحركة السياسية تحت هيمنة حزب سياسي واحد 'الحزب الوطني المنحل الآن'، بكل ما يتضمنه من سلبيات الانتهازية والفساد لأغلب عناصره، ومع الخط نفسه، كان إضعاف الأحزاب السياسية الأخرى، على كل أشكالها وألوانها وتوجهاتها، فلم يعد لهذه الأحزاب أي دور سياسي يذكر لها، وأعلم أن تلك الأحزاب اتجهت لمجاراة عناصر الاتجاه الإسلام السياسي، فكان منها من فتح أبواب وحداته 'القليلة' للعلاج بالقرآن، ولتفسير الأحلام، وبعضها لإعطاء دروس خصوصية بأسعار مخفضة لأبناء أعضائه، فضلاً عن محاولات فتح مراكز طبية غير مكتملة ولا تقدم خدمة حقيقية. وفي النهاية فشلت..فلا هي شاركت الحزب الوطني فى حركة الشارع ـ إن كان للحزب الوطني دور يذكر ـ ولا هي نجحت بنجاح يماثل العناصر الإسلامية!'.

ويؤكد السيد نجم 'لذلك ليس من المستغرب أن نصل إلى ما نحن عليه الآن، ما يعنى هيمنة الحركات الإسلامية على رجل الشارع، فهو في النهاية له مطلب ما، ولا يهم بالنسبة له، من سيقدم له ويجيب مطلبه، إذن وهذا من الأمور الهامة، أن هذه الهيمنة ليست سياسية وعن قناعة يمكن الدفاع عنها والعمل من أجلها، وهو ما يعتبر الفرق الجوهري بين التيار الإسلامي فى مصر الآن وما كان قبل الثورة الإيرانية، يكفى الإشارة إلى أن الثورة الإيرانية كانت بزعامة دينية، ونتيجة شعارات وأفكار وأهداف دينية، بينما في مصر التيار السياسي الديني اكتشف نفسه من جديد تحت مظلة ثورة، تدعو للتخلص من سلبيات عهد مضى، وتسعى إلى تحقيق مصر جديدة تنعم بالديمقراطية الحقيقية، والبشائر متجددة مع كل يوم'.

ويصل السيد نجم إلى أن ما يحدث الآن هو نوع من محاولة إثبات الوجود السياسي الحقيقي فى الشارع، كما يحدث في 'قنا' وأيضاً المبالغة فيما حدث بعد حادثة الكنيسة الأخير فى 'أفطيم'، والمثالان المذكوران يشيران إلى حقيقة هامة أخرى، أن التيار الديني الجديد في الشارع المصري لم يعد تياراً إسلامياً فقط، بل مسيحياً أيضاً، وهو بالطبع يختلف عن حال الثورة الإيرانية وتمثلها كما يخاف البعض.

ويقول 'لا يعنى هذا إهمال الظاهرة، ولكن أن تفهم بقدر شكلها وحجمها، وأنها مرتبطة بظواهر اقتصادية واجتماعية أكثر من كونها ظاهرة دينية وسياسية والموت دونها، وكلما تم انجاز ديمقراطي واقتصادي واجتماعي، انحصرت الظاهرة إلى حدود أصحابها، أصحاب المصالح من ورائها، أو أصحابها كعقيدة سياسية'.

وقال محمد الشاذلي الكاتب والصحفي في جريدتي الأهرام والحياة 'تسلمت قبل قليل نسخة من 'وصلة' مطبوعة غير دورية تصدر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وغلافها موحي جداً وهو عبارة عن غرافيك للحية سوداء من دون وجه وتحتها جملة 'اللي خايف يروح'، الخائفون الكثيرون في مصر الآن لن يجدوا ما يطمئنهم حتى لو تحصنوا في منازلهم، وهم فيما أظن من الاتجاهات كافة، هم خائفون من التشدد بصفة عامة، وأظن أن طيفاً واسعاً يبدأ من الأقباط ولا ينتهي عند الإسلاميين المعتدلين، يشكلون مجموعة الخائفين والقلقين علي أوضاعهم. ولأن ثورة 25 يناير لم يقم بها تيار بعينه وهذه حسنة وسيئة في آن، فإن الكافة تظن فرادي وجماعات أنها صاحبة الإنجاز، ومن ثم يحرصون على 'حماية' الثورة ومنع سرقتها وسلب ثمارها من بين أصابعهم'.

وأضاف الشاذلي 'لا أظن أن الثورة المصرية استلهمت مغامرتها من الثورة الإيرانية، وإذا كان لابد من إلهام فإن واقع الحال يشير إلي تونس وليس إلي إيران، كما لابد أن نحافظ علي الذاكرة لأنها وحدها هي التي تقول لنا إن الإخوان المسلمين رفضوا المشاركة في يوم الغضب، ولم يجدوه أمراً ملائماً أن يعكروا على الشرطة في عيدها، كذلك فعل الأقباط والسلفيون، وكل من لهم علاقة تنظيمية بمؤسسات ذات مرجعية دينية، فيما بعد كان الأخوان حاضرين بالفعل ولكنهم في البداية لم يحركوا شيئا أو شاركوا فيه. كل من شارك إذن بما فيهم التيارات السلفية والمتشددة والإخوانية وكل التيارات العلمانية والمثقفين والسياسيين يريدون رسم المستقبل بما يناسبهم. وبالضبط كما يفكر الأقباط في الهجرة وينظرون إلي المناصب والمكاسب التي توزع على مسلمين فقط فإن الإسلاميين المنظمين في جماعة أو حزب أو حركة يريدون إقامة الدولة الدينية الإسلامية. أما الجيش الذي يتولى السلطة في البلاد حالياً ويسانده طاقم الرؤساء المحتملين فيريدون دولة مدنية'.

ويرى الشاذلي أن هذا الصراع قابل أن ينتهي لصالح الدولة الدينية قطعاً عبر مراحل وليس دفعة واحدة، والاخوان قالوا بذلك، فتحدثوا عن ثلث مقاعد البرلمان أو أقل من نصف المقاعد في البداية، 'هذه المراحل قد تشبه هنا وإن حدثت بإيقاع أبطأ، أو ستكون قريبة الشبه بما جري في إيران، التي كان أول رئيس جمهورية لها رجلاً مدنياً هو الحسن بني صدر، والذي اضطر للهرب بعد سبعة عشر شهراً في زي امرأة منقبة إلى تركيا. ومن المؤكد أننا لن نرى عمرو موسي هارباً عبر مركب من السويس أو محمد البرادعي عبر الأسلاك علي الحدود مع ليبيا، ولكننا في مصر أصبحنا مثل راكبي الدراجات وننزل منحدراً فلا يمكننا سوى الاستمرار في النزول أو السقوط نحو الدولة الدينية'.

ويؤكد الشاذلي أن 'كثيراً من أنصار الدولة المدنية أو الأغلبية الصامتة تؤهل نفسها الآن للعطاء الديني تنفيذاً لفكرة تدور الآن في المجتمع تركز على أحقية الإسلاميين إذا جاؤوا عن طريق صناديق الاقتراع حتى لو سماها بعضهم مرة أخري بغزوة الصناديق، كما أنه لا مانع من التحلي بسلوك إسلامي وانضباط أخلاقي، فهذا لا يضير أحداً إلا من يريد السلوكيات المنحرفة، ولم يلتفت أحد إلى ضوابط دستورية من أي نوع حتى لا تتحول الدولة إلى لعبة في يد من يحكمها حتى لو كان حزباً مدنياً، أحاديث عن المنوط به حماية الدستور والإلحاح عن مدنية الدولة حتى لو وصل إلى الحكم سلفيون أو اخوان، أحاديث من هذا النوع غير مطروحة على الإطلاق أو مطروحة علي استحياء، وبالتالي فإن فرص الدول الدينية في مصر تحت أي مسمى هي الأقرب في المدى المنظور، وفي ظل 'جنة' الفوضى التي يعيشها المصريون بعد الثورة وأحد تجلياتها إرغام محافظ قنا المسيحي على الاستقالة، وتطبيق الحدود بواسطة آحاد الناس في أماكن عدة، بخلاف الانفلات الأمني، فإن الحكم الديني لن يجد عائقاً ليس فقط في التحقق وإنما في الاستمرار لزمن طويل قادم، وبشكل متنوع ما بين معتدلين وأواسط ومتشددين إسلاميين'.

عن ميدل ايست اون لاين