«رسائل» تركية بالجملة إلى دمشق: الإصلاح حتمي والأسد قادر والحل سوري

لا يتردد عمر تشيليك، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية للشؤون الخارجية، والشخصية صاحبة الحضور في الحزب، في القول إن باب الاجتهاد، الذي كان قد أغلق منذ مئات السنين، فتح للمرة الأولى في العالم العربي (السني) في ميدان التحرير في القاهرة. حيث للمرة الأولى يقف علماء دين ويعترضون على الحاكم.
لكن تشيليك لا يقصد بذلك أيضا أن الحل هو الإسلام كما رأت بذلك جهات معينة في العالم العربي، إذ يقول إن هذا الشعار يحمل عواطف سياسية، وليس ممكنا تحويله إلى مشروع سياسي.
وينطلق تشيليك من تجربة حزب العدالة والتنمية للقول إن الغرب يخطئ بالقول إن «العدالة والتنمية» هو انسجام بين الإسلام والسياسة، أو بين الدين والسياسة، بل هو انسجام بين الأفكار والسياسة، إذ أن الدين ليس مشروعا سياسيا.
ويرى تشيليك، في ندوة في أنقرة، أن الأنظمة العربية وضعت مشروعيتها من خلال العداء لإسرائيل والغرب مع إرجاء الإصلاح الداخلي وهذا خطأ.
من جهته، رأى النائب عن حزب العدالة التنمية مراد مرجان أن على كل دولة أن تبذل مجهودا من اجل الحرية، لكن لكل منها شروطها الخاصة. ويقول إن «التغيير في تركيا نفسها لم يمر بسلام. كانت هناك صدامات والتحوّل في تركيا لم يبدأ مع حزب العدالة والتنمية فقط».
ويرى مرجان أن التغيير في العالم العربي حتمي، لكن السؤال كيف يمكن أن يحدث، والعرب بحاجة لبنية اجتماعية جديدة، ولا يمكن لأي دولة أن تتحرر وتصبح ديموقراطية بمفردها بل تحتاج للمساعدة.
ويرفض مرجان التدخل في الشأن السوري، إذ انه كما رفضت تركيا التدخل في شؤونها فهي ترفض أن يتدخل احد في الشأن السوري الذي يعود للشعب. فتركيا ربما تريد تغييرا في مكان ما لكن التدخل عمل خاطئ، و«لا أريد أن اترك أمرا سيئاً لأحفادي»، لكن مرجان يرى أن للحركات الإسلامية في العالم العربي إمكانية كبيرة لقيادة التغيير.
ويرى مستشار الرئيس عبد الله غول، أرشاد هرمزلي أن التغيير في العالم العربي يجب أن يكون عبر صندوق الاقتراع، وليس من سبيل لمنع الانفجارات سوى تحقيق الديموقراطية.
ويرفض هرمزلي، في لقاء في القصر الجمهوري في تشانكايا، الاتهامات الموجهة لتركيا بالازدواجية في الموقف من الثورات العربية، قائلا «إن تركيا لم تصمم البيت العربي، وهذا البيت لم يحم نفسه بحديقة وسياج. وتركيا لا تصمم بيوت الآخرين ولا تزرع حدائقهم». واعتبر أن تركيا ليست مع هذا النظام أو ذاك بل مع خيارات الشعوب. وقال «إن الإعلام التركي يُفهم تركياً خطأ ونحن نريد أنظمة شفافة، لكن هذا قرار الشعوب وليس مهمة تركيا».
ويرى مستشار رئيس الحكومة إبراهيم قالين، في لقاء في رئاسة الحكومة، «أن العرب أجّلوا التاريخ لكن في الصورة العامة فإن نهاية مسيرة التغيير ستكون ناجحة». وقال «إن الثورات العربية في الخمسينيات لم تتمخض عن نتائج مرجوة، ولم تعكس تطلعات الناس وكان يجب الانتظار حتى اليوم لنرى سلطات تعكس الإرادة الشعبية».
وأبدى قالين تفاؤله بالعلاقات بين العرب والأتراك، وحتى الأتراك لم يعودوا ينظرون إلى الثورة العربية الكبرى على أنها ثورة ضد الأتراك بل كحادثة محلية في سياق الحرب العالمية الأولى. وقال انه «عندما حدثت عملية التمرد كنا نناضل في اليمن ضد الامبريالية».
وأبدى قالين قلقه من الوضع في سوريا، قائلا «رسالتنا واضحة لسوريا وهي انه يجب بدء حوار وطني وإيقاف العنف والإسراع بإصلاح شامل». وأعرب عن خشيته من صراع مذهبي في سوريا، ولذا تتابع تركيا باهتمام الوضع.
ومن منطلق مواجهة الفتنة المذهبية يقول قالين «لقد ذهبنا إلى كربلاء والنجف وزرنا ضريح الإمام علي ويمكن القول إنه الآن دخلنا المنطقة الخضراء الحقيقية».
ودعا قالين إلى إيجاد آلية لإدارة الاختلاف والتنوع وعدم تحويل قضية البحرين إلى قضية مذهبية، معتبرا انه حيث توجد مصلحة لتركيا تكون مصلحة لسوريا وإيران. وقال إن الغرب كان يخلق الحروب ليبقى قوياً، مبدياً استعداد أنقرة لتمويل منظمات المجتمع المدني في العالم العربي بدلا من الغرب.
ويرى نائب مدير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية سادات اونال أن الأنظمة العربية تعاني من نقصين: المشروعية والإدارة الجيدة. وعندما لا يتم الشعور بالحاجة إلى التغيير يصبح من المستحيل تحسين النظام لنفسه. ووصف التغييرات في العالم العربي بالتاريخية، وتكسر نظرة الغرب إلى أن المجتمعات العربية غير قابلة للإصلاح، لكنه كان واقعياً بالقول إن «التغيير لا يتم بين ليلة وضحاها. وحتى الديموقراطية في تركيا لم تتوطد بعد». وقال إن المرحلة الأصعب هي المرحلة الانتقالية، حيث يجب إنشاء المؤسسات اللازمة لتحقيق الديموقراطية، معتبرا أن دور تركيا يمكن أن يكون في المساعدة لتقصير عمليات الإصلاح.
وأعرب اونال عن خيبة أمله «لأن سوريا لم تقم بخطوات ديموقراطية كافية يطالب بها الشعب السوري. والحالة، للأسف حرجة جدا». وقال «رسالتنا واضحة للسوريين. وهو أن رياح التغيير لا مفر منها ويجب إدارة الرياح بشكل جيد وتحقيق الإصلاح بسرعة، أو أنكم ستتأثرون سلباً، ولا خيار ثالثاً. كما ندعو السوريين إلى نبذ استخدام العنف ضد المدنيين. وفي عالم اليوم لا يمكن التسامح أو غض النظر عن هذه النقطة».
لكن اونال قال إن تركيا لا تزال تؤمن بقدرة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الإصلاح. وأضاف «إن سوريا بلد متنوع، وليس منسجماً وإذا فقد الاستقرار في سوريا فستتأثر المنطقة كلها. لذا فالأفضل لسوريا ليس قمع التغيير بل تحقيقه».
وأعلن الرئيس التركي عبد الله غول، في انقرة، ان بلاده تستعد للتعامل مع عملية لجوء عدد كبير من السوريين إليها. وقال إن تركيا «تستعد للسيناريو الأسوأ»، معبراً عن امله بان يتم تطبيق الإصلاحات في سوريا ووقف إراقة الدماء.
وكان وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو أعلن، أمس الأول، إن «تدخلا أجنبيا في بلد مثل سوريا له بنية اجتماعية متنوعة قد تكون له تداعيات مؤسفة». وأضاف «نعتقد أن من الأهمية بمكان أن تجد سوريا بنفسها حلا. ثمة فرص لحصول هذا الأمر وينبغي عدم تجاهلها».