محلل أميركي: بن لادن في قبره المائي أكثر خطورة منه عندما كان حيَاً

يقول المحلل الأميركي إد حسين في اشارة الى قتل قوة اميركية خاصة زعيم تنظيم 'القاعدة' اسامة بن لادن في بلدة ابوت اباد الباكستانية إنه 'كان من الصواب تصفية هذا العدو. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن موته قد أضعف الجهاديين'. ويضيف حسين، وهو زميل في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن العاصمة ومؤلف كتاب 'ذي اسلاميست' (الاسلاموي): 'أحببت أن يكون بن لادن قتيلا أو أسيرا لأكثر من عقد، ولكن عندما قتل بالرصاص على أيدي قوة خاصة أميركية هذا الأسبوع كان هناك شيء خاطئ ما. فمهما كان العدو شريرا، فإن الابتهاج العام بقتله كان مشينا، وتحديدا شرب البيرة والصراخ في الشوارع الأميركية عند سماع نبأ قتله.



وفي لمحة خاطفة، شعرت أميركا وكأنها أعيدت إلى الجراح التي لم تبرأ من أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. لكن من غير الممكن ان يكون أي عمل انتقامي، مهما كان كبيرا، مساويا أو لتلك الأحداث المرعبة او خاتمة لها.



وفي تناقض صارخ مع الابتهاج الأميركي على أمواج الأثير وفي الشوارع، كانت التغطية العربية حذرة، ورصينة وخافتة. وفي حين تبادل المذيعون في شبكة 'فوكس نيوز' رفع علامة النصر، كانت قناة 'الجزيرة' أكثر جدية. ولكن تحت محاولة انتهاج الموضوعية كان هناك أمر أكثر إزعاجا. فموقع القناة على الانترنت باللغة العربية تحول إلى مكان لتقديم التحية لبن لادن. وسجل الشباب من أنحاء الشرق الأوسط تعليقات تدين الغرب، وتتهم حلفاء الولايات المتحدة بالكذب وتصف بن لادن بأنه 'شهيد' (إذا تم قتله فعلا، وهو ما شكك فيه بعضهم) وتلمح إلى أن 'آلافا من بن لادن ولدوا اليوم'.



بن لادن ميتا أكثر قيمة بالنسبة الى 'القاعدة' وللجهاد العالمي. فقد أمضى العقد الماضي مختبئا، يصدر بيانات أحيانا، لكنه يتلاشى تدريجيا من خيال المسلمين. وعندما زرت القاهرة الشهر الماضي، كان يعتبر نائيا وغير ذي صلة بقادة الإخوان المسلمين الذين قابلتهم. وقد أشاروا إليه هذا الأسبوع على أنه 'الشيخ أسامة'- وهو لقب يقتصر على رجال الدين المحترمين الذين لم يكن واحدا منهم. ولكنه عندما مات، أصبح بسرعة رمزا من نوع جديد.



ومن دون أي شك، فقد كانت الولايات المتحدة محقة في تصفية بن لادن، لكن من الخطا التفكير بأن موته سيضعف 'القاعدة'. صحيح أن ضربة نفسية هائلة قد وجهت للمنظمة، لكن 'القاعدة' لم تعد مجرد منظمة، لكنها طراز عالمي، وفكرة، وفلسفة حصلت الآن على أول شهيد سعودي من الأراضي المقدسة الإسلامية.



وتستطيع 'القاعدة' نظريا أن تصبح أقوى في السنوات المقبلة. فلم يؤد مقتل مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1949 إلى إضعاف الحركة. كما أن شنق سيد قطب عام 1965 أنتج جيلا من الجهاديين. وكان بن لادن وكبير مساعديه أيمن الظواهري من 'القطبيين'. وأقرب من ذلك زمنا أنه، في العام 2006، عندما قتل أحمد ياسين، مؤسس حركة 'حماس' وصاحب الكاريزما، ظن الاسرائيليون أن 'حماس' ستضعف. لكنها حاليا أقوى من أي وقت مضى، وتحكم قطاع غزة.



وبالمثل فإن 'استشهاد' بن لادن سيعلق بخيال جيل جديد من المسلمين. ولا عجب إذن أن جون برينان، كبير مستشاري اوباما في محاربة الإرهاب، تجاوز الحد في سعيه لإطفاء بريق بن لادن من خلال الادعاء بأنه كان جبانا واستخدم زوجته كدرع بشري أمام الجنود الأميركيين.



وذهب برينان إلى حد القول بأن بن لادن لم يكن نموذج البطولة الذي ناضل في جبال افغانستان، لكنه مليونير اختبأ وسط رفاهية في بلدة ثرية نسبيا.



وكون بن لادن مات في باكستان- وهي دولة ترفض التطرف في داخلها، وسارعت فورا لاتهام الهند والغرب بالتسبب في مشكلاتها- يتوجب أن يثير قلقنا نحن أيضا.



وطيلة العقد الذي انقضى حتى الآن، كرر قادتها السياسيون والعسكريون القول أنه ليس مختبئا في بلادهم، وحتى إن بعضهم قال إنه مات. ونحن الآن نعلم الحقيقة، وأن صورة باكستان انكمشت في نظر العالم إلى حد اعتبارها ملاذا للإرهاب تسيء دولة ضعيفة حكمه. وهذا الارتباك، مقترنا بجاذبية حالة بن لادن 'الشهيد' وانشار شبكات المدارس (الدينية)، تهدد بمزيد من نشر التطرف في جيل من الشباب الباكستاني الغاضب.



وعلى الولايات المتحدة أن تخطو بحذر في باكستان. فهجمات طائراتها غير المأهولة مكروهة جدا في أوساط الباكستانيين العاديين، كما أن السياسيين في تلك الدولة غيورون في ما يتعلق بسيادة دولتهم. والآن وقد مات أكبر إرهابي مطلوب في العالم، على الولايات المتحدة أن تفكر في وقف هجمات الطائرات غير المأهولة، وفي تحسين علاقاتها مع الجيش والكتل السياسية في الباكستان.



ومع استمرار معركة كسب القلوب والعقول في باكستان، سيكون لموت بن لادن أسرع تأثير فوري في أكثر مناطق العالم هشاشة- الشرق الأوسط. ولا توجد قضية أكثر حساسية، وأكثر قدرة على رفع الصوت لتجميع المتطرفين، من الصراع العربي- الاسرائيلي.



واتفاق الوحدة الأخير بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و'حماس' في غزة وضع الحكومة الاسرائيلية في موقف دفاعي، لأن هناك ادعاء بان تردد اسرائيل في عقد السلام مع محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، قاده الى تبني 'حماس'. وإذا لم يتمكن عباس من منح الفلسطينيين السلام، وفقا للبعض، فإنه يستطيع على الأقل منحهم وحدة.



ومن الأفضل بالنسبة الى السياسيين الواقعيين في أميركا وأوروبا الضغط على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتقديم تنازلات عملية والدخول في صنع السلام، مهما كان هشا، مع السلطة الفلسطينية، وأن يطالبوه بعدم التشدد إلى هذا الحد مع 'حماس'، التي انتخبتها غالبية من سكان غزة.



لكن تصريح اسماعيل هنية، رئيس وزراء 'حماس' في قطاع غزة: 'اننا نندد باغتيال مسلم ومجاهد عربي ونضرع الى الله ان يتغمده برحمته' هو هدية من السماء الى نتنياهو. وسيسأل الاسرائيليون الآن، عن حق، كيف يمكن ان يوقع بلدهم معاهدات سلام مع منظمة تدعم بصورة مكشوفة بن لادن الذي هو رجل قاتل من اجل تدمير اسرائيل. وقد ترك، في موته، المتشددين الاسرائيليين اقوى من ذي قبل، وجعل المعتدلين الفلسطينيين اضعف، وجعل السلام امكانية ابعد.



ومع امكان تحول الصراع العربي-الاسرائيلي الى نقطة اشتعال اكيدة في الاشهر المقبلة، فان تركة بن لادن الدائمة قد تكون ارغام الربيع العربي على اتخاذ مسار جديد. وهو لم يكن ذا صلة بالنسبة الى الربيع العربي في حياته، ولكنه قد يحوله عن مساره من قبره المائي. واي صراع الآن بين اسرائيل والفلسطينيين سيشعل المنطقة برمتها بسهولة باحاسيس مناوئة لاسرائيل ومناوئة للغرب، وهو امر كان غائباً غياباً قوياً عن الاحتجاجات في الشوارع.



ان الاحتفالات في الغرب لا يجب ان تعمينا عن تركة موت بن لادن. وآلاف الرسائل التي نشرت على موقع 'الجزيرة' على الانترنت توفر لنا رؤية ثاقبة للـ 'الشهيد' الذي تحول اليه. ان حياته ومماته مادة دعاية لقضية 'القاعدة'، المغناطيس الذي يجذب جيلاً جديداً من المجندين الجهاديين في باكستان وخارجها. لكن الطرقة الاكثر فوريةً على بابنا من شبح بن لادن ستسمع في القدس والاراضي المجاورة لها.