المصالحة بنظر إسرائيل: نتنياهو يخيّر الفلسطينيّين بين إسرائيل وحماس

بغضّ النظر عمّا ستثمر عنه المصالحة الموقّعة بين فتح وحماس، إلا أنّ الصور المنقولة من القاهرة أربكت الصيغة السياسية الإسرائيلية، وأسقطت رهاناتٍ عديدةً عوّلت على الانقسام الفلسطيني للتهرّب من تعهدات سابقة أو مبادرات مقبلة.
وبدا الارتباك جليّاً بإسراع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حتى قبل التوقيع رسمياً على المصالحة، إلى إصدار «بيانٍ استنكاري» خاطب فيه السلطة الفلسطينية بلغة «إما نحن أو هم». وكأن المصالحة تأتي بين دولتين تخاصمتا ولا انقسام بين أبناء شعب واحد.

قال نتنياهو إن على السلطة الفلسطينية أن تختار «إما السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس»، مضيفاً إنه «لا يمكن السلام مع الاثنين لأنّ حماس تسعى إلى تدمير دولة إسرائيل». المحلل السياسي لـصحيفة «معاريف» بن كاسبيت، انتقد نتنياهو على ردّه، لا بدافع ضرورة استثمار المصالحة الفلسطينية، بل تعويلاً على أن المصالحة لن تدوم. واقترح بن كاسبيت على نتنياهو ألا يتدخل، ويترك عباس «يتصبّب عرقاً أمام شركائه الجدد».
خلال المصالحة، سافر نتنياهو إلى بريطانيا. هدف الزيارة هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعنوانها هو إقناع بريطانيا بعدم الاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967. نتنياهو يعي جيداً أنه في حال إقناع لندن وباريس بهذه الخطة (بعدما أقنع ألمانيا بحسب مقربيه) فهذا سيجعل موقف عباس ضعيفاً، وسيبادر الأخير إلى سحب المبادرة.
وتزامنت زيارة نتنياهو مع حدثين: المصالحة الفلسطينية أولاً، ومقتل مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. لذا استغل نتنياهو المستجدات، إذ يشتهر (منذ إعلان بوش الابن في سبتمبر 2001 الحرب على الإرهاب) بمحاولاته اللامتناهية لإدراج الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ضمن «الحرب على الإرهاب».
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه المرة في لندن إلى التشديد مرة أخرى على برنامجه القديم، مستغلاً مقتل بن لادن والمصالحة لمهاجمة الفلسطينيين، مؤكداً أنّ إسرائيل «لن تتفاوض مع صيغة فلسطينية للقاعدة».
الجهات الأمنية الإسرائيلية تبقى خاضعة في مثل هذه الحالة للمستوى السياسي. لكنّ هذا لم يمنع رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك»، يوفال ديسكين، في حديث مع عددٍ من الصحافيين، قبل إنهاء مهماته بقوله إن الإسرائيليين «بالغوا في الردود على المصالحة الفلسطينية»، رافضاً التفصيل أكثر. لكنّ ديسكين قال إنّ «حماس دخلت إلى مشكلة صعبة في سوريا وشعرت بعدم استقرار في الجو. وهذه (المصالحة) خطوة تكتيكية (بالنسبة إلى حماس) وليست استراتيجية»، مستبعداً أن تكون هناك «مصالحة حقيقية بين فتح وحماس». بينما كتب رئيس «الشاباك» السابق آفي ديختر مقالاً في موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني، انتقد من خلاله عباس، متهماً إياه بأنه «أخطأ مرتيّن». وقال إن أعين حماس «متجهة نحو الضفة الغربية» (أي السيطرة عليها).
واستخلص أن «أبو مازن وبنيامين نتنياهو مجبران على أن يفهما أنهما أمام تهديد حماسي: التهديد بالنسبة الى السلطة الفلسطينية هو تهديد وجودي، أما بالنسبة الى إسرائيل فالتهديد استراتيجي. ممنوع على الجانبين نسخ هذا التهديد نفسه في الضفة».

وعلى الحلبة السياسية، أصدر حزب «إسرائيل بيتنا»، برئاسة أفيغدور ليبرمان بياناً طالب فيه الحكومة بقطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية وعدم «التعاون بين الوزارات»، داعياً الحكومة الإسرائيلية الى وقف نقل الأموال للسلطة (أموال الضرائب وهي من حق الفلسطينيين).
وقال البيان «لا يمكن مشاهدة أن تنقل إسرائيل أموالاً لحماس، أو بالأحرى أن تموّل ممارسات ضد مواطنيها».
وهذا ما فعله أيضاً وزير المال يوفال شطاينتس الذي جمّد تحويل الأموال للسلطة بدعمٍ من رئيس الحكومة. كما لم يوفّر وزير الدفاع السابق، موشيه آرينز، في مقالة نشرتها «هآرتس» هجوماً على السلطة الفلسطينية بقوله إنّ «عباس أيضاً انسحب عملياً من معارضته السابقة للإرهاب».
لكن صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها أمس أصدرت صوتاً مغايراً نوعاً ما للجوقة المتوقعة، واعتبرت المصالحة «فرصة» للتوصل إلى اتفاق، قائلة إنّ ما جرى بين فتح وحماس ولد «من التحولات السريعة في الشرق الأوسط».
ودعت الصحيفة إسرائيل إلى «التفكير مجدداً بمواقفها»، معتبرة أن الدولة العبرية «لا تستطيع، وليست مجبرة على إفشال، المصالحة»، داعية الى الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الموحّدة، كي تستطيع الدولة العبرية مستقبلاً «بناء حوار، وجيرة طيّبة مع الدولة الفلسطينية».