'أبو عرب' و'حنين' و'الكوفية'.. احتفال ودموع في الوطن

'أبو عرب' و'حنين' و'الكوفية'.. احتفال ودموع في الوطن
دموع وفرح ومشاعر فياضة بالغربة عن الوطن والرجوع إليه، احتضنتها قاعة 'قصر رام الله الثقافي'، عندما أدى 'أبو عرب' القادم من مخيم حمص في سوريا، وفرقتا 'حنين' و'الكوفية' القادمتان من مخيمات لبنان فقراتهم الفنية الممزوجة بالدموع والرغبة الجامحة في العودة للديار.
بدأ الفنان إبراهيم محمد صالح 'أبو عرب'، حفل افتتاح 'الملتقى الثقافي التربوي الرابع' الذي تنظمه اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، والذي خلا من الكلمات الرسمية، بمواويل وأغان وطنية طالما رددها فناونون ومواطنون في مواقف كثيرة صادفوها في حياتهم سواء بالمواجهة مع الاحتلال أو في الغربة القسرية.
دمعت عينا 'ابو عرب' وعينا من كان يعزف على اليرغول معه وعيون الكثيرين من الحضور، مساء أمس الأحد، عندما عبر عن فرحته الكبيرة بالقدوم إلى أرض الوطن، حتى أنه ضمن في أغنيته المشهورة 'هدي يا بحر هدي... طولنا بغيبتنا' مقطعا جديدا 'صارت روحي تتجلى.. لما وصلت رام الله.. دخيل اسمك يا الله تعجل برجعتنا'، وردد ذلك أكثر من مرة.
وزاد 'أبو عرب' على أغنيته 'يا أخويا في الزنزانة' مقطعا حيا فيه الأسيرين أحمد سعدات ومروان البرغوثي، وغنى أغنية للمصالحة الفلسطينية التي وقع على اتفاق بشأنها يوم الأربعاء الماضي بالقاهرة، بعد انقسام دام أربع سنوات، فقال 'الوحدة الوحدة يا ثوار... وصية أحمد ياسين... أمنية أبو عمار'.
كما واصل غناءه للفدائيين واستذكر سبب كتابته أغنية 'يا يمى في دقة على بابننا' في السبعينيات من القرن الماضي، والتي كان سببها عودة فدائي يدعى بلال إلى ديرته ودق باب بيت والدته بعد غياب دام ثلاثة أشهر وهو يحارب الاحتلال الإسرائيلي، واعتقدت الوالدة بأنه توفي في إحدى عملياته الفدائية وقد أقامت بيت عزاء له، وظنت أن الطارق جندي إسرائيلي إلا أن ابنتها قالت لها 'يا يما في دقة على بابنا... يا يمى هي دقت احبابنا'.
وأنهى 'أبو عرب' فقرته الفنية، إلا أن الجمهور ظل يطلب منه المزيد، وأخذ يردد معه أغانيه جميعها، ورقص العديد من الحضور وهم يحملون مفاتيح خشبية كبيرة ترمز إلى 'حق العودة' للديار التي هجر منها الفلسطينيون إبان احتلال إسرئيل أراضيهم عام 1948.
وأبو عرب من مواليد عام 1931 في قرية الشجرة المهجرة في الجليل، وبعد التهجير لجأ إلى كفر كنا، ونزح بعدها إلى عرابة البطوف بعدها إلى لبنان، ثم إلى سوريا. وهو 'شاعر المخيمات'، و'الذاكرة الحية للتراث الغنائي الفلسطيني'، بدأ أبو عرب لأول مرة حياته الفنية بشكل مكثف ومنتظم عام 1978 حين استدعاه عضو اللجنة المركزية في حركة 'فتح' الشهيد ماجد أبو شرار، وطلب منه العمل في إذاعة 'صوت فلسطين' وتسجيل الأغاني والأهازيج الوطنية، وأسس عام 1980 فرقته الأولى التي عرفت باسم 'فرقة فلسطين للتراث الشعبي'، حيث غنى أبو عرب أكثر من 300 أغنية منذ السبعينيات.
وبالشجن والانفعال والتفاعل ذاته قدمت فرقتا 'حنين' 'والكوفية' القادمتان من المخيمات الفلسطينية وصلتيهما، فغنت فتاة وثلاثة من مطربي فرقة حنين التي تأسست عام 1997 ويرأسها الفنان زيد تيَم أغاني وطنية وتراثية فلسطينية، وغنى مطربها محمد الآغا أغنية جديدة عن أمنيته بالنوم حتى ولو في كروم الخليل أو بالقرب من تماثيل الأسود الجاثمة وسط 'منارة' رام الله.
فرقة 'الكوفية' التي أسستها حورية الفار عام 1992، لم تكن أقل حظا في التشجيع والترحيب، ولا بالأداء الفني لأعضائها، فطال عازفيها على القربة والطبلة في عزفهم، وطال راقصيها العشرين في تقديم دبكاتهم الشعبية، وألقت طفلتان وفتاة مقطوعات تحكي هموم اللاجئين ورغباتهم في العودة لديارهم، بتأثر بالغ ودموع تذرف.
وشهد حفل الافتتاح حفل حناء للفتاة مي التي تواعدت هي وخطيبها عمار اليوزباشي، حين علما بأنهما سيجيئان إلى أرض الوطن من حيث يقيمان في مخيمات لبنان،على أن يقيما عرسهما في فلسطين، إلا أن الاحتلال منع عمار من دخول الوطن، واحتُفل بمي في عرس رمزي دون عريس في قاعة 'قصر رام الله الثقافي'، وسط زغاريد وتهاليل نسوة من رام الله وتصفيق حار من الجمهور.
وقال أمين عام اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم إسماعيل التلاوي لـ'وفا' 'للمرة الرابعة ننجح في عقد الملتقى بمشاركة حشد من أبناء شعبنا الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وهذه المرة الثانية للملتقى على أرض الوطن'.
وأضاف: الكثير من المشاركين في الملتقى يزورون فلسطين لأول مرة بعد أن عانوا من النكبة الفلسطينية عام 1948، مشيرا إلى أن النشاط فرصة لجسر التباين بين الفلسطينيين كافة والمساهمة في تفعيل المشهد الثقافي في الوطن.
ويرى أن الفعالية 'تخلق شبكة من العلاقات فيما بين أبناء الوطن الواحد، للتواصل وتبادل المعرفة والخبرة في كل المجالات، والإطلاع على الأوضاع الثقافية والتربوية والاجتماعية لكل منهم، خاصة أن حالة التشتت التي أصابت شعبنا بعد النكبة خلقت تباينات في القضايا الثقافية والتربوية والاجتماعية لدى كل تجمع خارج فلسطين'.
ولفت النظر إلى أن الملتقى هذا العام ينظم تحت شعار 'يمينا يا وطن لن تغادرنا'، ويصل عدد المشاركين فيه إلى 170 من القادمين من جميع مخيمات لبنان وسوريا والأردن، وبعض القادمين من دول الخليج العربي، ودول أوروبا والدول الاسكندينافية وكندا، إضافة إلى مشاركة مواطنين من الجليل والمثلث والنقب في الداخل، بما في ذلك مشاركة أبناء من القدس ومحافظات الضفة.
حفل 'أبو عرب' و'حنين' 'والكوفية' هو الحفل الأول للملتقى الذي سيقيم حفلين أخريين في مدينتي الخليل وجنين، وستختتم فعاليات النشاط الذي سيتخلله جولات عديدة للوفود المشاركة في مختلف محافظات الضفة الغربية وفي القدس المحتلة، في الخامس عشر من الشهر الجاري، يوم ذكرى 'النكبة' الفلسطينية، ومن ثم ستغادر الوفود أرض الوطن قسرا؛ بسبب انتهاء فترة مكوثهم هنا من قبل سلطات الاحتلال.