فلسطين تستحق توقيعاً

عناية جابر
لم نهزّ رأسنا طرباً، لكن قلنا هذا جيّد، حين قرأنا خبر توقيع فتح وحماس اتفاقية مصالحة في القاهرة، تُنهي سنوات أربعاً من الانقسام. هذا جيّد! قلناها بشيء من الحيادية والبرود، كانفعال لا يريد أن ينفعل، لا يريد أن يُصفع على قفاهُ بعد. هذا جيّد بشكل مبدئي حتى لو لم يُعمّر الاتفاق. جيّد لأنه تمّ في قاهرة الثورة، على الأقل من دون تدخلات وتوصيات أميركية وإسرائيلية.
أمّا «النقزة» والتشكيك بأن الاتفاق سوف لن يُعمّر، وبأن الغصة مُقيمة والحذر ضروري، فلأن ما من «كاريزما» وعلى كل المستويات ما بين فتح وحماس.
ما نأسى لهُ، أن الاتفاق ما كان ليعرف طريقه إلى التوقيع، لولا الثورات والغليان العربي هنا وهناك. اتفاق ليس منّة على الفلسطينيين، لا من فتح ولا من حماس، وما كان ليحدث لولا ما يحصل في العالم العربي، ما جعل هؤلاء وأولئك يستحون، يُحشرون في الزاوية ويوقعون على ما كان يجب عليهم التوقيع عليه من زمان. تاريخ العداء الفلسطيني/ الفلسطيني، الذي أباد آلاف الشبان الفلسطينيين، والعوائل والأطفال والنساء، يؤلم أكثر من لكمة قوية على الرأس، وهو دام لامبالياً ومجانياً وبحسابات خارجية أحياناً أكثر مما تتحملهُ فلسطين، ولا أبلغ من أن تُمحو الاتفاقية هذه، الألم الكبير والكريه الذي أحدثته حماس وفتح، بالشعب الفلسطيني بكل فئاته وأطيافه وآماله.
الشارع العربي جزء من هذا الاتفاق. أساس هذا الاتفاق. اتفاق لا نثق به لأن من وقعهُ أخيراً وعلى استحياء من مستجدات عربية عظيمة، فاضحة في حال عدم توقيعه، كان يعلم جيداً غبطة اسرائيل وارتياحها الى عدم توقيعه. أذى الموقعين، كان أمرّ على الشعب الفلسطيني، من أذى الإسرائيليين أنفسهم. كانت أزمنة شريرة وأشبه بيوم حساب أخير.

قلنا هذا جيّد ورحّبنا بتوقيع الاتفاق، ولم نقل إننا نعوّل على تطبيقه. دونه ذلك الشرخ في العظم. نتأمل في حفل التوقيع القاهري ونحبس أنفاسنا. فلسطين المبللة بالدماء والقهر، تستحق أكثر من هذا التوقيع، وهي حتى اللحظة نجت، ليس بفضل حماس وفتح، بل بفضل شبابها الواعي المؤمن فعلاً بجذوره، والذي لا يكفّ رغم التقاتل الحماسوي/ الفتحاوي، يستنهض فلسطين من ركامها، بإحياء روحها من خلال إحياء ثقافتها وفنونها وتراثها، وكلها أنواع كفاح انساني لا تفقه فيه حماس، ولا فتح شيئاً.
الأنظمة العربية ضحكت طويلاً من وراء ظهر فلسطين، سخرت من ألمها وتاجرت به وعقدت الاتفاقات على نية الخلاص منها. ناس فلسطين وحدهم، من دون حكامها، بقوا على انتمائهم واعتدادهم، متنبهين الى المعنى الأسود لحوارات الطاولات المستديرة والمستطيلة والمربّعة، عليها يتآمر قساة حقيقيون، بهيئة الأب والأخ.
هذا جيّد، لكن التناقض فاضح بين مفهومي حماس وفتح في كل الأمور. التناقض البليد الذي كبر ومدّ رجليه على كامل فلسطين الداخل والخارج. هذا جيد، والتوقيع على الاتفاقية انفضّ. تبقى آليات التنفيذ في تفاصيلها وشياطينها. ثم، التفاصيل ليست دائماً مسكناً للشياطين. مسكنها الدائم القلوب الفارغة من محبة فلسطين.