المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)
التقرير السنوي ( 2009) لانتهاكات الحريات الإعلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة
173 انتهاكاً للحريات الإعلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال عام 2009
2009 كان عاماً دموياً للصحفيين الفلسطينيين
لقد أدى استمرار إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية إلى تواصل انتهاكات الحريات الإعلامية خلال العام الماضي (2009), كما أن استمرار الصراع بين حركتي فتح وحماس كان العامل الرئيس في الانتهاكات التي حدثت من الجانب الفلسطيني، حيث لا زالت الأراضي الفلسطينية تتميز بالسيطرة الأمنية عليها من عدة أطراف, الأمر الذي يؤدي إلى تعدد الجهات التي تنتهك الحريات الإعلامية, فمن جهة هناك سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين, ومن جهة أخرى الأجهزة الأمنية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية, إضافة مجموعات فلسطينية مسلحة, الأمر الذي أدى إلى استمرار تراجع الحريات الإعلامية وحرية التعبير المتاحة, وممارسة الصحفيين ووسائل الإعلام لرقابة ذاتية مفرطة, وبالتالي إلى تراجع مستوى ومهنية الإعلام الفلسطيني.
وفي هذا الإطار رصد المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) 173 انتهاكاً للحريات الإعلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال العام الماضي 2009، منها 97 انتهاكا ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين, و76 انتهاكا ارتكبتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة والقطاع ومجموعات فلسطينية مسلحة.
وعلى الرغم من أن حجم الانتهاكات بحق الصحافيين الفلسطينيين كبير،ويعتبر من أكبر النسب على الصعيد العالمي، إلا انه يؤشر إلى انخفاض في عدد الانتهاكات قياساً بالعام 2008 ، الذي شهد 257 انتهاكا رصدها مركز مدى، مع الإشارة هنا إلى أنه رغم هذا الانخفاض، إلا أن العام الماضي كان عاما دمويا بالنسبة للصحفيين الفلسطينيين، الذين فقدوا أربعة من زملائهم بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء العدوان على قطاع غزة وهم: عمر السيلاوي،علاء مرتجى ،باسل فرج وإيهاب الوحيدي.
إلى ذلك، لوحظ أن الانتهاكات بحق الصحافيين الفلسطينيين كانت تتزايد عند تصاعد حدة الخلافات الفلسطينية الداخلية، كما أن الاعتداءات من الجانب الإسرائيلي ازدادت بشكل خطير أثناء العدوان على قطاع غزة خلال شهر كانون الثاني, كما واصلت قوات الاحتلال اعتداءاتها على الصحفيين أثناء تغطيتهم للمسيرات السلمية المناهضة لجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، وصعدت قوات الأمن الإسرائيلي من اعتداءاتها على الصحفيين في مدينة القدس، وحظرت دخولهم لباحات المسجد الأقصى في مخالفة واضحة، ليس للمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقط بل للقانون الإسرائيلي نفسه الذي تطبقه سلطات الاحتلال عنوة على القدس الشرقية المحتلة.
وفي السياق ذاته،واصلت إسرائيل سياسة اعتقال الصحفيين حيث وصل عدد المعتقلين منهم إلى سبعة صحفيين, ونفس الأمر تكرر من الجانب الفلسطيني حيث تم اعتقال ثلاثين صحفيا,ونفس العدد تم احتجازهم من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لفترات متفاوتة. أما عدد الصحافيين الفلسطينيين الذين أصيبوا برصاص قوات الاحتلال فقد وصل إلى 34 صحفيا، في حين بلغ عدد المصابين نتيجة الاعتداء عليهم بالضرب من الجانب الفلسطيني ستة صحافيين.
وفي زاوية أخرى من هذا المشهد تلازم مع العام الماضي قصف وتدمير عدد كبير من المؤسسات الإعلامية وبيوت الصحفيين في قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي،إلى جانب منع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول الصحف الفلسطينية على مدار العام الماضي،علاوة على مواصلتها سياسة الحد من حركة وتنقل الصحفيين من والى قطاع غزة،إضافة إلى استمرار سياستها القديمة في منع معظم الصحفيين في الضفة الغربية من حرية التنقل من والى القدس وإسرائيل، وكذلك الحرمان من السفر إلى الخارج لبعض الصحفيين.
أن الإجراءات الإسرائيلية المتواصلة والممنهجة بحق مجمل مكونات القطاع الإعلامي في فلسطين حالت دون قدرة العديد من الزملاء من السفر إلى الخارج للحصول على جوائز دولية وإقليمية منحت لهم بفضل موضوعيتهم واحترافهم في تغطية الواقع الفلسطيني بكل ما يحمله من آلام وآمال.
إن استمرار حالة الانقسام السياسي، وما صاحبها من احتقان واحتدام في العلاقة بين حركتي حماس وفتح أدت إلى استمرار التعدي على الحريات الصحفية من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في شطري الوطن،والى بقاء الكثير من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ممنوعة من العمل، أو متوقفة عن ذلك، نتيجة خوف العاملين فيها من الملاحقة والاعتداءات، وذلك منذ سيطرة حماس على قطاع غزة في منتصف حزيران 2007 ، كما أدى استمرار الصراع بين الحركتين إلى تعزيز الرقابة الذاتية في أوساط الصحفيين الفلسطينيين, الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على إنتاجية ومهنية الإعلام الفلسطيني. حيث أصبح يهيمن على ذهنية عدد لا باس به من الصحفيين مفردتان: الخوف أو المجاملة. الخوف من حماس أو مجاملتها، وكذلك الخوف من فتح أو مجاملتها.
أما بشأن اختطاف الصحافيين فلم تشهد الساحة الفلسطينية، وللعام الثاني على التوالي، حالات اختطاف للصحفيين، الأمر الذي يبشر بزوال تلك الظاهرة التي سادت الأراضي الفلسطينية عدة سنوات، والتي أفرزت نتائج سلبية جداً على عمل وسائل الإعلام، خاصة الدولية منها. ويقتضى التنويه،هنا، إلى أن مثل هذه الظاهرة كان لها مردود سلبي وخطير،أيضاً، على مكانة القضية الفلسطينية. فعندما يتم اختطاف صحافي أجنبي فإن الرأي العام الدولي، خاصة الذي ينتمي لبلد المختطف تتراجع مساحة تأييده للفلسطينيين ومطالبهم العادلة.
في الوقت الذي يرحب فيه "مدى" بقرار الدكتور سلام فياض بمنع التعذيب في سجون السلطة الوطنية الفلسطينية، وقرار المدير العام للشرطة في قطاع غزة بعدم الإساءة للصحفيين وتسهيل مهماتهم، ولما لذلك من أثر ايجابي على الحريات الصحفية، فإننا نطالب بأن يترافق ذلك مع قرار من السلطات المعنية في الضفة والقطاع يحرم اعتقال الصحفيين على خلفية حرية الرأي والتعبير.
ان مركز "مدى" يدين كافة الاعتداءات على الصحفيين ووسائل الإعلام، والتي تعتبر انتهاكا صارخا لحرية التعبير التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الفلسطيني الأساسي، وقانون المطبوعات والنشر.
ويعرب مركز "مدى" عن تقديره للزملاء الصحفيين الذين رغم خطورة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية،وجسامة الاعتداءات المتكررة عليهم واصلوا القيام بواجبهم على أكمل وجه،معرضين حياتهم للخطر في الكثير من الأحيان. مع المفارقة المفرحة،هنا، أن الكثير منهم حصلوا على جوائز إقليمية ودولية، الأمر الذي يدل على المهنية العالية التي يتحلون بها .
إننا نؤكد مجددا أنه بدون زوال الاحتلال الإسرائيلي، ووضع حداً للصراعات الداخلية الفلسطينية، فانه يصعب الحديث عن انخفاض دراماتيكي في الاعتداءات على الصحفيين، ووسائل الإعلام الفلسطينية.
التوصيات:
استناداً إلى حيثيات المشهد الإعلامي الفلسطيني خلال العام الماضي، وانطلاقا من أهداف المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية(مدى) في الدفاع عن الحريات الإعلامية وتنمية الإعلام الفلسطيني، فإنه يوصي بالآتي:
• احترام حرية التعبير التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الفلسطيني الأساسي، وقانون المطبوعات والنشر.
• مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها على الصحفيين ووسائل الإعلام الفلسطينية.
• إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية والفلسطينية.
• تحريم اعتقال الصحفيين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة, وعدم زجهم في الخلافات الفلسطينية الداخلية.
• السماح لكافة وسائل الإعلام في الضفة والقطاع والصحفيين بالعمل بحرية وأمان.
• التزام الصحفيين الفلسطينيين بالمعايير المهنية, وعدم اللجوء للتحريض.
• تشكيل مجلس أعلى للإعلام, يكون مسئولاً عن أجهزة الإعلام الرسمية, لضمان حياديتها وموضوعيتها.
• احترام قرارات الهيئة القضائية وخاصة قرارات محكمة العدل العليا المتعلقة بالصحفيين من قبل الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون.
• ملاحقة كافة المسؤولين عن الاعتداءات على الصحفيين وتقديمهم للعدالة.
• سن قانون حول الحق في حرية الوصول للمعلومات، وتعديل قانون المطبوعات والنشر الصادر سنة 1995, بما ينسجم مع القانون الفلسطيني الأساس, والمعايير الدولية المتعلقة بحرية التعبير.
أخيرا لا يسعنا إلا ان نتقدم بجزيل الشكر لمؤسسة معهد المجتمع المفتوح في سويسرا (FOSI), على دعمها لبرنامج الحريات الإعلامية لمركز مدى ، كما ونشكر كافة والمؤسسات الشريكة والأصدقاء على دعمهم وتشجيعهم وتعاونهم.