خطاب أوباما للشرق الأوسط ويوم النكبة في 2011

فور عودة الرئيس الأميركي باراك أوباما من عند ملقّنه في وزارة الخارجية في 19 أيار / مايو 2011، أعرب "روبرت ساتلوف"، المدير التنفيذي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والذي أسسته اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك)، أعرب عن استيائه من إصرار الرئيس أوباما على أن حلّ المسألة الفلسطينية يجب أن يبدأ من هدنة 4 حزيران/يونيو 1967، كما اعتبر أن هذا الإصرار "يشكل انحرافا كبيرا عن السياسة الأميركية القديمة فضلا عن كونه تهديدا حقيقيا لإسرائيل".
وأضاف ساتلوف: "لن يكون لهذا الانحراف تأثيرا إيجابيا، فهناك سلوك واحد يلخص الخطأ الفادح الذي ارتكبه أوباما إذ صرّح بأن "الوضع الراهن لن يدوم طويلا، وعلى إسرائيل أن تتجرأ للمضي قدما في تحقيق سلام دائم".
وسرعان ما انضم إليه زميله "دانييل بايبس"، الصهيوني المتطرف والمشهور بعدائه للعرب، زاعما أمام قناة (فوكس) التلفزيونية ومؤسسة ماكيروسوفت الوطنية للإرسال (أم.أس.أن.بي.سي.) أن "دعوة أوباما لإسرائيل للعمل بجرأة تحمل تنازلات للعدو الذي أقسم بإزالة الدولة اليهودية من الوجود. هذه ليست سياسة وإنما حماقة". وتجدر الإشارة إلى أنه لا شك من انضمام العشرات من أعضاء الكونغرس واللوبي الصهيوني إلى كل من "ساتلوف وبايبس" خلال الأيام القليلة المقبلة.
وينسب كثير من المناصرين لإسرائيل التغير الملحوظ في السياسة الأميركية إلى إحياء ذكرى النكبة هذا العام. ففي هذا الصدد، كتب "إيليوت أبراهامز" عن الوضع الراهن في مقاله الأسبوعي المعادي للعرب والذي يعاني الإسلاموفوبيا، فقال: "استغل الفلسطينيون يوم النكبة لاستعادة توازنهم وجذب الانتباه إليهم، فإحياء ذكرى النكبة لم يكن بسبب هزيمة العرب في حرب عام 1967، ولا بسبب الاتفاقية حول الضفة الغربية المماثلة لاتفاقية "كامب ديفيد". لم يكن امتداد التوطين هو النكبة، ولا يمكن أن يكون إيقاف بناء المستوطنات هو مطلب الفلسطينيين... إن مطلب يوم النكبة هو تغيير معادلة إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948!... ففي خطاب ألقاه رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية التابع لحركة حماس في غزة نهار الأحد الماضي، قال أمام الحشود إنهم يتظاهرون "بأمل كبير للقضاء على المشروع الصهيوني في فلسطين". كما صرّح الرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال الأسبوع الماضي بالتالي: "نحن لن نتنازل عن حق العودة" ". ويخلص أبراهامز إلى قول "إن هذه هي النكبة الحقيقية لإسرائيل". كما ويعتقد أبراهامز أن أوباما سيدفع إسرائيل بقوة لتحقيق سلام مع الفلسطينيين خلال الانقلاب الفجائي الحاصل في المنطقة.
وفي الحقيقة، لم يخطئ القادة الصهاينة في اهتمامهم بهذا الموضوع، فشهادات المشاركين في يوم النكبة 2011 في كل من غزة والضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان، فضلا عن عدد كبير من المظاهرات المؤيدة في كثير من دول العالم، تشير كلها إلى أن الحدث الذي غير قواعد اللعبة هذا العام كان حقا بالغ الأهمية.
أما هنا في لبنان، فقد وقف معظم المشاركين الذين وصلوا إلى قرية مارون الراس الواقعة على الحدود مع فلسطين، والذين يفوق عددهم 72 ألفا، وقفوا ينظرون إلى قراهم للمرة الأولى، وكانوا داخل الحافلات التي أقلّتهم من مختلف المخيمات والمناطق اللبنانية والتي حملت كلّ واحدة منها اسم قرية فلسطينية كان الإسرائيليون قد قاموا فيها بعملية تطهير عرقي.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الحافلات زاد على 1200 حافلة. فلطالما حظر القانون اللبناني على الفلسطينيين الاقتراب من منطقة الخط الأزرق للنظر إلى منازلهم وأراضيهم المسروقة، كما منعهم من تجاوز منطقة الليطاني شمال مدينة صور. أما هذا العام، فقد ترددت السلطات اللبنانية بشأن التدخل في مشروع حقوق الإنسان هذا في الوقت الذي يتم التحضير لأحداث أكبر وعلى نطاق أوسع في ما يخص "حق العودة".
وفي الحافلة التي ركبتها من مخيم شاتيلا، كان حديث الشباب وأهلهم وأجدادهم يدور حول قصص من فلسطين وأوصافها على شبكة الأنترنت.
وإذ اقتربنا من قرية مارون الراس، كان البعض قلقا، وكان البعض الآخر يفكّر بهدوء، أما الآخرون من أبناء جيلي، والذين كانوا شبابا في بدايات فرقة "بيتلز" الموسيقية و"ألفيس بريسلي"، فقد أصيبوا بالدوار وبدأوا بالصراخ عندما انعطفت حافلتنا جنوب قرية عيترون، وبدأنا ننظر للتلال المجاورة. حينها سأل أحمد، المولود في مخيم شاتيلا والخريج في اختصاص الهندسة: "هل هذا وطني فلسطين الذي أراه هناك؟"، فجاء الرد على مكبر الصوت: "نعم حبيبي!". وكانت المسؤولة عن الحافلة، التي كانت تحمل لوائح بأسمائنا وتتفقد الجميع حتى لا يضيع أحد منا، هي التي أجابت أحمد. وكاد جميع من في الحافلة يهذون من شدة الفرح، فكنا نصرخ ونبتسم. وقد حضّر بعض المشاركين لافتات كتبوا عليها "الشعب يريد العودة إلى فلسطين" وذلك تيمّنا بشعار ثورتي مصر وتونس "الشعب يريد إسقاط النظام".
وكان الحدث مذكّرا برحلة من رحلات الحرية في الميسيسيبي التي كان يحدثنا عنها "جايمس فارمر" من مجلس المساواة العرقية (كور)، وقد فكرت في ذلك الحين بتبجّح بن غوريون الذي قال عام 1948 "الكبار سيموتون والصغار سينسون فلسطين". فذلك القائد الصهيوني لم يكن مصيبا في قوله ذلك أن الكبار الذين ما زالوا نشيطين وحتى الذين ماتوا، ما زالوا يعلّمون الصغار ويلهمونهم من خلال القصص التي يتذكرونها، فيضمنون بذلك أن حلم كلّ فلسطيني لا يجب أن يموت أبدا.
إنه لمن الصعب أن نبالغ في الألفة والعاطفة والقوة المطلقة ليوم النكبة في 2011. لقد جاء اللاجؤون لتجديد التزامهم ولإيصال رسالة إلى الإدارة الأميركية وإلى العالم كلّه مفادها أنهم مصممون على العودة إلى أرضهم مهما كلف الأمر من تضحيات. وقد كانت المشاركة عملا دينيا مقدّسا لدى بعض الذين أتوا لرؤية فلسطين ومنهم الذين هجروا من أراضيهم منذ 63 عاما. كان كل من في حافلتنا يهتف كلّما مررنا بحانب لافتة مكتوبة باللغتين العربية والإنكليزية مثلا: "23 كلم إلى فلسطين".
وفي المقابل، وكما عرف العالم مؤخرا، فقد قتل في لبنان وحده عشرة فلسطينين برصاص القناصة الإسرائيليين وجرح أكثر من 120 آخرين بعضهم بحالة خطرة. ولم يحمل أيّ من المتظاهرين سلاحا. فأولئك الذين قتلوا كانوا مدنيين من المخيمات، وتم إطلاق الرصاص عليهم بدم بارد حينما وضعوا الأعلام الفلسطينية على السياج وأطلقوا إشارات السلام والنصر بعيدا عن العنف. إلا أن بعض هؤلاء المتظاهرين رموا الحجارة على الجنود الإسرائيليين عقب قيام الآخرين بإطلاق النار عليهم. ولحسن الحظ، تم إنقاذ حياة بعض المصابين في مستشفى ميداني كان في موقع الحدث، وهذا المستشفى تابع لمستشفى الشهيد صلاح غندور الواقع بجوار مدينة بنت جبيل.
وقد رأينا جنودا من قوات الاحتلال الصهيوني متجمعين بجانب الخط الأزرق في مارون الراس ويحدقون من وراء الأشجار والحواجز في حين كان عدد منهم ظاهرا بشكل كامل. وقد أعلمني مصدر واسع الاطلاع بأن ما يقارب 32 من الجنود الإسرائيليين كانوا في يوم من الأيام على مرمى نيران مقاتلي المقاومة غير الظاهرين، والذين كانوا يراقبون بهدوء الأحداث التي كانت تحصل. إلا أن حزب الله قرر عدم قتلهم لأن ذلك يعزز أهدافهم، فضلا عن الاستفزاز الذي تعرضوا له هذه المرة.
إن اللوبي الصهيوني على حق في اعتباره أن إحياء يوم النكبة هذا العام كان مختلفا عن الأعوام الماضية، فسرعان ما أدركوا أنه قد نتج عن ذلك إنتفاضة جديدة أوسع ومدعومة أكثر على الصعيد الدولي، وبذلك أصبح للفلسطينيين عدد أكبر من المناصرين خلال وقت أقلّ.
وفي حين لم يكن متوقعا أن يحصل ذلك بأي وسيلة، يبدو أن خطاب الرئيس أوباما الذي ألقاه في 19 أيار / مايو 2011، والذي يحمل الكثيرين من داخل الكونغرس الأميركي المحتل على اتهامه بأنه "قد خان إسرائيل"، يبدو مدركا للتغيير التاريخي الحاصل في المنطقة والذي يقود الفلسطينيين لاستعادة كرامتهم ومنازلهم وأرضهم.
ويتوقع كلّ من "إيليوت أبراهامز، ودانييل بايبس، ودينيس روس، وروبرت ساتلوف"، بالإضافة إلى كثيرين غيرهم، يتوقعون أن يشهدوا قريبا نكبة للصهاينة المحتلين لأرض فلسطين، وذلك لن يكون إلا مسألة وقت.
ولذلك ستحقق النكبة الصهيونية القادمة العدالة لأولئك الذين تم تطهيرهم عرقيا من قراهم، حتى لو انتظرنا ثلاثة وستين يوما.