قطاع الطاقة في إسرائيل.. أسير هاجس عمليات التخريب

تواجه اسرائيل منذ إنشائها مجموعة تحديات في قطاع الطاقة تحتّم عليها البحث بشكل متواصل عن حلول جذرية تلبي حاجات الكيان المختلفة، لهذا القطاع الحساس. الحالة الإسرائيلية بتعقيداتها وخصائصها تجعل من تجربة تل أبيب نموذجاً فريداً، تفتح دراسته بعناية، الأفق أمام الكثير من الخيارات القابلة للتطبيق في أي دولة لن تعاني بأي حال من الأحوال العديد من الإشكاليات المطروحة في اسرائيل، وأبرزها:
- الكثافة السكانية العالية في الأراضي المحتلة.
- الطلب الكبير على قطاع الطاقة اقتصادياً وصناعياً.
- البيئة السياسية التي تتواجد فيها إسرائيل، ما يجعل منها «وحدة منعزلة» من ناحية شبكة الكهرباء، ويفرض عليها إيجاد السبل لتحقيق اكتفاء ذاتي يلبي الطلب في أوقات الذروة، إذ أن توقف معمل توليد كهرباء واحد في البلاد عن العمل، قد يؤدي الى ازمة حقيقية وتوقف قطاعات كاملة عن العمل في نطاقات جغرافية محددة.
تعالج إسرائيل هذه الإشكاليات من خلال اعتماد منهجية علمية تستند الى دراسات توفر اجابات على اسئلة محددة تحاكي ظروف الكيان، من قبيل:
- حجم المخاطر التي يشكلها الاعتماد المتزايد على الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء.
- ما هو الشكل الأنسب للبنية التحتية المخصصة للغاز الطبيعي بما يتوافق مع الطلب المتزايد للكهرباء؟
- ما هي التركيبة او المزيج الأمثل من الوقود الاحفوري في حالة اسرائيل؟
- ما هي الخطوات اللازم اتخاذها في حالات الطوارئ؟
مع الإشارة الى ان الرؤية الاسرائيلية لقطاع الطاقة يتمّ تطويرها منذ ما قبل اكتشاف حقول الغاز الأخيرة شرقي المتوسط.
واقع الكهرباء في اسرائيل
تعاني شركة الكهرباء الاسرائيلية من خطر العجز عن تلبية الحاجات الاقتصادية والمعيشية. ففي السنوات الأخيرة، استنزف الاستهلاك مرات عديدة الحد الأقصى من قدرة توليد الكهرباء، كما حصل في الشهر الأول من العام 2008، حين لامس الطلب على الكهرباء 10 آلاف ميغاواط من أصل 11 الف تنتجها الشركة في ذروة طاقتها. (في لبنان، يصل الطلب الى 2600 ميغاواط بينما تنتج معامل الشركة 1800 ميغاواط في أفضل حالاتها).
تعتمد اسرائيل، حتى الآن، على استيراد 43 في المئة من مجمل استهلاكها من الغاز الطبيعي من مصر، وتنتج 40 في المئة من مجمل طاقتها الكهربائية باستخدام هذه الكمية من الغاز المصري.
في مواجهة هذا الواقع، تحاول تل أبيب جاهدة اللجوء الى الفحم الحجري في توليد الطاقة كبديل عن الغاز الطبيعي. فخلال السنوات العشر الأخيرة، أمّن الفحم من نسبته 70 في المئة من الطاقة الكهربائية في إسرائيل. غير أن مشكلة أخرى يطرحها استخدام الفحم الحجري في توليد الكهرباء، وهي أن المعامل المخصصة لهذا النوع من مصادر الطاقة أكبر حجماً وأعلى كلفة وتستلزم منشأة لتبريد المياه بالقرب منها فضلاً عن محطة لتفريغ نفايات الفحم. وغالباً ما تلجأ تل أبيب امام هذه المعضلة الى انشاء هذه المعامل عند الساحل بالقرب من البحر، أي عند امتداد جغرافي غير بعيد عن التجمعات السكنية مع ما يستتبع هذا الواقع من مخاطر صحية وبيئية وأمنية.
وتتوزّع معامل الكهرباء حالياً على امتداد الأراضي المحتلة في 18 نقطة جغرافية، بينها 5 معامل كبرى تقع على الشريط الساحلي وتنتج ما مجموعه 7133 ميغاواط (أي ثلاثة أرباع مجمل الإنتاج المحلي).
ومع اكتشاف الغاز في المتوسط، تجد اسرائيل نفسها معنية بالإجابة على اسئلة تحاكي مخاطر محتملة أبرزها تأمين حماية كاملة لمنشآت التنقيب عن الغاز ولمعامل التوليد العاملة به، علماً أن دراسة أميركية صادرة عن مركز «راند» تشير الى ان اسرائيل تحتاج الى عقدين من الزمن قبل أن تصبح قادرة على استبدال الفحم الحجري بالغاز الطبيعي في توليد الطاقة.
حلول وتهديدات مستقبلية
الاستثمار في معامل تستخدم الغاز الطبيعي وترتبط بدورة التنقيب عن الغاز شرقي المتوسط، هو احد الحلول الرئيسة التي تسعى اسرائيل الى تطبيقها خلال السنوات القليلة المقبلة، اضافة الى خطوات مساندة كإنشاء «شبكات كهربائية ذكية» بهدف تخفيض كلفة الانتاج وضبط ترشيد الاستهلاك، وتأمين مصادر اضافية من المياه للمصانع الحالية، مع استمرار مشكلة الاحتباس الحراري، علماً ان تحلية المياه المستخدمة في تبريد المصانع العاملة على الفحم الحجري تتطلب استهلاكاً عالياً من الكهرباء.
لكن الركون إلى حل الغاز الطبيعي وحده، دونه اعتبارات عديدة على اسرائيل أن تأخذها في الحسبان، ومن بينها حصول تسرب من أي منشأة غاز طبيعي نتيجة ظرف طارئ او تعرض انابيب نقل الغاز لأعمال تخريبية. وقد لمست اسرائيل أخيراً حجم الضرر الذي سببته عمليات التخريب لأنبوب الغاز الطبيعي الآتي من مصر، الى حد اصدار وزارة الطاقة الاسرائيلية بيانات اتهمت فيها الحكومة المصرية بـ«انتهاك اتفاقية السلام» بين الطرفين.
إن عمليات تفجير الأنبوب تؤدي الى التلاعب بمنسوب الغاز المطلوب لتشغيل معامل التوليد، إذ ينعكس هذا الضرر أولا من خلال ارتفاع اسعار الكهرباء، وهو ما حصل بالفعل قبل ايام قليلة بفرض وزارة المالية الاسرائيلية زيادة بنسبة 9.3 في المئة على تعريفة الكهرباء، على الرغم من أزمة الاحتجاجات الشعبية التي يمر بها الكيان على خلفيات اقتصادية ومعيشية.
وكانت شركة الكهرباء أعلنت أنها اضطرت لدفع تكاليف إضافية لإنتاج الكهرباء بسبب الفارق بين أسعار الغاز المصري وأسعار المازوت، مطالبة الحكومة الاسرائيلية توفير علاوة طارئة تقدر بمليار دولار لتغطية هذه الفوارق.
وأبلغت شركة الكهرباء بورصة تل أبيب أن وضع إنتاج الطاقة في إسرائيل تضرّر بشكل كبير في أعقاب التفجير الرابع في خط تزويدها بالغاز المصري في سيناء، وان هذه الأضرار تفاقم الأزمة التي تعيشها أصلاً الشركة الإسرائيلية والتي يصعب حلها من دون رفع أسعار الكهرباء من ناحية وتلقي مساعدات من الدولة من الناحية الأخرى.
وبما أن المخاطر والتهديدات المحدقة بقطاع الطاقة الإسرائيلي غير خاضعة لمعايير منطقية او علمية دوماً، وبسبب حالة اللااستقرار الذي يعيشه الكيان، فإن استشراف الرؤية الاسرائيلية ازاء هذا الامر يستند بكل بساطة الى المسارعة في استثمار حقول الغاز المكتشفة في المتوسط، من دون ان تقدم اجوبة وافية حول وسائل حماية هذا القطاع الحيوي الذي بات يقع ضمن بيئة معادية من جميع الجهات.
واقع تسقط معه البروباغندا الداخلية التي روّجت لاستخدام طائرات من دون طيار في حماية المنشآت النفطية في البحر، لتبقى اشكالية امن الطاقة في اسرائيل محل نقاش مستفيض باكورته مؤتمر خاص يتناول الدفاع عن الحدود البحرية عقب تهديدات السيد حسن نصر الله.